هل تصمد المصارف الروسية في وجه العقوبات الغربية؟

28 فبراير 2022
صفوف طويلة من المودعين أمام مصرف "سبير بنك" تنتظر السحب في موسكو (Getty)
+ الخط -

بعد بدء روسيا حرباً مفتوحة على أوكرانيا، فجر يوم الخميس الماضي، فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حزماً غير مسبوقة من العقوبات على كبار المسؤولين الروس، بمن فيهم الرئيس فلاديمير بوتين ووزيرا دفاعه وخارجيته سيرغي شويغو وسيرغي لافروف، والمصارف والشركات الروسية الكبرى.

وتراوح مستوى العقوبات الأميركية المفروضة على المصارف الروسية بين القيود على التمويل وطرح أسهم جديدة، مثلما هو حال "غازبروم بنك" التابع لعملاق الغاز الروسي "غازبروم"، وفرض قيود على حسابات المراسلة في الولايات المتحدة على أكبر مصرف روسي، وهو "سبيربنك"، وصولاً إلى تجميد أصول ثاني أكبر مصرف "في تي بي" وعزله الفعلي عن المنظومة الدولارية.

وحتى قبل الإعلان عن العقوبات بشكل رسمي، هرع عملاء المصارف الروسية إلى فروعها لسحب أموالهم خوفاً من تفاقم أزمة السيولة، وسط انهيار سعر صرف العملة الروسية، وسحب العملاء ما يعادل نحو 1.3 مليار دولار نقداً، خلال اليوم الأول من العملية العسكرية الروسية وحده، وفق بيانات المصرف المركزي الروسي.

رصدت "العربي الجديد"، خلال جولة بين فروع المصارف الروسية بموسكو، نقصاً حاداً في الأوراق النقدية بماكينات السحب الآلي التي كانت خالية تماماً من الأموال أو من الأوراق النقدية من فئات محددة.

وبعد خلاف، توصلت الدول الغربية، في نهاية الأمر، إلى حل وسط بشأن فصل روسيا عن نظام "سويفت"، على أن يقتصر الإجراء على بعض المصارف الخاضعة للعقوبات فقط، وليست المنظومة المصرفية الروسية بأسرها.

وأعلن البيت الأبيض، مساء السبت، عن اتخاذه مع الاتحاد الأوروبي وكندا وبريطانيا قراراً بفصل بعض المصارف الروسية عن نظام "سويفت"، وفرض عقوبات على المصرف المركزي الروسي نفسه، لمنعه من استثمار احتياطاته الدولية البالغة أكثر من 640 مليار دولار لتخفيف مفعول العقوبات.

وأكدت المفوضية الأوروبية هي الأخرى أن العقوبات بحق المصرف المركزي ستقلل من إمكانياته لدعم سعر صرف الروبل. ومع ذلك، يقلل كبير المحللين في مجموعة "تيلي تريد" للتداول في موسكو، مارك غويخمان، من تأثير العقوبات الأميركية بصورتها الحالية على القطاع المصرفي الروسي، بينما لم تتضح بعد تفاصيل فصل المصارف الروسية عن نظام "سويفت" وما سيترتب عليه من تداعيات.

ويقول غويخمان، في حديث لـ"العربي الجديد": "أعتقد أنّ المنظومة المصرفية مستقرة بشكل عام، إذ إنّ الأشهر الماضية من الديناميكية الإيجابية للاقتصاد، وتدفقا هائلا من الأموال إلى البلاد نتيجة لارتفاع أسعار المواد الخام وصادراتها، ساهمت في ارتفاع الاحتياطات الدولية الروسية إلى نحو 643 مليار دولار، بحلول 18 فبراير/شباط الجاري، بزيادة نسبتها 9.4 في المائة، مقارنة مع الشهر ذاته من العام الماضي" علماً أنّ روسيا عملت في السنوات الماضية جاهدة على تخفيض حصة الدولار في احتياطاتها الدولية.

وكشف تقرير المصرف المركزي الروسي عن إدارة الأصول المدرجة بالعملات الأجنبية والذهب، انخفاضاً لحصتي الدولار والذهب في الاحتياطيات الدولية الروسية، مقابل ارتفاع حصص اليورو والجنيه الإسترليني واليوان الصيني وغيرها.

ويقلل غويخمان من أهمية التأثير المباشر للعقوبات الأميركية على المصارف الروسية وعملائها، مضيفاً: "لا تنطبق العقوبات على القطاع المصرفي الروسي بأسره، بل طاولت مؤسسات مالية بعينها. المصارف التي لم يتم إدراجها على هذه القائمة وحتى فروعها في الخارج لن تتضرر، بل يمكنها جني مزايا في جذب العملاء من الشركات والأفراد مقارنة مع المصارف الخاضعة للعقوبات".

وحول تأثير الواقع الجيوسياسي الجديد على الفوائد على القروض والودائع، يتابع: "تراجعُ سعر صرف الروبل والنفقات الإضافية من الميزانية وتقليص الاستدانة بواسطة السندات الفدرالية بسبب العقوبات وإعلان عدد من المصنعين الأجانب عن تقليص الإمدادات، كلها عوامل تؤدي إلى تسارع وتيرة التضخم التي قد تصل إلى 10-12%.

ومن أجل مواجهتها، سيضطر المصرف المركزي إلى رفع سعر الفائدة الأساسية من 9.5% حاليا إلى 11-12%. في هذه الظروف، ستزداد حتما أسعار الفائدة على القروض والودائع بنفس نسب تغيير سعر الفائدة الأساسية تقريباً".

وفور بدء الحرب الروسية، تهاوى سعر صرف الروبل إلى أدنى مستوى تاريخياً، لامس عتبة الـ90 روبلاً للدولار الواحد في تعاملات الخميس الماضي، مما دفع المصرف المركزي الروسي إلى بدء التدخلات ببيع العملة لأول مرة منذ ديسمبر/كانون الأول 2014.

وأتاحت هذه التدخلات إعادة سعر صرف العملة الروسية إلى مستوى 83 روبلاً للدولار بحلول نهاية الأسبوع، وسط تساؤلات حول قدرتها على الصمود مع بدء تعاملات الأسبوع الجديد اليوم الاثنين، وهو بداية أسبوع العمل في روسيا وأول يوم لتعاملات بورصة موسكو بعد الكشف عن العقوبات الغربية الجديدة.

وكانت وكالات تصنيف دولية قد خفضت تصنيف روسيا الائتماني. وقال مصدر في المكتب الصحافي لوزارة المالية الروسية، إنّ خفض وكالة "ستاندرد آند بورز" وقرار وكالة "موديز" بوضعه قيد المراجعة، يرتبط بعوامل جيوسياسية.

وأضاف المصدر: "قرار ستاندرد آند بورز بخفض تصنيف روسيا الائتماني إلى BB+ مع نظرة مستقبلية سلبية، وموديز بوضعه قيد المراجعة مع إمكانية خفض التصنيف، مرتبط بعوامل جيوسياسية".