هل جربت الجوع يوماً؟

25 نوفمبر 2021
الجوع يكوي بطون ملايين العرب (Geety)
+ الخط -

لا يشعر بالجائع إلا جائع مثله، أو شخص جرب الجوع والعطش واكتوت معدته بهما، فالجائع ربما يصل به الأمر إلى حد التعرض للإغماء الشديد والسقوط مغشيا عليه بعد أن تخلو معدته تماما من آثار الخبز، وتخور قواه وقدماه غير قادرة على حمل جسده حتى وإن خلا من لقمة عيش.

ومهما حدثك بعضهم عن الجوع وآلامه وقسوته على النفس والجسد والأسر، فلن تشعر به إلا إذا جربته بنفسك، ولن تدرك حجم الألم الذي يعيشه ملايين الفقراء في الدول العربية إلا إذا جعت في يوم ما، وقرص الجوع معدتك بقوة.

وربما لا يأخذ البعض على محمل الجد الروايات والحكايات والمآسي والكتابات والأعمال الفنية التي تتحدث عن الجوع في السودان وسورية ومصر واليمن والجزائر والعراق والأردن وليبيا وغيرها من الدول العربية إلا إذا جربه بنفسه وجاع في يوم شديد الحرارة طويل الساعات.

مهما حدثك بعضهم عن الجوع وآلامه وقسوته على النفس والجسد والأسر، فلن تشعر به إلا إذا جربته بنفسك

لا أتحدث هنا عن الجوع الناتج عن تنفيذ تعاليم دينية مثل الصوم في شهر رمضان عند المسلمين، والصوم الكبير قبل عيد القيامة عند المسيحيين، فهذا جوع إرادي ومؤقت ينتهي بموعد الفطور.

ولا أتحدث عن الجوع "الفنتازيا" حيث يجوع الأثرياء وأصحاب الأموال بهدف الريجيم والتخسيس ونقص الوزن والتفاخر بالجسد الرشيق، فهؤلاء يجوعون بإراداتهم، وفي النهاية يأكلون أشهى الطعام.

لكن أتحدث عن الجوع القاهر المذل الناتج عن الفقر المدقع الذي يعاني منه أكثر من 50 مليون مواطن عربي قد لا يجدون كسرة خبز حاف وقطعة جبن أو ملعقة أرز، ولا أتحدث عن قطعة لحمة أو جناح دجاجة، فهذه قمة الرفاهية بالنسبة لهم.

أتحدث عن هؤلاء الذين لا يجدون المال الكافي لشراء أبسط وأرخص أنواع الطعام، عن هؤلاء الذين يغلقون الأبواب على أنفسهم وتحسبهم أغنياء من التعفف رغم أن الجوع ينهش بطونهم الخاوية.

أتحدث عن ملايين الجياع وليس فقط الذين يعانون من سوء التغذية والتقزم هم كثر وبالملايين.

هؤلاء الجياع هم من يستحقون الزكاة والصدقات وتبرعات أهل الخير سواء في شهر رمضان أو غيره من الشهور، لأن المال وإن كان بسيطا يقيهم ذل السؤال وقرصة المعدة بسبب الجوع.

لو صدق أثرياء العرب حقا في تبرعاتهم وتوقفوا عن هدر الطعام لما وجدنا جائعا واحدا في كل الدول العربية

ولو صدق أثرياء العرب حقا في تبرعاتهم وتوقفوا عن هدر الطعام لما وجدنا جائعا واحدا في كل الدول العربية، خاصة وأن الأرقام تشير إلى أن حجم هدر الطعام في المنطقة يتجاوز 40 مليون طن سنويا يتم إلقاؤها في صناديق القمامة.

وأن الدول العربية تصنف على أنها الأكثر هدرا للطعام في العالم، وأن هذه الدول تخسر نحو 60 مليار دولار سنويًا بسبب فقدان الأغذية وهدرها وفق منظمة الإسكوا.

وأن الحدّ من هاتين الظاهرتين بنسبة 50% قد يزيد دخل الأسر المعيشية بما لا يقلّ عن 20 مليار دولار، ويُمكّن المنطقة من تحسين مستوى توفر الأغذية إلى حد كبير، وتخفيض الواردات من الأغذية، وتحسين الموازين التجارية.

في السعودية مثلا تقول الأرقام إن هدر الطعام سنويا يتجاوز 40 مليار ريال، ما يعادل 10.7 مليارات دولار، وفق الأرقام الرسمية.

وهذا المبلغ كاف لإطعام الجياع والفقراء داخل المملكة التي تصنف على أنها الأكثر فقراً على مستوى دول الخليج، إذ بلغت نسبته ما بين 15 و25%، بحسب إحصاءات غير رسمية.

الدول العربية تصنف على أنها الأكثر هدرا للطعام في العالم، وتخسر نحو 60 مليار دولار سنويًا بسبب فقدان الأغذية وهدرها

وفي اليمن، هناك 16.2 مليون شخص يعانون من الجوع وانعدام الأمن الغذائي، فهل أموال أثرياء الخليج غير قادرة على ملء بطون هؤلاء الجياع؟

أم أن بعض دول الخليج تعتبر هؤلاء الجوعى اليمنيين أعداء لا يستحقون الحياة أصلا ما داموا يقبعون تحت حكم الحوثيين؟

يتكرر الأمر في دول عربية كثيرة من المتوقع أن يتضور الملايين بها جوعا خلال السنوات المقبلة خاصة مع قفزات أسعار الأغذية وزيادة معدل تصخم الأسعار بما فيها الكيروسين وقود المزارعين.

وقديما قالوا : " لو كان الفقر رجلاً لقتلته"، فماذا لو كان الجوع رجلا.

المساهمون