هل تنجح شراكة واشنطن مع الهند في محاصرة التمدد الاقتصادي الصيني؟

01 يونيو 2023
مودي مع بايدن في اجتماعات قمة العشرين (Getty)
+ الخط -

يتواصل الرهان الأميركي على الشراكة الاستراتيجية مع الهند على أمل محاصرة التمدد الاقتصادي الصيني، ولكن هل تنجح هذه الشراكة وسط المصالح التجارية والدفاعية الواسعة التي تربط نيودلهي بروسيا؟

تعد الهند قطعة الشطرنج الثمينة في صراع الهيمنة بين واشنطن وبكين على "النظام العالمي" في القرن الحالي، وتشكيل "عالم ما بعد الحرب الروسية الأوكرانية"، وهو الصراع الجاري بين العملاقين على التجارة وأسواقها والاستثمار وحركة المال والعملات والتقنية والدفاع.

وتأتي أهمية الهند في هذا الصراع بسبب موقعها الاستراتيجي في آسيا، وكونها ثالث أكبر اقتصاد في القارة الآسيوية وخامس أكبر اقتصاد في العالم، إذ يقدر حجم اقتصادها بنحو 3.202 ترليونات دولار. كما أنها ثاني أضخم الاقتصادات في العالم.

ويقدر عدد السكان بالهند بنحو 1.4 مليار نسمة وحجم السوق الاستهلاكية يزداد نمواً مع تنامي حجم الطبقة الوسطى في البلاد. وقد حققت نموًا اقتصاديًا قويًا على مدار العقود الثلاثة الماضية، حيث ارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 245%.

لكن رغم ذلك لا تزال الهند متخلفة نسبياً على النطاق العالمي، حيث يعيش أكثر من 600 مليون شخص في الهند على أقل من 3.65 دولارات في اليوم، حسب بيانات مؤسسة "ماكرو ترند" العالمية للبيانات. وبالتالي لا تزال هناك إمكانات هائلة للنمو الاقتصادي في البلاد.

تقارير دولية
التحديثات الحية

وحسب تقرير في نشرة "هارفارد ريفيو" التابعة لجامعة هارفارد الأميركية، فإن تنامي مخاوف الولايات المتحدة بشأن التمدد الاقتصادي والتجاري في العالم يجعل من الهند بديلاً واعداً للشركات الأميركية والغربية التي ترغب في التخارج من سوق "التنين الصيني" وتحويل سلاسل التوريد ومراكز الابتكار والمشاريع المشتركة إلى دولة صديقة.

ويأتي ذلك باعتبار أن الهند أكبر ديمقراطية في العالم وذات اقتصاد مفتوح بشكل متزايد وأن لديها قطاعاً تقنياً قوياً وسوقاً استهلاكية متنامية يمكن أن تعوض الشركات الأميركية عن السوق الصينية.

ويقدر أن يبلغ حجم السوق الاستهلاكية في الهند 6 تريليونات دولار في العام 2030، حسب بيانات المنتدى الاقتصادي العالمي وعمالة مهنية تقنية، وبالتالي فإنها تتمتع بإمكانيات تجعل منها الشريك التجاري المناسب للولايات المتحدة في فترة التوتر المتصاعد بين واشنطن وبكين.

وتراهن واشنطن على العداء التاريخي بين الهند والصين الذي تصاعد في يونيو/حزيران العام 2020 إلى نزاع عسكري على الحدود.

ولكن رغم هذه الميزات، فإن واشنطن قلقة من العلاقات التجارية والدفاعية المتنامية بين الهند وروسيا، خاصة أن الهند تعتمد على الواردات العسكرية الروسية وتواصل هذا الاعتماد، وهذا الاعتماد يخيف الإدارة الأميركية من احتمالية تمرير الهند التقنية الأميركية إلى روسيا.

وتأمل الولايات المتحدة أن يؤدي التعاون الدفاعي الأميركي إلى تقارب وثقة أكثر بين نيودلهي وواشنطن.

ويرى تحليل في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، وهو معهد متخصص، أن توبيخ رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الواضح للرئيس بوتين، على هامش منظمة شنغهاي للتعاون الاقتصادي، علامة أن العلاقات بين الهند وروسيا ربما تتغير من التقارب إلى التعارض.

لكن إدارة بايدن تبحث عن مؤشرات أخرى أكثر واقعية على أن نيودلهي لن تتحالف مع موسكو مستقبلاً، خاصة أن الهند عضو في مجموعة بريكس التي تدرس إنشاء عملة بديلة للدولار، كما أن واردات الهند من النفط من روسيا تتزايد وقد حلت محل العراق والسعودية كأكبر موردين إلى السوق الهندية.

يضاف إلى ذلك أن هنالك محادثات بين الهند وروسيا حول تسويات بالعملات المحلية.

وحسب صحيفة "آسيا تايمز"، فإن الهند وروسيا تتجهان لتطبيق نظام مقايضة لتمويل التجارة بالروبية والروبل، وهو ما يعني أن نيودلهي ستساعد موسكو على التهرب من نظام العقوبات الغربية ضد روسيا.

ولا يستبعد محللون أن تنفذ العديد من البنوك المملوكة للدولة في الهند المقايضات تحت إشراف بنك الاحتياط الهندي. ويلاحظ أن الهند تستورد نحو 80% من احتياجاتها النفطية، وهي تعتمد على الشحنات النفطية الرخيصة التي تحصل عليها من الشركات الروسية منذ بدء تطبيق العقوبات الغربية على المؤسسات المالية الروسية.

ماذا تريد واشنطن من الهند؟

ترغب واشنطن في استخدام حجم الهند الدفاعي في ردع بكين على الحدود وفي المحيط الهندي، وكذلك استخدام نفوذها في المؤسسات الدولية. وذلك على الرغم من أن واشنطن تدرك أن الهند تريد تجنب أن تكون طرفاً في النزاع الاسترتيجي بين الولايات المتحدة والصين، حسب تحليل مجلس العلاقات الخارجية الأميركي.

ويرى محللون أن الغموض لا يزال يلف موقف الهند في حالة حدوث تصعيد في مضيق تايوان. وعما إذا كانت الهند ستقف إلى جانب واشنطن في حال حدوث مثل هذا النزاع العسكري.

على الجانب الدولي، فإن واشنطن تولي اهتماماً كبيراً لدعم دور الهند في المنظمات الدولية متعددة الأطراف، مثل مجموعة العشرين ومنظمة شنغهاي للتعاون، حتى تتمكن من استخدام مواقعها القيادية في هذه المؤسسات لتكون بمثابة جسر بين الغرب والدول النامية.

وتود الولايات المتحدة دعم الهند في هذا المسعى وجذبها إلى المزيد من الاتفاقيات متعددة الأطراف. لكنها تراقب أيضًا كيف تدير الهند علاقاتها داخل هذه المؤسسات، لا سيما تعاملاتها مع روسيا. وربما ستراقب واشنطن من قرب دور الهند في قمة بريكس، التي ستعقد اجتماعاتها في جنوب أفريقيا وتدرس ملفات مهمة، من بينها إيجاد عملة منافسة للدولار.

المساهمون