- تفاؤل بإمكانية خفض الفائدة من البنك الفيدرالي بعد تراجع التضخم ونمو أرباح الشركات، رغم التذكير بالتقلبات عبر مؤشر أسعار المستهلكين وزيادة الاهتمام بالاستثمار في الأصول الدفاعية.
- المحللون متفائلون بشأن السوق الأمريكية، معتبرين التراجعات فرصًا للدخول إلى السوق ومؤكدين على الاتجاه الصعودي العام مع الأمل في خفض الفائدة من البنك الفيدرالي.
شهدت سوق الأسهم الأميركية تراجعات حادة في أكثر من جلسة خلال الأسبوع المنتهي، تارة بسبب ارتفاع التضخم أكثر من التوقعات، وأخرى بسبب إعلان نتائج أعمال بعض المؤسسات المالية في الربع الأول من العام، والتي جاءت أقل من التوقعات، ثم أخيراً بسبب تزايد المخاوف من اتساع الحرب في المنطقة، الأمر الذي جعل البعض يتساءل عمّا إذا كانت موجة الصعود القوية، التي بدأت قبل أكثر من خمسة أشهر، قد أوشكت على الانحسار.
وشهد الربع المنتهي ارتفاع المعنويات بعد تسجيل الاقتصاد الأميركي معدلات نمو كانت الأعلى بين الاقتصادات الكبرى، بالتزامن مع استقرار سوق العمل، وتلاشي مخاوف الدخول في ركود. ومع تراجع مؤشرات التضخم في البلاد، ونموّ أرباح الشركات خلال الربع، تزايدت توقعات بدء مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) موجة جديدة من خفض الفائدة، ستكون الأولى منذ عام الجائحة، الأمر الذي شهد تسجيل مستويات قياسية لمؤشرات الأسهم الرئيسية.
ورغم أن الكثير من هذا لا يزال صحيحاً أو معقولاً، جاءت قراءة الشهر الثالث على التوالي لمؤشر أسعار المستهلكين لتذكر الأسواق بالتقلبات العنيفة لعوائد السندات، الأمر الذي أعطى دفعة إضافية لإحياء الرغبة في الاستثمار في الأصول الدفاعية كالذهب. ويوم الأربعاء ارتفع عائد سندات الخزانة الأميركية لعشر سنوات فوق مستوى 4.55%، للمرة الأولى منذ منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني.
وبنهاية الأسبوع، كان مؤشر إس أند بي 500 متراجعاً بأكثر من 1.5%، وكان يوم الجمعة أسوأ أيامه منذ شهر يناير/ كانون الثاني. وكان المؤشران الآخران أيضاً في المنطقة الحمراء على أساس أسبوعي، بتراجع بنسبة 2.37% في مؤشر داو جونز الصناعي، وبنسبة 1.62% في مؤشر ناسداك. وسجل داو جونز تاسع يوم من التراجعات، في آخر عشرة أيام من التداول، في إشارة إلى أن ثمة تغييراً يحدث في نظرة المستثمرين للأسهم.
وبعد أسبوع من إنهاء مؤشر ستاندرد أند بورز أول انخفاض بنسبة 2% في أكثر من خمسة أشهر، في إشارة مبكرة إلى تغيير محتمل في طبيعة السوق، تراجع المؤشر ليلامس متوسطه المتحرك لمدة 50 يومًا للمرة الأولى منذ نوفمبر. ومع ذلك، ارتدّ المؤشر الأشمل لقطاعات الاقتصاد الأميركي من هذا الخط ليغلق فوقه للجلسة الـ110 على التوالي، ما جعلها واحدة من أطول عشر موجات ارتفاعاً من هذا القبيل في الثمانين عامًا الماضية.
وبعد تراجع الأمال في بدء البنك الفيدرالي دورة خفض الفائدة في يونيو/ حزيران، اعتبر المحللون أن السوق الحالية لم تعد تعتمد على البنك الفيدرالي في ارتفاعاتها، بمعنى أنها لا "تحتاج" إلى تخفيض أسعار الفائدة قريبًا أو بقوة من أجل الحفاظ على قوتها، وذلك بسبب قوة الاقتصاد. ولا يعني ذلك بالتأكيد أن السوق يمكن أن تتجاهل الظروف التي قد يتراجع فيها مجلس الاحتياط الفيدرالي عن ميله لتيسير السياسة النقدية بوضوح هذا العام.
ولا يحتاج البنك الفيدرالي إلا لإظهار التضخم بعض التراجع الإضافي من أجل مضيه قدماً نحو تخفيض الفائدة، التي توقع أغلب صانعي السياسات فيه أن يكون على ثلاث دفعات هذا العام، وبقيمة إجمالية 0.75%. لكن أي إشارة إلى مزيد من الارتفاع في مؤشرات التضخم، يمكن أن تهوي بعدد التخفيضات المتوقعة هذا العام إلى "صفر".
