هل توقف الحرب قطار التنمية الإثيوبي؟

01 ديسمبر 2020
وسط العاصمة الإثيوبية أديس أبابا
+ الخط -

شهدت إثيوبيا أعلى معدلات النمو في أفريقيا خلال العشر سنوات الماضية، حيث استطاعت مضاعفة إنتاجها المحلي والنهوض بدخل الفرد وتقليص أعداد الفقراء وتحسين مستويات التعليم، وذلك عبر استراتيجية تنموية محكمة نفذت بدقة، وهو ما رشحها لتصبح نمراً أفريقياً ربما يحتاج لبضع سنوات أخرى فقط ليلحق بركب الدول متوسطة الدخل.
وكشفت بيانات صندوق النقد الدولي عن قفزة إجمالي الناتج المحلى لإثيوبيا بنسبة 146.7% منذ عام 2009 وحتى العام الماضي، مما أدى إلى ارتفاع نصيب الفرد بنسبة 149% من هذا الناتج، وهو ما يكفي لوضع البلاد في صدارة قائمة أسرع اقتصادات العالم نمواً مع اقتراب العقد الحالي من الانتهاء.
وطبقاً لبيانات البنك المركزي الإثيوبي فقد تزايد معدل نمو الاقتصاد إلى 9% في 2018 /2019، مقارنة بنمو 7.7 % في العام السابق، وارتفعت حصة الناتج المحلي الإجمالي للقطاع الصناعي إلى 28.1% مقارنة بنسبة 27% في العام السابق، بينما ارتفعت مساهمة قطاع الخدمات بشكل طفيف إلى 39.8 % بدلاً من 39.2%. في المقابل، انخفضت مساهمة الزراعة في الناتج المحلي إلى 33.3% نزولاً عن 35% خلال نفس الفترة.
ويعكس هذا التصاعد التدريجي في مساهمة القطاع الصناعي في إجمالي الناتج المحلي اتجاه السياسات الحكومية لتنمية قطاع التصنيع وتعزيز النمو الذي تقوده الصادرات مع الاستمرار في إيلاء الاهتمام الواجب لتحديث قطاع الزراعة الذي سيطر على القاعدة الاقتصادية للبلاد لسنوات طويلة سابقة.
وأدى النمو الاقتصادي القوي والمستدام المسجل على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية للاقتصاد الإثيوبي إلى تحسينات في تقريب الفوارق في الدخول والحد من الفقر، حيث زاد دخل الفرد بشكل متصاعد حتى بلغ 985 دولاراً، كما انخفض معدل الفقر إلى 22% في عام 2019 نزولاً من 38.7% في عام 2004.

وقادت النسب المرتفعة للاستثمار العام هذا التصاعد في معدلات النمو، حيث شكل الاستثمار الحكومي إلى الناتج المحلي الإجمالي نحو 35.2% في العام الماضي، وبمتوسط عام يتجاوز 40% من الناتج المحلي سنوياً خلال العشر سنوات الماضية، وهي مستويات مرتفعة للغاية وتقترب من نظيراتها الصينية.
وتغلبت إثيوبيا على شح المدخرات المحلية وعدم كفايتها لدفع الاستثمار العام من خلال الاعتماد على القروض الداخلية والخارجية، الأمر الذي أدى إلى صعود نسبة الديون الحكومية إلى الناتج المحلي لنحو 60% في العام الماضي مقابل نحو 27% في بداية العقد.
ولعبت الاستثمارات الصناعية الصينية دوراً محورياً في تحقيق معدلات النمو المرتفعة، لا سيما في ظل اعتبار الصين الحليف الإثيوبي الأقوى، والذي يمكن الاعتماد عليه، ليس فقط كمصدر للمساعدات الاقتصادية والاستثمارات، ولكن أيضاً باعتباره مصدراً للتقنيات الرخيصة، إلى جانب الدعم الدبلوماسي والسياسي الصيني والذي تعول عليه إثيوبيا كثيراً في تدعيم مواقفها الدولية. 
وفي إطار المصالح المتبادلة ترى إثيوبيا أن احتضانها العديد من المنظمات الدولية والإقليمية، ومن أبرزها مقر الاتحاد الأفريقي، واللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة؛ توفر أثيوبيا للصين فرصة للاتصال الوثيق مع القادة والشخصيات الأفريقية البارزة، وانطلاقاً من ذلك سوّقت أديس أبابا نفسها للجانب الصيني باعتبارها منصة انطلاق إقليمية قيّمة، علاوة على كونها شريكاً رئيساً في مبادرة الحزام والطريق، مما مكّنها من الحصول على الكثير من الاستثمارات الصينية التي دعمت التزايد المضطرد لمعدلات النمو.
وارتفعت قيمة الاستثمارات الصينية المباشرة في إثيوبيا من 126 مليون دولار في عام 2008 إلى ما يزيد عن 2.5 مليار دولار عام 2018، لتصبح الصين بذلك أكبر مستثمر في إثيوبيا، وتركز الجزء الأكبر منها في قطاع التصنيع المعتمد على المنتجات الزراعية والحيوانية، مثل صناعة الملابس والجلود، وخلال الفترة من 2008 حتى 2018، دخلت الشركات الصينية فيما يزيد عن 1000 مشروع استثماري في إثيوبيا، أنهت منها ما يقرب من 600 مشروع، وخلقت نحو 200 ألف فرصة عمل ما بين دائمة ومؤقتة.
كذلك شاركت الصين في مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاعات إثيوبية مختلفة، فكان نصيب قطاع التصنيع منها نحو (68.8%)، يليه قطاع العقارات 10.9%، ثم البناء 10.8%، بإجمالي رأس مال للفترة بلغ 2.9 مليار دولار.
ورغم أن عام 2018-2019 كان مليئاً بالتحديات بالنسبة للقطاع الخارجي الإثيوبي، حيث أظهر إجمالي الصادرات السلعية انكماشاً بنسبة 6%، إلا أن وزارة التجارة والصناعة الإثيوبية كشفت عن خططها الطموحة لتحقيق أكثر من 3.9 مليارات دولار من الصادرات للسنة المالية (2021/2020)، مستهدفة تحقيق 2.9 مليار دولار من تصدير المنتجات الزراعية، و587.5 مليون دولار من القطاع الصناعي، وهو ما يعني تقريبا أربعة أضعاف حصيلة الصادرات في بداية العقد والبالغة مليار دولار تقريبا.
أدركت إثيوبيا الدولة الحبيسة الواقعة في شرق أفريقيا، والبالغ تعداد سكانها 112 مليون شخص، أن مفتاح النمو يكمن في الاستثمار العام في البنية التحتية، وظهر ذلك جليا في تطوير قطاع الطرق الدولية والسكك الحديدية التي تربطها مع دول الجوار وشبكة الاتصالات وخطوط النقل الجوي، بما يؤهلها لتصبح مركزا للاقتصاد بالمنطقة. 
كما أدركت الحكومة الميزة التنافسية التي تتمتع بها من خلال الطاقة الكهرومائية والتي توسعت في إنتاجها من خلال إنشاء السدود، ونجحت بها في توسيع الرقعة الزراعية وتطوير النشاط الصناعي، مما ساهم في تحقيق معدلات نمو غير مسبوقة في تاريخ البلاد، ولكن جاءت العمليات العسكرية الأخيرة لتهدد بوقف المسيرة، لا سيما في ظل تزامن تلك العمليات مع التداعيات السلبية لفيروس كورونا على الاقتصاد الإثيوبي.

