على الرغم من موافقة الاتحاد الأوروبي أخيراً، على حزمة جديدة من العقوبات بحق روسيا، تتضمن فرض سقف لأسعار النفط الروسي، فإن بروكسل لم تكشف بعد عن أي رقم محدد للسعر، وسط تشكيك في فاعلية الإجراء، نظراً لعزوف الدول الآسيوية، وفي مقدمتها الصين والهند، عن دعم الغرب في حرب العقوبات على موسكو.
وما يزيد من تفاؤل موسكو هو تزامن فرض العقوبات الجديدة مع إعلان تحالف "أوبك+"، الذي يضم الدول الأعضاء في منظمة "أوبك" وكبار المنتجين من خارجها على رأسهم روسيا، عن خفض غير كبير للإنتاج بواقع مليوني برميل يومياً دفعة واحدة، وهو ما أثار استياء الولايات المتحدة ورأته موسكو انحيازاً خليجياً ضمنياً لها في مواجهتها مع الغرب.
ويعتبر رئيس إدارة التحليل في صندوق أمن الطاقة الوطني في موسكو، ألكسندر باسيتشنيك، أن القرار الأوروبي بتحديد سقف لسعر النفط الروسي سيكون صعب التطبيق في ظروف استقرار الطلب على النفط، متوقعاً أن تتمكن روسيا من الحفاظ على مشتري نفطها عن طريق تقديم خصومات لهم.
ويقول باسيتشنيك في تصريحات لـ"العربي الجديد": "لم يتضمن البيان الأوروبي أي إشارة إلى الحد الأقصى لسعر النفط الروسي، ما يعني أن الاتحاد الأوروبي وجه فعلياً سلاحه ضد نفسه، وسيضطر مثلما اعتاد للبحث عن ثغرات لتجاوز العقوبات التي يفرضها، لا سيما بعد إعلان تحالف أوبك+ عن خفض إنتاجه.. من الصعب تحديد سقف الأسعار في ظروف السوق".
الأسعار تتجه إلى 100 دولار للبرميل
ويقلل من شأن الأضرار التي قد تتعرض لها روسيا جراء القرار الأوروبي، مضيفاً: "قد حددت روسيا موقفها بشكل واضح ومفاده أنها لن تبيع نفطها لمن يفرض سقف الأسعار، ولها شركاء يزداد عددهم يوماً بعد يوم.. سوق النفط مستقرة إلى حد كبير اليوم، والأسعار قد تتجه إلى 100 دولار للبرميل خلال الربع الأخير من العام الجاري، ويمكن لروسيا تحقيق عوائد نفطية مهمة، ولو عن طريق اتباع سياسة تقديم خصومات لمن يشتري نفطها".
وكان نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، الذي مثّل روسيا في اجتماع "أوبك+" في العاصمة النمساوية فيينا، يوم الأربعاء الماضي، قد علق على آفاق فرض سقف لأسعار النفط الروسي، قائلاً إن مثل هذه السوابق تُلحق ضرراً كبيراً بسوق الطاقة، وروسيا ستواصل توريد النفط فقط إلى الدول التي ستوفر آليات سوقية لتحديد الأسعار.
وترى الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون أن وضع سقف للنفط الروسي سيجري من خلال الضغط على المشترين أنفسهم للنفط الروسي، حيث سيكون مصدر النفوذ الرئيسي للغرب هو قدرته على منع التغطية التأمينية لتلك الإمدادات، إذ يجري توفير التغطية التأمينية لحوالي 95% من أسطول ناقلات النفط في العالم من قبل المجموعة الدولية لنوادي الحماية والتعويض في لندن، وبعض الشركات الموجودة في أوروبا.
لكنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يشدد على أن الدول الغربية تعاني أكثر من روسيا بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها بسبب غزوه أوكرانيا.
وأدى الارتفاع الشديد في أسعار صادرات موسكو من السلع الرئيسية إلى زيادة الإيرادات التي ساعدت حكومته على تجاوز العقوبات، بينما تتعرض أوروبا لصدمات اقتصادية حادة بفعل التضخم الجامح المترتب على قفزات أسعار الطاقة لا سيما الغاز الطبيعي.
في المقابل، يأمل مؤيدو وضع سقف لسعر النفط الروسي أن يؤدي تثبيت الأسعار عند مستوى أقرب إلى تكلفة إنتاج النفط إلى توجيه ضربة إلى الموارد المالية لموسكو، مع ضمان تدفق الطاقة إلى الأماكن التي تحتاجها. ونظراً لأن روسيا تعد واحدة من أكبر موردي النفط في العالم، فإنّ تحديد سقف للسعر يمكن أن يخفف أيضاً من الضغط التضخمي الذي يتسبب بمعاناة اقتصادية في جميع أنحاء العالم.
ارتدادات عكسية
لكن ثمة عقبات وربما ارتدادات عكسية لهذا السقف، وفق وكالة بلومبيرغ الأميركية، حيث ستحتاج جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة إلى الموافقة بالإجماع على المستوى الدقيق للسقف الذي ما زال يتعين على مجموعة السبع كذلك تحديده.
