شهدت الأيام الأخيرة تراجعاً واضحاً لأسعار الأسهم الأميركية، ما عزاه البعض بصورة جزئية إلى تزايد حدة المواجهات الاقتصادية بين القطبين الأميركي والصيني، إلا أن أغلب المحللين رأوه دليلاً على تغير توقعات المستثمرين في ما يخص قرار مجلس الاحتياط الفيدرالي الخاص بسعر الفائدة، والمنتظر صدوره في العشرين من الشهر الجاري.
وبعد صدور بيانات توضح تباطؤ سوق العمل على مدار عدة أسابيع، عكست أسواق العقود المستقبلية والآجلة توقعات بتجاوز البنك الفيدرالي رفع الفائدة في اجتماع سبتمبر/أيلول، مع وجود احتمال برفع ربع بالمائة، أو 25 نقطة أساس، في اجتماع نوفمبر/تشرين الثاني.
ولكن خلال الأسبوع الأخير، عادت مظاهر قوة سوق العمل لتطل على الأسواق من جديد، وكان آخرها ما أعلنه مكتب العمل الأميركي من تراجع لطلبات الحصول على إعانات البطالة الأسبوع الماضي إلى أدنى مستوياتها منذ شهر فبراير/شباط، وهو ما اعتبره البعض مبرراً للبنك الفيدرالي للمضي قدماً في فرض سياساته المتشددة.
ومساء الخميس، قال كريس زاكاريللي، كبير مسؤولي الاستثمار في "IAA" للاستشارات، في لقاء تليفزيوني: "كان الناس يأملون أن يعلق بنك الاحتياط الفيدرالي رفع الفائدة خلال الفترة الباقية من العام، لكن تزايدت احتمالات إجراء رفع أو اثنين آخرين للفائدة قبل نهاية العام".
لكن محمد العريان، الاقتصادي المصري الأميركي الشهير، توقع عدم رفع البنك الفيدرالي الفائدة في اجتماعه المقبل، مشيراً إلى أن الباب سيبقى مفتوحا أمام زيادات مستقبلية إذا لزم الأمر.
وقال الاقتصادي الذي يترأس كلية كوينز في كامبريدج، في مقابلة مع شبكة "سي إن بي سي": "استنادًا إلى البيانات الاقتصادية، واستنادًا إلى حقيقة أن بنك الاحتياط الفيدرالي يعتمد بشكل كبير على البيانات، فإنهم لن يرفعوا أسعار الفائدة هذا الشهر".
وبرر الاقتصادي الشهير توقعاته بأمرين: الأول هو أن الاقتصاد الأميركي مستمر في تجاوزه توقعات النمو، والثاني هو الارتفاعات الكبيرة التي تشهدها أسواق النفط والمعادن وبعض المواد الغذائية. وقال العريان: "هذه الارتفاعات مدفوعة بالعرض، وسيؤدي ذلك إلى ارتفاع التضخم الرئيسي، وقد يمتد أثره إلى قضايا أخرى".
وارتفعت أسعار النفط الخام، الأسبوع الماضي، مرة أخرى فوق مستوى 90 دولارًا للبرميل، وهو أعلى مستوى في عام 2023، حيث واصل كبار المنتجين، بقيادة السعودية وروسيا، تمديد تخفيضات الإنتاج، من أجل ما اعتبروه "استقرارا للأسعار".
وفي أكثر من مناسبة على مدار الأسبوعين الأخيرين، لمّح مسؤولو البنك الفيدرالي إلى أن المزيد من رفع أسعار الفائدة قد يكون مطروحًا على الطاولة، حيث يحتاج البنك المركزي إلى مزيد من الأدلة على تحقيقه الانتصار التام في معركته مع أعلى موجة تضخمية يشهدها الاقتصاد الأكبر في العالم في عقود.
ومساء الخميس، أبدى رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي في نيويورك جون ويليامز رضاه عن المستوى الحالي لأسعار الفائدة، لكنه قال إنه سيراقب البيانات عن كثب للتأكد من ارتفاعها بما يكفي لاستمرار تراجع معدل التضخم.
وفي حلقة نقاشية خلال مؤتمر نظمته "بلومبيرغ نيوز"، قال ويليامز: "لقد قمنا بالفعل بعمل الكثير" في مواجهتنا مع التضخم المرتفع.
وقالت لوري لوجان، رئيسة بنك الاحتياط الفيدرالي في دالاس، أمس الخميس، إن "تخلى بنك الاحتياط الفيدرالي عن رفع أسعار الفائدة في اجتماعه خلال أسبوعين لا يعني أنهم سيتوقفون عن رفع أسعار الفائدة إلى الأبد"، مشيرة، في خطاب ألقته أمام "نادي دالاس للأعمال" في جامعة "ساوثرن ميثوديست"، إلى أن تخطيًا آخر "قد يكون مناسبًا".
وكان بنك الاحتياط الفيدرالي قد تخطى زيادة سعر الفائدة في اجتماعه في يونيو/حزيران، قبل أن يرفع سعر الفائدة القياسي، بمقدار ربع بالمائة، إلى نطاق 5.25% -5.5% في اجتماعه الأخير في يوليو/تموز.
وخلال العام ونصف العام الأخيرين، رفع البنك الفيدرالي أسعار الفائدة من مستويات قريبة من الصفر بمقدار 5.25%، في محاولة لتهدئة التضخم الأعلى في أكثر من أربعين عاماً. ونجح البنك المركزي الأكبر في العالم في خفض الوتيرة السنوية لزيادات أسعار المستهلكين إلى نحو 3%، من أعلى مستوياتها في العام الماضي والتي تجاوزت 9%، ولكنها بقيت أعلى من هدف البنك المقدر باثنين بالمئة.