استمع إلى الملخص
- **أسباب الهزة العنيفة:** حدد المحللون خمسة عوامل رئيسية وراء الهزة، منها مخاوف الركود الاقتصادي، الهروب من أسهم التقنية، نتائج الشركات غير المقنعة، الأوهام حول الذكاء الاصطناعي، وهشاشة النظام المالي.
- **تداعيات التراجع على الاقتصاد الأميركي:** يرى مصرف غولدمان ساكس أن التراجع في وول ستريت قد يؤثر على الناتج المحلي والقوة الشرائية، محذراً من تأثيره إذا بلغت عمليات بيع الأسهم نسبة 20%.
لا تزال هزة البورصات العالمية تتواصل، وفق بيانات المؤشرات الرئيسية في سوق "وول ستريت" الأميركية التي نقلتها وكالة بلومبيرغ الخميس، حيث أغلق مؤشر ستاندرد أند بورز 500 بتراجع 0.77% يوم الأربعاء، وناسداك بنسبة 1.5% وستاندرد أند بورز/ تي إس إكس المركب بنسبة 0.5%، وهو ما يشير إلى أن عملية التصحيح بالأسواق مستمرة منذ يوم الخميس الماضي، وأن أسواق المال لا تزال تعيش في حالة ترقب.
ويثير التراجع المثير في أسواق الأسهم العالمية السؤال حول ما إذا كان ما يحدث هو بمثابة خضة أحدثها هروب المستثمرين السريع بعد ظهور بيانات سوق العمل الأميركية يوم الخميس قبل الماضي، التي أعادت مشهد حدوث الركود الاقتصادي، أم هي مقدمة لانهيارات في أسواق المال تتبدى في شكل هذه التراجعات والهروب الجمعي من الأسهم نحو الملاذات الأمنة؟. ولكن ما هي أسباب تلك الهزة العنيفة، وهل ستواصل الأسواق تراجعها الحاد أم ستعود إلى الاستقرار؟
يرى محللون أن هنالك خمسة عوامل رئيسية وراء هذه الهزة المؤلمة، وهي مخاوف الركود الاقتصادي، والهروب الكبير من أسهم التقنية، ونتائج الشركات التي ارتفعت ولكن لم تكن كافية لإقناع المستثمرين بجدوى البقاء في أسهمها، والأوهام التي بنيت حول ثورة "الذكاء الاصطناعي" وتداعياته على النمو الاقتصادي العالمي. وأخيراً هشاشة النظام المالي العالمي وسط الاضطراب الجيوسياسي العالمي وعدم قدرة الحكومات الغربية على إحداث استقرار حقيقي في مناطق النزاعات الملتهبة،
ووفق محليين، لا تزال المؤسسات التي أنشأها النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية غير قادرة على وقف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وسط المخاوف من توسعها وتهديد إمدادات الطاقة العالمية، خاصة إذا ردت إيران على الهجوم الإسرائيلي الذي أدى إلى مقتل زعيم حركة حماس إسماعيل هنية في طهران.
تُضاف إلى هذه الأسباب مخاطر المضاربة بالعملة الحاملة للتجارة، أو ما يعرف بتجارة الفائدة التي تدور حول الاقتراض بالين بفائدة صفرية والاستثمار في السوق الأميركية التي تفوق الفائدة فيه 5%. ولكن مع رفع بنك اليابان المركزي سعر الفائدة على الين، وتوجه البنك المركزي الأميركي لخفض سعر الفائدة، فإن أخطار الرهانات على أرباح تجارة الفائدة ارتفعت وحدثت ردة فعل للتخارج من هذه التجارة. ويرى مصرف جي بي مورغان الأميركي أن المضاربين تخارجوا من تجارة الفائدة بنسبة بلغت 75% وفق ما نقلت وكالة بلومبيرغ أمس الخميس.
