يبدو أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أبت إلا أن تختم فترة ولايتها، التي تنتهي عقب إجراء الانتخابات البرلمانية في سبتمبر/أيلول المقبل، بالانتهاء من مشروع خط السيل الشمالي 2 (نورد ستريم2) لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى ألمانيا، رغم التوازنات الجيوسياسية التي تتعلق بتحالفاتها في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
وقال الخبير الإيطالي جانَي بيسَي إن قرار الرئيس الأميركي جو بايدن عدم توقيع عقوبات على عملاق الطاقة الروسي، شركة غازبروم المشرفة على تنفيذ خط غاز السيل الشمالي 2 والسفن العاملة في المشروع وقيادات شركة (Nord Stream 2 AG)، يمثل ضوءا أخضر لاستكمال المشروع، ويعتبر مؤشراً على التغير الذي طرأ على العلاقات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وتابع بيسي، في مقال نشرته مجلة "ستارت ماغازين" الإلكترونية الإيطالية أخيراً، تحت عنوان "خط غاز السيل الشمالي 2، كيف ستتحرك ميركل بين بايدن وبوتين"، أن زيارة ميركل المرتقبة لواشنطن في منتصف الشهر الجاري ترسخ بتحرك بالغ الرمزية نجاحها الشخصي في إدارة هذا الملف الذي يواجه ضغوطا شديدة.
ويشير الكاتب إلى أن من أهم ثمار هذا النجاح هو إبراز دور ألمانيا كبوابة عبور للذهب الأزرق (الغاز الطبيعي) نحو المستهلكين الأوروبيين، مع كل ما يرتبط بتلك العملية من عناصر صناعية وخدمات صيانة وأنظمة رقمية.
ولفت إلى أن إتمام هذا المشروع يعد انتصاراً مزدوجاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، نظراً لأنه بفضل الطرق البديلة التي أتاحها خط ترك ستريم (المسار الجنوبي) وخط السيل الشمالي 2 (المسار الشمالي)، سُحب البساط من تحت أوكرانيا كمعبر وحيد لتدفقات الغاز نحو القارة العجوز.
أهم ثمار نجاح ميركل من إنجاز المشروع هو إبراز دور ألمانيا كبوابة عبور للغاز الطبيعي نحو المستهلكين الأوروبيين
وبحسب الخبير الإيطالي جانَي بيسَي، فإنه إذا تمكنت السفينتان الروسيتان العاملتان في المياه الإقليمية الدنماركية، وهما "فورتونا" و"أكاديميك تشيرسكي"، من تركيب الأنابيب بمعدل 1 كم يومياً مع فرضية عدم تسبب الظروف المناخية في إبطاء العمليات، فإن إنجاز الأعمال في الجزء المتبقي من خط الغاز سوف يتم خلال 65 يوماً.
معوقات أميركية
واستدرك بقوله إنه على الرغم مما سبق، فإنه لا يمكننا القول إن كل شيء يسير على ما يرام، ذلك لأن التنفيذ الناجح لعملية تركيب الوصلات على المسار (ب) لخط الغاز أو ما يعرف بـ"Golden Weld"، لا يكفي لضمان تدفق الغاز عبر الأنابيب، حيث إن هذه الأخيرة لا بد أن تكون معتمدة من شركة ثالثة، وبما أن العقوبات الأميركية ما زالت سارية حتى الآن على جميع شركات الاعتماد، فإنه من الوارد ألا نجد شركة متاحة وغير خاضعة للعقوبات تتوفر لها إمكانية منح الاعتماد لأنابيب خط غاز السيل الشمالي 2.
وختم الخبير الإيطالي جانَي بيسَي بأن هذه المسألة ربما تكون هي الموضوع الذي سيكون مادة للنقاش قريباً بين الدبلوماسيتين الأميركية والألمانية، خلال زيارة ميركل لواشنطن.
وفي سياق متصل، ذكر موقع "سبيلانشوموتشي" الإيطالي، في تحليل حمل عنوان "السيل الشمالي 2: جيوسياسة الأنابيب"، أن ما يعقّد هذا الإطار هو أن الولايات المتحدة قد عمدت، في ظل هذه الحرب الباردة الجديدة على الغاز، إلى زيادة صادراتها بغزارة من الغاز الطبيعي المسال، علاوة على ما لها من مصالح قوية في اختراق السوق الأوروبي.
وكان من اللافت، في هذا السياق، التصريح الذي أدلى به الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، منتصف الشهر الماضي، وأكد فيه أن "خط غاز السيل الشمالي 2 ليس مشروعاً للاتحاد الأوروبي وإنما هو مشروع ألماني، لذا فإنه ليس من أولويات الاتحاد الأوروبي، لأنه لن تنتج عنه زيادة في تنويع مصادر إمداد الاتحاد بالطاقة".
وأوضح الموقع أن "روسيا بوتين" سوف تحظى، مع انتهاء المشروع، بثقل أكبر على الساحة الدولية، وعندما يرى خط غاز السيل الشمالي 2 النور فسوف تكون موسكو قد حققت إنجازها الثالث بعد إطلاق خط ترك ستريم وإمدادات الغاز نحو الصين عبر خط غاز (قوة سيبيريا).
وختم بقوله إن الرئيس الأميركي فضّل، حتى هذه اللحظة، أن يسلك سبيل الغفران أو بالأحرى الحيطة والحذر، ومع ذلك فقد كانت الرسالة واضحة، لا سيما لشركاء واشنطن في مجموعة السبعة الكبار: الدبلوماسية الأميركية عادت.