زاد الإقبال الشديد على شراء الذهب ليس في دول المنطقة فحسب، ولكن على مستوى العالم، ومع إقبال الأفراد والبنوك المركزية على الشراء زادت الأسعار بشكل لافت، خاصة في الدول التي تهاوت عملاتها الوطنية كما هو الحال مع مصر ولبنان وسورية والسودان واليمن، أو انخفضت بشكل ملحوظ كما الحال في الجزائر وتونس والعراق وليبيا، ومع اهتمام ملايين الأفراد بالمعدن الأصفر وتوجيه الجزء الأكبر من مدخرات الأسر للاستثمار به بات السؤال: هل ستواصل أسعار الذهب قفزاتها في العام الحالي كما جرى في 2022؟
بداية ليس في مقدور أحد أن يحدد بدقة اتجاهات أسعار الذهب، وإن كانت بنوك استثمار عالمية كبرى توقعت مواصلة المعدن لارتفاعه في العام الجديد مدفوعاً باستمرار حرب أوكرانيا، وارتفاع الأسعار واستمرار موجة التضخم العالمية، وزيادة أسعار الفائدة على العملات الرئيسية وفي مقدمتها الدولار واليورو، وانتشار فيروس كورونا في الصين وتأثيرات ذلك الخطيرة على الاقتصاد العالمي.
بل إن "ستاندرد تشارترد"، وهو أحد البنوك البريطانية الكبرى، توقع قبل أيام زيادة أسعار الذهب بنسبة 30% في العام الجاري مقارنة بالمستويات الحالية.
يظل المعدن النفيس أداة استثمارية آمنة وشبه مضمونة في ظل زيادة المخاطر
لكن بشكل عام فإن استمرار زيادة أسعار الذهب تتوقف على عدة أمور، الأول يتعلق بمخاوف وقوع الركود الاقتصادي العالمي وتعمق تقلبات الأسواق، ومدى دخول الاقتصادات الكبرى في حال ركود تضخمي يمكن أن يتحول إلى كساد يشبه ما حدث في الولايات المتحدة عام 1929 واستمر 10 سنوات، فقبل ثلاثة أسابيع حذرت المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي كريستالينا غورغيفا من أنّ ثلث الاقتصاد العالمي سيتعرض لحالة ركود هذا العام، وأنّ عام 2023 سيكون "أصعب" من العام الماضي، إذ ستمرّ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين بفترة تباطؤ لاقتصاداتها.
لكنّ أحدث توقعات صادرة تشير إلى أنّ الصندوق لا يتوقع أن يتراجع الاقتصاد العالمي، ليصل إلى ركود العام الجاري، على الرغم من التداعيات المستمرة بسبب ارتفاع التضخم والغزو الروسي لأوكرانيا. ورغم ذلك لا تستبعد توقعات الصندوق، احتمال أن يدخل الاقتصاد الأميركي في ركود خلال 2023.
الأمر الثاني الذي تتوقف عليه اتجاهات أسعار الذهب هو ما إذا كانت البنوك المركزية العالمية ستواصل سياسة التشدد النقدي وزيادة سعر الفائدة من عدمه، أم أن هناك احتمالية لإبطاء وتيرة التشديد النقدي عالميا وتوقف البنوك المركزية عن زيادة الفائدة.
أما الأمر الثالث فيتعلق بحرب أوكرانيا، ومدى توسع نطاقها، وإصرار أوروبا وخلفها الولايات المتحدة على سياسة العقوبات الاقتصادية على روسيا وتصفير صادرات النفط والغاز الروسيَين، لأن خطوة كتلك لها تداعيات خطرة ليس على الاقتصاد الروسي ومصادر تمويل موسكو للحرب القائمة فحسب، بل على أسواق الطاقة العالمية وأسعار النفط والتضخم والمشتقات البترولية، وفي حال توسيع نطاق الحرب فإن سعر الذهب سيزيد بريقه ويواصل الزيادة.
زاد الإقبال الشديد على شراء الذهب ليس في دول المنطقة فحسب، ولكن على مستوى العالم
أما الأمر الرابع فيتعلق بمخاطر كورونا المحتملة ومدى قدرة الصين على احتواء الفيروس وتحقيق سياسة صفر كورونا، لأن المؤشرات الأخيرة الصادرة عن صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم مقلقة للغاية، وقد تؤثر سلباً على استهلاك الصين من الطاقة وتخفض أسعار النفط مرة أخرى، وتعمق أزمة سلاسل الإمدادات.
في كلّ الأحوال، يظل المعدن النفيس أداة استثمارية آمنة وشبه مضمونة في ظل زيادة المخاطر سواء الجيوسياسية أو الاقتصادية والمالية والصحية، وتهاوي العملات في العديد من دول المنطقة، وهو ما يفسر الإقبال الملحوظ على شراء المعدن الأصفر حتى من قبل صغار المدخرين.