ربما سيكون من الصعب الحكم على مستقبل الاستقرار السياسي والاقتصادي الضروري للاستثمار وتطوير الثروات في أفغانستان تحت حكم طالبان، ولكن المؤكد أن البلاد تملك الموارد الكافية من النفط والغاز والمعادن، وجزء منها يبدو شبه جاهز للاستغلال كما تشير دراسات بحثية أميركية وأفغانية حديثة.
وبالتالي، تبقى المسألة الرئيسية التي تواجه طالبان هي كيفية الحصول على الشرعية الدولية التي تمكنها من إدارة البلاد بأسلوب يطمئن المجتمع الدولي ويحفظ مصالح جيرانها في الاستقرار، وفق مراقبين، خاصة باكستان التي تتخوف من تصدير شعارات طالبان إلى جماعة البشتون في شمال البلاد، والصين التي تتخوف من تدريب وتجييش جماعة الإيغور في إقليم شينجيانغ أو تركستان الشرقية وأمن مشاريع"الحزام والطريق"، وروسيا التي تتخوف على أمن مصالح النفط والغاز في الجمهوريات السوفييتية السابقة.
السلطات الأفغانية أعلنت في العام 2010 عن اكتشاف نفطي في شمال البلاد، يقدر احتياطيه من الخام بـ1.8 مليار برميل، وهو سادس حقل نفطي يكتشف في البلاد
وينتاب القلق هذه الدول وغيرها من الاستثمار حاليا في أفغانستان، حسب خبراء، لأن الاستثمار سيقود تدريجياً إلى تطور ونمو اقتصادي في البلاد يحسب لصالح حكم طالبان، خاصة إذا انعكس على معيشة المواطن والخدمات المقدمة له، وهو الأنموذج الذي لا يرغب أي من جيرانها في حدوثه.
وحتى الآن، تم التركيز على الثروة المعدنية في البلاد، خاصة المعادن النادرة، ولكن تم السكوت على ثروات النفط والغاز الطبيعي الضخمة التي تحتوي عليها البلاد ذات الموقع الجغرافي الاستراتيجي في النفوذ العالمي، حيث إنها تربط بين الصين وروسيا وأوروبا.
وكانت السلطات الأفغانية قد أعلنت في العام 2010 عن اكتشاف نفطي في شمال البلاد، يقدر احتياطيه من الخام بـ1.8 مليار برميل، وهو سادس حقل نفطي يكتشف في أفغانستان، الأمر الذي يؤهل البلاد للحاق بركب أكبر منتجي النفط في العالم، خاصة أنها غير بعيدة من منطقة بحر قزوين الغنية بالموارد الطاقة.
وقال المتحدث باسم وزارة المناجم الافغانية جواد عمر، وقتها، لوكالة فرانس برس: "إنه حقل نفطي جديد تماماً يغطي مثلث بلخ-هيرتان-شبرقان" في شمال البلاد.
كما أن لدى أفغانستان حقول نفط وغاز طبيعي في إقليم كاشغاري كانت عاملة حتى العام 2006، ويمكن بسهولة إعادة تشغيلها مرة اخرى. وتقدر كميات الغاز الطبيعي في أفغانستان بنحو 15.7 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي وكميات من الغاز السائل.
تقدر كميات الغاز الطبيعي في أفغانستان بنحو 15.7 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي وكميات من الغاز السائل
وقبل انسحاب القوات السوفييتية من أفغانستان في العام 1989، كانت موسكو تستغل حقول شيبرغان للغاز الطبيعي في شمال البلاد الغنية بالطاقة، حيث تصدر منها نحو 80% إلى الاتحاد السوفييتي، بينما تستغل الباقي لتغذية مصنع الأسمدة في شمال البلاد وتغذية محطة طاقة حرارية لتوليد الكهرباء، ومصنعاً للنسيج في مدينة مزار شريف القريبة من إيران، وذلك حسب ورقة بحثية أميركية.
وفي أعقاب هزيمة القوات السوفييتية وانسحابها من أفغانستان وسيطرة القوات الأميركية الغازية على البلاد في العام 2001، أجرت الولايات المتحدة عمليات مسح جيولوجي للثروات المعدنية وموارد الطاقة في أفغانستان.
