هواة يربكون حيتان "وول ستريت" وصناديق الاستثمار تخسر مليارات

01 فبراير 2021
مضاربات غيم ستوب تربك وول ستريت
+ الخط -

أنهت الأسهم الأميركية واحداً من أكثر أسابيع تعاملاتها المثيرة للجدل على انخفاض بنسبة 2% تقريباً في مؤشراتها الثلاثة الرئيسية في آخر أيام الأسبوع الذي اعتبر الأسوأ منذ شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إلا أن أعين المستثمرين كانت مصوبة باتجاه المعركة التي احتدمت خلال تعاملات الأسبوع بين ما يطلق عليه "المستثمرون الهواة" ومجموعة من أكبر صناديق التحوط في الولايات المتحدة والعالم، فيما عرف بحكاية سهم شركة "غيم ستوب ـ GameStop" المتخصصة في ألعاب الفيديو، وبعض أسهم الشركات الأخرى منخفضة القيمة.

وبعد تسجيل العديد من الأسهم الأشهر في "وول ستريت" ارتفاعات قياسية، تزامناً مع تنصيب الرئيس جوزيف بايدن واقتراحه حزمة إغاثة للمواطنين وإنعاش للاقتصاد، جاءت أزمة أسهم شركة ألعاب الفيديو "غيم ستوب" التي حققت ارتفاعات قياسية في سعر السهم وأدت إلى إرباك السوق، خلافاً لرهانات الصناديق على انهيارها في مضاربات البيع المكشوف ذات المخاطر العالية.
وتسببت الارتفاعات المبالغ فيها في أسعار أسهم "غيم ستوب" ونظيراتها في انتفاضة الكونغرس وهيئة سوق المال الأميركية، ليعلنا نيتهما التحقيق في تلك العمليات، مع توقعات كبيرة بتشديد القواعد المنظمة للعديد من التعاملات في سوق الأسهم الأميركية خلال الأسابيع المقبلة.
وبدأت القصة حين قررت مجموعة من صغار المستثمرين المشاركين في منصة للتواصل الاجتماعي تلقين عمالقة "وول ستريت" من صناديق التحوط المعروفة بتحقيقها مكاسب ضخمة، أحياناً من خلال التنسيق بين بعضها البعض، درساً، بعد أن تنامى لعلمهم، من خلال بيانات منشورة على شبكة بلومبيرغ، أن تلك الصناديق تراهن على انخفاض أسعار أسهم "غيم ستوب" وبعض الشركات الأخرى، من خلال بيع أسهمها على المكشوف، انتظاراً لشرائها وتسوية المراكز المفتوحة عند انخفاض أسعارها.
وخلال السنوات الأخيرة، وتحديداً منذ الأزمة المالية العالمية في 2008 - 2009، زاد عدد أصحاب النظرة السلبية لكبار مستثمري "وول ستريت" من صناديق التحوط وغيرهم من مديري الاستثمار، بسبب ما اعتبروه ممارسات غير أخلاقية قامت بها تلك الكيانات وتسببت في حدوث الأزمة، التي ترتب عليها فقدان ملايين الأميركيين لوظائفهم ومنازلهم.
وفي 2011 تأسست في مدينة نيويورك، التي يقع فيها حي "وول ستريت" الشهير، حركة "احتلوا وول ستريت" التي كان من ضمن أهدافها تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية وحماية قيم الديمقراطية من تأثير الشركات الأميركية الكبرى، وعلى رأسها المؤسسات المالية.
وبعد عامٍ ضرب فيه "فيروس كوفيد-19" الولايات المتحدة، وتسبب، بخلاف مئات الآلاف من حالات الوفاة، في فقدان ملايين الأميركيين لوظائفهم ودخولهم، واضطرار بعضهم إلى الانتظار لساعات طويلة أمام بنوك الطعام للحصول على وجبات غذائية مجانية، بينما كانت الأخبار تتوالى عن مكاسب الأسهم وأرباح بالمليارات لصناديق التحوط وكبار مديري الأصول، كان طبيعياً أن تزداد الضغينة، التي وفر لها موقع Reddit منفذاً للتعبير، اتفق من خلاله المستثمرون الصغار على تنفيذ خطتهم، التي لم تتطلب توفير أموال ضخمة، بينما تجاوز عدد أعضاء الموقع ثلاثة ملايين عضو وقتها.
وساهم في زيادة الإقبال على شراء السهم تغريدة للملياردير الأميركي إيلون ماسك، المعروف بكرهه لعمليات البيع على المكشوف والذي يتابعه أكثر من 40 مليون شخص على موقع التواصل الاجتماعي الشهير تويتر، يوم الثلاثاء، أشار فيها إلى السهم والحوارات الدائرة بشأنه على الموقع الشهير.