وإذا دخل هذا السقف حيز التنفيذ لكنه فشل في الصمود، سيمنح ذلك بوتين نصراً رمزياً. وهناك العديد من الطرق التي يمكن أن تعوق هذه الخطوة، إذ لا ضمانة على أنّ روسيا ستوافق على شحن النفط بأسعار محددة، خاصة إذا كان هذا السقف قريباً من تكلفة الإنتاج. وقد يعتقد الكرملين أنّ إبعاد نفطه عن السوق لبعض الوقت من شأنه أن يلحق ضرراً أكبر باقتصادات أوروبا وأميركا الشمالية أكثر من إلحاق الضرر باقتصادها.
وعلى صعيد المشترين، هناك أيضاً شكوك واسعة في مدى التزامهم بالسقف الغربي، لا سيما الصين والهند، فرغم أن سقف السعر قد يكون مربحاً بشكل لا يصدق للشركات الصينية والهندية، ومفيداً لمكافحة التضخم، فإن هناك اعتبارات أوسع نطاقاً لبكين ونيودلهي، مثل علاقتهما طويلة الأمد مع موسكو. وقد يقبلون الحصول على تأمين روسي على الشحنات أقل جودة بدلاً من إخبارهم بما يجب دفعه مقابل سلعة رئيسية، حتى لو كان ذلك بسعر منخفض بشكل جذاب، وفق "بلومبيرغ".
وفي زيارة للهند في أغسطس/آب الماضي، قال نائب وزير الخزانة الأميركي، والي أدييمو، إنّ التحالف من أجل تطبيق سقف لسعر النفط الروسي قد جرى توسيعه مع انضمام عدد من الدول، لكنه رفض تحديد اسم هذه الدول.
وأوضح المسؤولون الأميركيون أنه حتى إذا لم تنضم دول مثل الهند رسمياً إلى التحالف، فيمكنهم استخدام شفافية سقف السعر المنخفض للتفاوض على صفقة أفضل بمفردهم مع روسيا.
أسواق بديلة للنفط الروسي
لكنّ روسيا شددت على أنها لن تزود النفط الخام أو المنتجات المكررة أو الغاز لأي دولة تفرض حدوداً لأسعار السلع الروسية، وإن النفط الروسي سيجد أسواقاً بديلة. وهي تُنشئ بالفعل بديلاً لأندية الحماية والتعويض، وتقدم التأمين من خلال شركة إعادة التأمين الوطنية الروسية.
وبحلول أواخر سبتمبر/أيلول الماضي، كانت هناك تقارير عن بعض شحنات النفط الروسية إلى الهند جرى التأمين عليها من خلال شركات روسية. مع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كان معظم المشترين على استعداد لقبول تغطية المسؤولية التي تقدمها روسيا.
وتخطط موسكو أيضاً لإطلاق منصة تداول نفط وطنية مستقلة عن أسواق الطاقة الغربية. وسيشعر المشترون الأجانب للنفط الروسي بالحماس للتداول هناك مع استهداف وضع سعر مرجعي محلي للنفط الروسي.
ومع استعار حرب الطاقة بين روسيا والغرب، فإن سوق النفط يبدو متأثراً كثيراً بالعوامل النفسية، بغض النظر عن الآثار الفعلية على الأرض.
ويرى ميخائيل كروتيخين، الشريك في شركة "روس إنرجي" للاستشارات في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن قرار "أوبك+" خفض الإنتاج بمليوني برميل يومياً بمثابة ضغط نفسي على السوق لمنع انزلاق أسعار النفط إلى ما دون 80 دولاراً للبرميل، مشيراً إلى أن حجم الإنتاج الفعلي لدول "أوبك+" أقل من السقف المتفق عليه بالأساس قبل القرار الأخير بمقدار 3.6 ملايين برميل يومياً.
وعلى صعيد الإعلام، احتفت الصحافة الروسية الموالية للكرملين بما اعتبرته عدم استجابة السعودية أكبر مصدر للنفط في العالم، للضغوط الأميركية لإغراق الأسواق بالنفط لخفض أسعاره وإلحاق ضربة بروسيا.
خفض معروض النفط
وفي مقال بعنوان "الولايات المتحدة تخسر معركة النفط مع العرب وروسيا" اعتبرت صحيفة فزغلياد الإلكترونية أنّ "العالم العربي صمد ووقف في وجه واشنطن" التي "لا تقلق في الوضع الراهن إلا على نفسها، لأن خفض معروض النفط في السوق سيؤدي إلى ارتفاع تكلفته".
ولفتت الصحيفة إلى أنّ أسعار النفط العالمية تؤثر بشكل مباشر على الأسعار الداخلية للوقود في السوق الأميركية، مما يزيد من مخاوف البيت الأبيض من ترنح مواقع الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس التي ستجري في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وفي الوقت الذي أثار فيه القرار خيبة آمال واشنطن، حظيت الدول المنتجة للنفط بارتفاع سعر خام برنت إلى نحو 96 دولاراً للبرميل في تعاملات نهاية الأسبوع الماضي.