وحسب ورقة بحثية قدمت في مؤتمر لمعهد الفيزياء الأميركي في العام 2020، فإن أفغانستان ليست فقط غنية بالمعادن النادرة والمعادن الأخرى، ولكنها كذلك غنية بموارد الطاقة.
وحسب الورقة التي قدمت تحت عنوان " تقييم موارد النفط والغاز الطبيعي وتداعياتها على أمن الطاقة في أفغانستان"، فإن البلاد غنية بالنفط والغاز الطبيعي.
على صعيد الغاز الطبيعي، ترى الورقة أن استغلاله سيسهم بدرجة كبيرة في تطوير الاقتصاد الأفغاني، لأنه سيعني تقليص اعتماد البلاد على المعونات الدولية، كما سينهي فاتورة استيراد الطاقة بالبلاد.
وحسب أحد السيناريوهات التي طرحت في المؤتمر، فإن البلاد تستطيع، في مدة تراوح بين 5 إلى 8 سنوات، تطوير واستغلال حقول الغاز الطبيعي في شمال البلاد، التي تعرف بحقول شيبرغان وكان يستغلها بشكل جزئي الاتحاد السوفييتي في السابق.
وتشير تقديرات السيناريو إلى أن الغاز المستخرج من هذه الحقول يقدر بنحو 12.328 طناً من الغاز الطبيعي يومياً، ويمكن أن تكفي هذه الكمية كامل احتياجات البلاد من الغاز الطبيعي المقدرة بنحو 800 مليون دولار سنوياً، كما ستغطي صادراتها نحو 50% من ميزانية الإنفاق في البلاد. كما قدرت الورقة أن أفغانستان يمكنها إنتاج 65 ألف برميل يومياً من النفط من حقول كاشغاري وأنقوت القريبة من الصين.
لم تتمكن أفغانستان خلال سنوات الغزو الأميركي من تطوير إمكانات البلاد من الهايدرو كربونات والمعادن، لأن الولايات المتحدة أعلنت أن بناء الاقتصاد الأفغاني ليس من أهداف غزوها للبلاد
ولم تتمكن أفغانستان خلال سنوات الغزو الأميركي من تطوير إمكانات البلاد من الهايدرو كربونات والمعادن، ببساطة لأن الولايات المتحدة، وكما أعلنت بوضوح، أن بناء الاقتصاد الأفغاني ليس من أهداف غزوها لأفغانستان وإنما استهدفت القضاء على تنظيم القاعدة. وبالتالي، ظلت ثروات النفط والغاز الطبيعي إلى جانب المعادن، التي تقدرها مصلحة الجيولوجيا الأميركية بنحو 3 تريليونات دولار، قابعة تحت الأرض.
وحتى الكميات الضئيلة من النفط والغاز التي كانت البلاد تنتجها من حقول النفط والغاز تراجعت إلى قرابة الصفر خلال الأعوام الأخيرة، بسبب الفساد الإداري وعدم الكفاءة وهروب الشركات.
وتشير بيانات هيئة المعلومات والإحصاء القومي في أفغانستان إلى أن البلاد باتت في السنوات الأخيرة مستورداً صافياً للطاقة، حيث تراجع حجم النفط والغاز المنتج إلى نحو 5% فقط من الطلب المحلي البالغ 4.5 ملايين طن من النفط و656 طناً من الغاز الطبيعي، وبالتالي، فإن المعضلة التي تواجه حكومة طالبان هي الاستقرار السياسي والأمني في البلاد وطمأنة جيرانها.
في هذا الصدد، يلاحظ أن منظمة شنغهاي للتعاون السياسي والاقتصادي والأمني، التي تضم الصين وروسيا وباكستان والهند ودول آسيا الوسطى، اختتمت اجتماعاتها في العاصمة الطاجيكية دوشانبه الأسبوع الماضي من دون الخروج بقرارات حاسمة حول كيفية التعامل مع أفغانستان.
وخلافاً للابتهاج الأولي في عواصم "منظمة شنغهاي" لانسحاب الولايات المتحدة من خاصرة كل من الصين وروسيا، فإن هذه الدول بدت غير واثقة حول مستقبل الاستقرار في منطقة آسيا الوسطى.