استقبل العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، يوم 20 فبراير الجاري، وفداً من الكونغرس الأميركي برئاسة عضو مجلس الشيوخ السيناتور كريس كونز (Chris Coons) الديمقراطي عن ولاية ديلاوير (ولاية الرئيس بايدن).
تناول الحديث تهديدات إسرائيل بغزو رفح، وإيقاف التمويل عن منظمة الأمم المتحدة لتشغيل وغوث اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وكذلك ضرورة إعلان إيقاف الحرب لمدة طويلة، لتسهيل دخول المساعدات الإنسانية لأهل غزة المنكوبين. وخلال اللقاء، حذر الملك عبدالله الثاني من خطورة استمرار الأوضاع الحالية.
وركز على أن منظمة الأونروا التي تشغّل 30 ألف شخص، تقدّم خدمات ومساعدات في مجال الحماية الاجتماعية والتعليم والصحة، لملايين اللاجئين الفلسطينيين في غزة، والضفة الغربية المحتلة، والأردن وسورية ولبنان.
كما دعا الملك إلى وقف طويل وفوري لإطلاق النار؛ لإتاحة دخول مزيد من المساعدات إلى غزة. حيث أصبح مجرد البقاء للناجين ينطوي على تحديات كبيرة حيال نقص المياه والطاقة والطعام، ونقص الأدوية والمستلزمات الطبية، وتدهور البيئة، وما يفرزه ذلك من أوبئة وتحديات صحية.
هذا عدا عن التهديد الخطير لحياة الجرحى والمرضى الذين لا يكادون يحصلون على أدنى درجات الرعاية البسيطة، بعد هدم المستشفيات والمراكز الصحية، ونقص الإمدادات التي تدنت إلى مستويات خطيرة، تجعل تهديدها بقتل الناس موازياً للقتل المتعمد الإسرائيلي باستخدام الأسلحة الفتاكة.
ولا يمكن أن يأتي وفد لزيارة الأردن واللقاء برأس الدولة، ليكون الحديث عن حقائق واضحة ومعلومة ولا تغيب عن ذهن الإدارة الأميركية، خاصة أن الملك عبد الله الثاني كان قد عاد قبل عدة أيام من زيارة لخمس دول منها الولايات المتحدة، واجتمع برئيسها جو بايدن ووزير الخارجية وبعدد من أعضاء الكونغرس في مجلسي الشيوخ والممثلين.
ولكن الهدف الرئيسي لزيارة السيناتور كونز هو طمأنة الأردن أن الولايات المتحدة تعارض تهجير الأهالي من غزة والضفة الغربية إلى الأردن، وهو أمر هدد الملك فيه بالحرب إن قامت إسرائيل بذلك أو حاولت فعله.
وكذلك أتت الزيارة من أجل جس نبض الأردن حيال بعض المقترحات التي تفكر الإدارة الأميركية بإنجازها من خلال التفاوض الذي يجري على وقف مؤقت وطويل نسبيا لإيقاف النار مقابل تبادل الأسرى، وعلى المكون الآخر للصفقة، وهو البدء بوضع ملامح حل سياسي لمقترح حل الدولتين.
ولهذا أراد الجانب الأميركي أن يشرح السبب الرئيسي والدوافع للتصويت من قبل الولايات المتحدة ضد مقترح الدولة الجزائرية بإصدار قرار عن مجلس الأمن لوقف إطلاق النار إيقافا كاملا، والسماح للمساعدات بالدخول، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للقطاع، والولايات المتحدة ترى أن قرارها بالفيتو، كما ورد على لسان مندوبتها في مجلس الأمن، ضروري لعدم تشويش المفاوضات الجارية بين مصر وقطر وإسرائيل والولايات المتحدة، وبالطبع مع حركة حماس، للوصول إلى صفقة لوقف إطلاق النار مدة معقولة، وتبادل بعض الأسرى، والبدء بتحريك عملية تفاوضية.
ويريد الرئيس جو بايدن أن يكسب الادعاء بأنه هو الذي أوقف إطلاق النار على غزة وليس الجزائر أو الصين أو روسيا أو فرنسا، وذلك حتى يعيد اكتساب ثقة العرب والمسلمين الأميركان الذين قرروا عدم التصويت له بسبب موقفه المؤيد للعدوان الإسرائيلي على فلسطين.
ولكن هذا الأمر يصطدم بعدد من العوائق الكبرى: الأول من هو الجانب الفلسطيني الذي سيمثل فلسطين في المفاوضات القادمة، هل هي السلطة أم المنظمة؟ وماذا سيكون دور حماس والجهاد الإسلامي والمنظمات الأخرى فيها؟ ويقال إن السلطة المنبثقة عن المنظمة هي التي ستقوم بذلك بعد إعادة هيكلتها؟ وإعادة الهيكلة ليست بالأمر السهل ولا الميسور.