وقال مصرف "جيه بي مورغان" الأميركي إن 75% من صفقات تجارة الفائدة أو الـ"كاري تريد" على مستوى العالم جرت تصفيتها، بعدما أدت موجة البيع الأخيرة في الأسواق العالمية إلى محو المكاسب التي حققتها هذه المعاملات على مدار العام الجاري. وأوضح أنطونين ديلاير وميرا تشاندان، المحللان الاستراتيجيان في المصرف الأميركي، في مذكرة، أن عوائد الاستثمار في عشر سلال من عمليات الـ"كاري تريد" في عملات دول مجموعة العشر، والأسواق الناشئة والعالمية التي يتتبعها البنك؛ انخفضت بنحو 10% منذ شهر مايو الماضي. وأضافا أن المعاملات الفورية في مراكز تجارة الفائدة العالمية تشير إلى تصفية 75% منها، وأن وتيرة عمليات البيع الأخيرة كانت أعلى بمقدار الضعف عما هو معتاد.
وتجارة الفائدة Carry trade هي استراتيجية مالية يقوم فيها المستثمر باقتراض المال بعملة ذات سعر فائدة منخفض، ثم يستخدم هذا المال للاستثمار في عملة أخرى أو أصل يوفر عائدًا أعلى. والهدف من هذه الاستراتيجية هو تحقيق ربح من الفرق بين أسعار الفائدة.
وصفقات الكاري تريد، أو تجارة الفائدة، شائعة بين صناديق التحوط، والمستثمرين المؤسسيين، ومتداولي الفوركس، لكنها يمكن أن تكون محفوفة بالمخاطر، خاصة في ظروف السوق المتقلبة. كما لاحظت بلومبيرغ الأميركية، الخميس، أن الأسهم في الأسواق الناشئة استأنفت تراجعها بعد فترة راحة استمرت يومين مع استمرار معاناة أسهم التكنولوجيا الآسيوية.
وانتعشت العملات مقابل الدولار الأضعف على نطاق واسع. وانخفض مؤشر MSCI القياسي لأسهم الأسواق الناشئة بنسبة 0.5% لتصل خسائر هذا الأسبوع إلى 1.5%، مع قيادة شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات وشركة سامسونغ للإلكترونيات الانخفاض. وتذبذب البيزو المكسيكي، وهو أحد أكبر ضحايا تفكيك استراتيجيات تجارة المناقلة، قبل أن يقرر البنك المركزي رفع أسعار الفائدة يوم الخميس.
فقاعات البورصات العالمية
ورغم أن الانكماش الأخير في سوق الأسهم أدى إلى إجراء مقارنات مع حوادث السوق التاريخية التي أدت إلى كوارث مالية مثل أزمات العام 2008 وشركات "الدوت.كوم"، في العام 2000 وغيرها، ولكنه حتى الآن لا يرقى إلى مستوى الانهيار الذي حدث في عام 2008 وأدى إلى أزمة المال العالمية أو حتى ما حدث بعد انفجار فقاعة "الدوت. كوم" في العام 2000.
ويرى خبراء أن ما يحدث حالياً في أسواق المال عبارة عن تصحيح في أسعار أسهم شركات التقنية التي تضخمت تحت أوهام ثورة "الذكاء الاصطناعي" وما ستحدثه من نمو هائل في الاقتصادات المتقدمة. وهذه التوقعات التي جرى تضخيمها لم تترجم إلى عائدات حقيقة في شركات التقنية الكبرى.
ويرى مصرف غولدمان ساكس، في تعليقات نقلتها قناة "سي إن بي سي" يوم الأربعاء، أن ما يحدث من تراجع كبير في سوق وول ستريت هو عملية تصحيح مؤلمة وربما تستمر عدة أيام. ويحذر المصرف من تداعيات تراجع سوق "وول ستريت" على الناتج المحلي الأميركي. وحسب ما نقل موقع فوركس الخميس، يحذر البنك الاستثماري من أن عمليات البيع في سوق الأسهم الأميركية ستكون لها تداعيات خطرة على الاقتصاد الأميركي، إذ إنها ستضرب القوة الشرائية للمستهلك.