أسواق
التحديثات الحية

واتفق المستثمرون الصغار على الموقع وأمام أعين الجميع على شراء سهم غيم ستوب، وبعض المشتقات الأخرى على السهم، ومنها عقود الخيارات من نوعية Call، التي تراهن على ارتفاع سعر السهم.
وأظهرت بيانات الجهات الرقابية التابعة لوزارة الخزانة الأميركية أن حجم التعاملات على شراء تلك العقود بلغ ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل عامٍ واحد فقط. ويسبب هذا الحجم من العقود تأثيراً كبيراً لضآلة تكلفته مقارنة بشراء الأسهم ذاتها، كونه يسمح بتحقيق الأرباح كما لو أن المستثمر قد اشتراها بالفعل. وفي تاريخ انتهاء صلاحية العقد أو قبله، يمكن للمستثمرين الشراء بالسعر المتعاقد عليه، ويطلق عليه Strike price، وبيعه على الفور لتحقيق ربح، ويتم ذلك بتكلفة أصغر بكثير مما لو كانوا قد اشتروا الأسهم مباشرة.
ومع تزايد عمليات الشراء، ترتفع الأسعار، وتتحمل صناديق التحوط التي باعت السهم على المكشوف تكاليف متصاعدة لتغطية مراكزها، وهو ما حدث بالفعل خلال الأسبوع الماضي، حين ارتفع سعر سهم "غيم ستوب" بنسبة تجاوزت 400% خلال الأسبوع، لتصل بمكاسبه منذ بداية الشهر إلى أكثر من 1625%، دون وجود ما يدعم تلك الارتفاعات الضخمة في نتائج عمليات الشركة.
ومع استمرار بعض صناديق التحوط في العناد، انتظاراً لانحسار موجة الارتفاع وعودة سعر السهم إلى مستوياته المنخفضة، اندفع الملايين من المستثمرين الإضافيين لشرائه، ليعمقوا جراح صناديق التحوط، ويدفعوا بهم واحداً تلو الآخر لشراء السهم لتغطية المراكز المفتوحة، مسببين مزيداً من الارتفاعات في سعره، بصورة لم يتخيلها من خططوا لكل ذلك.
وفي خضم هذه المعركة، اضطرت بعض صناديق التحوط لبيع كميات كبيرة من الأسهم الرابحة في محافظها لتوفير السيولة اللازمة لتغطية مراكزها المكشوفة في غيم ستوب، وأسهم أخرى تشمل شركة "أيه أم سي"، صاحبة صالات العرض السينمائي، وبلاك بيري، مصنع الهواتف الذكية، و"بيد باث آند بودي"، التي تبيع المواد المنزلية ذات الروائح، وغيرها.
وفي تقرير حديث نشرته يوم السبت، ذكرت مجلة "بيزنس انسايدر" أن خسائر الصناديق التي باعت تلك الأسهم على المكشوف بلغت 70 مليار دولار منذ بداية الشهر، منها نحو 10 مليارات دولار خلال تعاملات يوم الثلاثاء فقط، الذي شهد ارتفاع سعر سهم غيم ستوب بنسبة 135%.
وأشار التقرير إلى أنه رغم أن نسبة كبيرة من تلك الخسائر تعد حتى الآن ورقية، حيث لم تغط كل الصناديق مراكزها المكشوفة عند الأسعار الحالية، فإن صندوق التحوط "مالفين كابيتال"، الذي كان يدير أصولاً تتجاوز قيمتها 7 مليارات دولار، يوم الأربعاء أعلن تغطية كافة مراكزه المكشوفة، وكذلك فعل سيترون ريسيرش، الذي تم إجباره على تغطية المراكز المكشوفة، إلا أن أياً منهما لم يذكر قيمة الخسائر المحققة.
وأعلن سيترون ريسيرش في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر أنه "سيتوقف تماماً عن إصدار التقارير وبناء المراكز لعمليات البيع على المكشوف، بعد 20 عاماً من ممارسة النشاط".
وعلى نحو متصل، نقلت جريدة "نيويورك تايمز" عن أحد مصادرها أن صندوق التحوط، "بوينت 72"، الذي يديره الملياردير الأميركي الشهير ستيفن كوهين، والذي تجاوزت الأصول المدارة فيه مطلع العام الحالي 19 مليار دولار، خسر خلال الفترة التي مضت من العام الحالي 15% من أصوله.
ويوم السبت، أعلن كوهين، الذي يمتلك أيضاً فريق بيسبول نيويورك متس، أنه أغلق حسابه على تويتر بعد تلقيه وبعض أفراد أسرته تهديدات من شخصيات مجهولة.

وعلى نحو متصل، أكدت شبكة بلومبيرغ أن خسائر صندوق التحوط "دي وان كابيتال بارتنرز" بلغت نسبة 20% من إجمالي استثماراته. ولم تقتصر الخسائر على صناديق التحوط وغيرهم من العملاء البائعين للأسهم على المكشوف، حيث امتدت التبعات إلى بعض الكيانات التي تعمل في مجال السمسرة، ويفترض ألا يؤثر فيها ارتفاع سعر سهم أو انخفاضه.
وكان على رأس تلك الكيانات الشركة التي تمتلك تطبيق "روبين هود" الشهير، الذي سمح ببساطته، واعتماده سياسة "العمولة صفر"، بدخول الملايين من صغار المستثمرين إلى عالم "وول ستريت"، قبل أن تتسبب تطورات الشهر الأخير في وضعه تحت ضغوط كبيرة، اضطرته في بعض الأحيان إلى إيقاف شراء الأسهم الداخلة في هذه العملية، ثم سماحه بشرائها بكميات محدودة، إلا أن التطور الأكبر كان في الهرولة لاقتراض مبلغ مليار دولار من بعض المستثمرين قبل نهاية الأسبوع الماضي، رغم أنه أعلن قبل فترة نيته طرح نسبة من أسهمه للاكتتاب العام.

المساهمون