والثاني، هل ستكون المفاوضات على الوضع النهائي مع حكومة المتطرفين في إسرائيل برئاسة نتنياهو، ووجود متطرفين أمثال بن غفير وسموتريتش فيها؟ ويبدو أن هذا الأمر غير ممكن ولا مقبول، ولذلك فإن الأمر قد يتطلب إما إسقاط الحكومة الحالية، وهذا ممكن لو انسحبت حركة "شاس" منها على سبيل المثال، أو إذا استقال نتنياهو وتشكلت حكومة جديدة بمشاركة المعارضة أمثال حزب يائير لبيد.
وهل تستطيع إدارة الرئيس بايدن فعل ذلك؟ والثالث: هو ضمان عدم السماح للمتطرفين في الحكومة الإسرائيلية بافتعال أزمة كبيرة في القدس خلال شهر رمضان، مما يرشح الأمور إلى مزيد من التصعيد والحرب الأشمل. فهل تستطيع الإدارة الأميركية أن تضمن ذلك؟ والرابع: ما هو شكل الدولة الفلسطينية التي يتحدث عنها الجانب الأميركي وتكون مقبولة لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين والدول العربية التي ترغب إسرائيل في التطبيع معها، مثل المملكة العربية السعودية، غرة التاج في جبين التطبيع بالنسبة لإسرائيل؟
مما رشح من تصريحات السيناتور كريس كونز أثناء لقائه بالملك عبد الله الثاني يتبيّن أن الرجل يتحدث عن نظام حكم ذاتي للفلسطينيين. أي أنهم يتحدثون عن دولة تدير الشؤون المحلية بدون تدخلات، وترتيبات أمنية جديدة مع إسرائيل، ولكنها لا تتمتع ببعض رموز السيادة مثل الجيش أو ربما السياسة الخارجية المستقلة، أو بإصدار عملة خاصة بها، خاصة في المراحل الأولى. إذن ما هو الكيان الذي يمكن أن يطور ليقوم بهذه الأدوار؟ في هذه الحالة يصبح من الواضح أن كونفيدرالية مع الأردن تفي بهذا الغرض ولو لمدة عقدين من الزمان، فهل هذا مقبول من الإدارة الأردنية، أم أن لها شروطا عليه؟
وخامسا: بالطبع هناك قضايا إشكالية كبرى ستبرز، من أهمها موضوع اللاجئين وحق العودة، وموضوع القدس. ومن هي الجهة المسؤولة عن إدارة الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية فيها (بالطبع الأردن)، وموضوع التبادل التجاري؟
وسادسا: إذا حصل التوافق على الأمور أعلاه فلا بد من وضع مصفوفة من الترتيبات التفصيلية لإنجاز الاتفاقات على الأرض، ووضع ضمانات لا يخر منها الماء لتطبيقها.
سابعا وأخيرا: تحتاج دولة فلسطين الشقيقة إلى حوالي 40-50 مليار دولار لإعادة إنشاء البنى التحتية والفوقية المطلوبة، وإلى وضع استثمارات جديدة مثل المطار في الضفة وآخر في غزة، وإلى ميناء في غزة، وغيرها من الأمور، فمن أين سيؤتى بهذه الأموال؟
المهمة أمام تيسير الطريق نحو مفاوضات جادة مستدامة وحُكم نزيه ليست سهلة، وتعترضها أكوام من التفصيلات القابلة للجدل والإجراءات لبناء بعض الثقة المطلوبة بين الفريقين. وإذا افترضنا أن هذه الأمور أنجزت خلال الأشهر القادمة، ووضعت الترتيبات لعقد مؤتمر سلام، فمن الذي سيضمن التزام الأطراف المتفاوضة بعدم تعقيد الوضع القائم باتخاذ ترتيبات ضارة مثل زيادة الاستيلاء والتدخل في الحريات الدينية، وافتعال الأزمات الأمنية وتعطيل الحراك الاقتصادي، إلى أن تنضج الأمور وتصل إلى نهاياتها الطبيعية؟ هل يترك الأمر للولايات المتحدة وهي شريك مشكوك في نزاهته وحيدته؟
أما الأردن فسيجد نفسه مضطراً تحت ضغط مصالِحه الاستراتيجية العليا أن يشارك في المفاوضات مباشرة (بجلوسه على طاولة التفاوض)، أو بشكل غير مباشر وملموس (الجلوس في قاعة التفاوض) مطلاً على سير التفاوض (الجلوس داخل المبنى) . وللأردن قضايا استراتيجية أساسية لا يمكن تركها لتفاوض الآخرين عليها، مثل ترسيم الحدود مع دولة فلسطين، أو تقاسم المياه الجوفية المشتركة، أو الترتيبات الأمنية على الحدود أو القدس أو اللاجئين، من دون أن يكون مساهما مباشرا في الأمر.
ولذلك، فإن الأمر يتطلب هندسة جديدة لعملية التفاوض، ولا يستطيع الأردن أو مصر أو سورية أو لبنان أن تترك مصير التفاوض حولها تمضي بدون علمهم أو حضورهم. ولذلك، فإن التفاوض له تحدياته الجديدة التي لم تخطر على بال الراعي الأميركي، عندما كان إسحاق رابين رئيسا للوزراء.