وتعد القوة الشرائية التي تقدرها بيانات "سبيليس" الأميركية للأبحاث بنحو 17.551 تريليون دولار في العام 2022 وتقدر شركة "ستاتيستا" أن يبلغ حجم القوة الشرائية الأميركية في العام الجاري 19.56 تريليون دولار. ومعروف أن الوعي الاستثماري في الولايات المتحدة مرتفع جداً بين المواطنين مقارنة بدول العالم الأخرى، حيث يستثمر أكثر من 60% من مواطني الولايات المتحدة في أسواق المال ويعتمدون على التوزيعات في دعم دخلهم وسط الارتفاع الكبير في كلف المعيشة خلال السنوات الماضية.
ويقول مصرف غولدمان ساكس إن تراجع الأسهم بنسبة 5% وانخفاض أسعار الفائدة على سندات الخزانة لأجل عشر سنوات بمقدار 21 نقطة أساس سيقود إلى تراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي الأميركي بمقدار 12 نقطة أساس خلال العام المقبل.
ومن المتوقع أن يؤدي كل انخفاض بنسبة 10% في سوق الأسهم إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 45 نقطة أساس. وبإضافة تحركات الأصول الأخرى، يمكن أن يصل التأثير الإجمالي على الاقتصاد الأميركي إلى تراجع بحوالي 85 نقطة أساس.
ولكنه يقول إن الركود لن يحدث إلا إذا بلغت الزيادة في عمليات بيع الأسهم نسبة 20%، وذلك بالنظر إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الحالي فوق 2%. ولا يتوقع غولدمان ساكس أن يتحرك البنك المركزي الأميركي للتدخل في السوق أو إجراء خفض اضطراري فيها، إلا إذا بلغت عمليات البيع نسبة 7% من مؤشر ستاندرد أند بورز 500".
ويرى محللون أن الخطر الحقيقي على الاقتصاد الأميركي من هزة سوق وول ستريت هو تأثيره على القوة الشرائية الأميركية التي تعد العمود الفقري للنمو الاقتصادي، حيث تثير الرعب في أوساط المجتمع من الإنفاق، خاصة الطبقة الوسطى وفوق الوسطى، وتدفعها للقبض على المحافظ، وبالتالي يتراجع الناتج المحلي الأميركي، أو ما يترجم إلى انكماش في الأسواق وينعكس على ربحية الشركات الكبرى في وول ستريت.
ويقدر حجم سوق المال الأميركية في وول ستريت بنحو 50.8 تريليون دولار حتى منتصف يناير/ كانون الثاني الماضي. ويمثل قرابة ضعفي حجم الناتج المحلي الأميركي. وبالتالي يمكن النظر إلى أهمية سوق وول ستريت لقوة الولايات المتحدة المالية عالمياً وقدرتها على جذب الاستثمار وتمويل العجز في الميزانيات.
ويقول غولدمان ساكس، في هذا الصدد، إن الثروة هي المحرك الرئيسي للاقتصاد، حيث يقلل المستهلكون من إنفاقهم مع انخفاض قيم الاستثمار في شركات وول ستريت. كما أن هنالك مخاوف من تخفيضات سريعة في أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياط الفيدرالي، بعد رفع بنك اليابان المركزي أسعار الفائدة بشكل أكبر، تؤدي إلى تغيير ديناميكيات السوق بشكل ملموس.
بدأت عاصفة أسواق المال الحالية في آسيا، حيث انهار مؤشر نيكاي 225 في اليابان بما يزيد على 12% في أسوأ يوم له منذ عام 1987، في حين انخفض مؤشر كوسبي في كوريا الجنوبية بما يزيد عن 8%، الأمر الذي أدى إلى توقف التداول لفترة وجيزة في منتصف النهار. وبعد هذا العرض الكئيب، سرعان ما تحولت عمليات البيع إلى مستوى عالمي.
حيث انخفض مؤشر S&P/ASX 200 الأسترالي بنسبة 3.7% يوم الاثنين، ومؤشر STOXX 600 الأوروبي بنسبة 2.17% بعد تعافي بعض خسائره المبكرة. وفي الولايات المتحدة، انخفضت مؤشرات السوق الرئيسية الثلاثة بأكثر من 2.5%.