وخلال الأرباع الثلاثة الأولى من العام الماضي، كان جيروم باول، رئيس البنك الفيدرالي، يقول بشكل روتيني إن الاقتصاد بحاجة إلى البقاء "دون إمكاناته لفترة طويلة" لكبح التضخم. وكان يشير في كثير من الأحيان إلى أن التضخم في قطاع الخدمات يرجع إلى نموذ الأجور، وأشار في أكثر من مناسبة إلى أن سوق العمل قد تحتاج إلى التخفيف كثيراً من أجل خفض أسعار الفائدة.
وتوقع باول ارتفاع معدل البطالة في بلاده إلى مستوى 4.5%، من 3.7% حالياً، قبل وصول معدل التضخم إلى مستواه المستهدف عند 2%.
ولهذه الأسباب، أدى الانخفاض الملموس في التضخم بحلول شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، وهو انخفاض أكثر حدة مما توقعه بنك الاحتياط الفيدرالي، إلى تحرير وول ستريت على الفور للتعامل مع الأخبار الاقتصادية الجيدة باعتبارها أخبارًا جيدة للأسهم. ولم يتم عكس هذه الديناميكية حتى الآن.
ومع تزايد التقلب في سوق السندات، اجتيح سوق خيارات الأسهم والعقود الآجلة بسيل من نشاط التحوط، وهي علامة على أن المتداولين حرصاء على الدفع لحماية مكاسبهم. وارتفع الذهب عموديًا تقريبًا هذا الشهر، مع أحجام تعامل هائلة في صناديق أسهم الذهب (GLD) المتداولة. ويوم الجمعة، سجل سعر الذهب مستوى قياسيًا جديدًا، حيث اندفع من 2400 دولار للأوقية إلى 2440 دولارًا قبل أن يرتد إلى 2360 دولارًا.
وتعكس هذه الحركة المضطربة بين الأصول ارتفاعًا واضحًا في قلق المتداولين وإعادة بناء لجدار الشك. وفي تحليل مطول لسوق الأسهم الأميركية، بُثَّ على شبكة "سي إن بي سي" الاقتصادية، قال محللو الشبكة إن سوق الأسهم الحالية سوق صاعدة بامتياز، ولا يمكن القول حتى الآن إن موجة الصعود قد بلغت ذروتها، أو إن الارتفاعات مبالغ فيها.
وأشاروا إلى أن موجة الارتفاعات آخذة في الاتساع بين الأسهم والقطاعات المختلفة، منذ منتصف شهر أكتوبر الماضي، مؤكدين أن "الاتجاه لأعلى، والتحركات المتطرفة تميل إلى الحدوث في الاتجاه الصعودي، والتراجعات عادة ما يتم احتواؤها، ويراها المستثمرون فرصاً جديدة لدخول السوق".
وقالوا إن استمرار قوة السوق بصورة غير معتادة، واتساع نطاق الارتفاع، مع تسجيل ارتفاع بنسبة 10% في ربعين متتاليين، وعدم حدوث انخفاض بنسبة 2% في أي يوم في خمسة أشهر، خلال الفترة من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 حتى مارس/ آذار، يشير بقوة إلى أنه لم يتم الوصول إلى الذروة النهائية، بناءً على أي عدد من الدراسات التي أجريت على الأسواق السابقة.
الأمر الأكثر أهمية أن مستوى التضخم الذي يستهدفه البنك الفيدرالي، والمقدر بنسبة 2%، يستند بالأساس إلى مقياس نفقات الاستهلاك الشخصي، الذي تسبب ترجيحه على أساس الاستهلاك في انخفاضه عن مؤشر أسعار المستهلكين. ويرى الاقتصاديون أن المكاسب السنوية الأساسية لنفقات الاستهلاك الشخصي تصل إلى حوالى 2.8%، وسيصدر التقرير رسمياً خلال أسبوعين.
وبلغ متوسط توقعات أعضاء مجلس الاحتياط الفيدرالي لنفقات الاستهلاك الشخصي الأساسية في نهاية العام 2.6%، مع متوسط متوقع لعدد تخفيضات أسعار الفائدة هذا العام ثلاث مرات. ولا تبدو الهوة كبيرة حتى الآن للوفاء بوعد التخفيضات الثلاثة.
وقال سكوت كرونرت، استراتيجي الأسهم في سيتي بنك، يوم الجمعة، لشبكة "سي إن بي سي": "لقد قامت الأسواق بتسعير احتمالية أعلى للسيناريو المعتدل الذي سيحدث هذا العام، ما يعرّض السوق للمزيد من المخاطر الهبوطية مع صدور أخبار "جيدة ولكن ليست جيدة بما فيه الكفاية".
وأغلق مؤشر إس أند بي 500 يوم الجمعة عند المستوى نفسه الذي كان عليه قبل خمسة أسابيع بالضبط، في الثامن من مارس/ آذار، والذي مثل لحظة ثقة المستثمرين القصوى في أطروحة "يمكننا الحصول على كل شيء". وفي اليوم السابق، قال باول إن بنك الاحتياط الفيدرالي "ليس بعيدًا" عن القدرة على خفض أسعار الفائدة. وبعدها بثمانية أيام، عزّز تقرير الوظائف شبه المثالي الإجماع على تمكن البنك الفيدرالي من تحقيق الهبوط الناعم.