ومؤخرا خَفْض صندوق النقد الدولي توقُّعه لمعدل النمو الإثيوبي للعام الحالي إلى 3.2% بدلًا من 6.2%، على أثر تداعيات الفيروس، وهو ما يعني انتقال الاقتصاد من مرحلة النمو السريع إلى مرحلة تداعي أُسُس هذا النمو.
لا يزال من المبكر القول بتداعي أسس النمو في أثيوبيا، لكن المؤشرات الأولية المتاحة للتداعيات الاقتصادية للفيروس ضخمة للغاية ومنها على سبيل المثال ما أكده وزير المالية الإثيوبي أنه إلى جانب أثر الجائحة على الصحة؛ فإنها قد تحطّم اقتصادنا؛ إذ إن صادرات السلع، وخاصة المنتجات الزراعية والمنسوجات من المناطق الصناعية تتهاوى إلى مستويات غير مسبوقة؛ مما يسبَّب أزمة اقتصادية. كما أن للجائحة أثرًا عميقًا على العائدات الحكومية وتدفقات تحويلات العاملين بالخارج.
ووفقًا لمفوضية التخطيط الإثيوبية وصلت أعداد من يحتاجون إلى مساعدات غذائية عاجلة إلى 30 مليون نسمة، كما تأثر القطاع الزراعي بسبب موجة غزو الجراد التي دمَّرت نحو 350 ألف طن متري من المحاصيل.
ولا شك في أن احتدام العمليات العسكرية سيعمق هذه الآثار السلبية على الاقتصاد الإثيوبي خلال الفترة المقبلة، وربما يهدد المسيرة الاقتصادية الواعدة المنتظرة لهذا الاقتصاد خلال الفترة المقبلة، خاصة في ظل عمليات النزوح الواسعة النطاق للمتضررين من الحرب إلى البلدان المجاورة.
وبينما يعاني الجميع من تداعيات فيروس كورونا، تهدد العمليات العسكرية في إثيوبيا بنسف المكاسب الاقتصادية التي تحققت خلال العقدين الماضيين والتي كان ينظر إليها باعتبارها إحدى التجارب الاقتصادية الناجحة في القارة السمراء، لكن تبقى تركة الانقسامات والنزاعات العرقية والقبلية أحد المعوقات لقطار التنمية في البلدان الأفريقية، والتي تحتاج ربما إلى اجتهاد بحثي حول طرق تنموية مختلفة عن نظيراتها التقليدية التي نجحت في بلدان أكثر تماسكا ديموغرافيا من البلدان الأفريقية، وبما لا يعرقل قطار التنمية بعد قطعه أشواطا معتبرة في الطريق التنموي، كما في الحالة الإثيوبية.

المساهمون