في الوقت الذي تسبب فيه ارتفاع أسعار أسهم شركات التكنولوجيا الكبرى خلال الأسبوع الأخير في تحقيق مؤشر "إس آند بي 500" مستوى قياسيا جديدا، وملامسة مؤشر ناسداك أعلى مستوياته على الإطلاق، وبقاء مؤشر داو جونز الصناعي على بعد أقل من 0.01% من تسجيل رقم قياسي، تتعرض أكبر أربع شركات منها لضغوط كبيرة، بعد هجمة تشريعية جديدة تستهدف الحد من سيطرتها على الأسواق، وربما تتسبب في تفكيك بعضها.
وقبيل نهاية الأسبوع الماضي، ظهرت على السطح مسودة تشريع جديد، تقدمت به مجموعة من أعضاء مجلس النواب من الحزبين، يمنع دخول شركات التكنولوجيا الأربع الكبرى، أمازون، عملاق تجارة التجزئة على الإنترنت في العالم، وآبل التي تصنع حواسب ماك والهواتف الذكية آيفون، وموقع التواصل الاجتماعي الشهير فيسبوك، وألفابيت (الشركة الأم لمحرك البحث الشهير غوغل)، في عمليات اندماج أو استحواذ أو شراء شركات أخرى بما يسمح لها بفرض سيطرتها على الأسواق والتمتع بقوى احتكارية، أو أي نشاطات أخرى مما يدخل تحت عنوان تضارب المصالح.
وستضطر تلك الشركات، حال إقرار التشريع المقترح والذي جاء في 450 صفحة، إلى تعديل العديد من سياساتها الحالية التي تشمل من وجهة نظر المشرعين العديد من الممارسات الاحتكارية التي ينبغي الوقوف لها بالمرصاد، والتي تسببت في استدعاء العديد من رؤساء ومديري تلك الشركات للشهادة أمام الكونغرس في أكثر من مناسبة سابقة.
واعتبر محللون اطلعوا على مسودة التشريع أنه أهم ما تم إنجازه خلال عقود من أجل إصلاح قوانين محاربة الاحتكار التي تم إعدادها قبل ما يقرب من قرن.
وبعد تحقيقات تركزت حول الممارسات التنافسية للشركات الأربع، واستمرت لما يقرب من 16 شهراً، أصدرت اللجنة القضائية الفرعية التابعة لمجلس النواب والمسؤولة عن مكافحة الاحتكار في الأسواق الأميركية نتائج تحقيقاتها وتوصياتها فيما يتعلق بإصلاح القوانين لتلائم العصر الرقمي الذي نعيشه وتحولاته، وكان من بينها تلك الخاصة بفصل العديد من الوحدات عن الكيانات الأم. واعتبر مراقبون أن أهم ما أنجزته اللجنة التي أعدت التشريع الأسبوع الماضي هو الحصول على تأييد أعضاء الحزب الجمهوري الذين رفض أغلبهم كل التوصيات السابقة.
وعارضت بعض مراكز الأبحاث التي تقوم شركات التكنولوجيا الكبرى بتمويلها توجهات المشرعين التي تستهدف تقييد عمليات تلك الشركات، وتقسيمها في بعض الأحيان، حيث أكد جيفري ماني، رئيس ومؤسس المركز الدولي للقانون والاقتصاد، في لقاء مع شبكة "سي أن بي سي" الإخبارية، أن تبني النموذج التنظيمي الأوروبي سيحد من قدرة الشركات الأميركية على الابتكار والمنافسة، داخل وخارج الولايات المتحدة.
وبخلاف مراكز الأبحاث التي تدعمها مالياً، هناك جماعات مصالح أخرى تقف في نفس الخندق مع تلك الشركات، ومنها ما يعرف باسم "غرفة التقدم"، ذات التوجهات اليسارية المعتدلة والتي تحظى بدعم قوي من كل من أمازون وفيسبوك وغوغل، بالإضافة إلى شركات أخرى.
وقبل ساعات من إعلان أعضاء مجلس النواب عن تشريعهم المقترح، نشر آدم كوفاسيفيتش، الرئيس التنفيذي للغرفة مقالاً أكد فيه أن التشريع المقترح سيحرم المستهلكين من 15 ميزة كانوا يحصلون عليها من خلال التعامل مع تلك الشركات.
ونصح كوفاسيفيتش أعضاء مجلس النواب من الحزب الديمقراطي بـ "التركيز على ما يجعل حياة الناس أفضل، بدلاً من العبث بما يحبونه".
ومن بين القيود التي يفرضها التشريع الجديد منع أمازون من تقديم خدمة الشحن المجاني لعملائها المميزين الذين يدفعون اشتراكاً شهرياً من خلال خدمة برايم Prime، ومنع غوغل من نشر خريطتها واقتراح الأماكن القريبة من المستهلكين عند البحث عن مقدمي الخدمات، ومنع شركة آبل من التحميل المسبق لبعض تطبيقاتها، ومنها التطبيق الخاص بالبحث عن المفقودات، على أجهزة آيفون، بالإضافة إلى منع تبادل النشر الميسر بين موقعي فيسبوك وإنستغرام.
ويعد القانون الأكثر إثارة للجدل ضمن التشريع المقترح ما يعرف بقانون إنهاء احتكار المنصات، والذي سيجعل تشغيل خط أعمال آخر يؤدي إلى تضارب المصالح أمراً غير قانوني.
ولا تأتي المصائب عادةً فرادى، حيث اتفق وزراء المالية في الدول السبع الكبرى الأسبوع الماضي على فرض ضريبة بحد أدنى 15% على أرباح الشركات، مع إدخال بعض التعديلات الضريبية الجديدة التي ستكون شركات التكنولوجيا الأميركية في مقدمة المتضررين منها.
تسمح التعديلات الجديدة للدول بفرض ضرائب على جزء من الأرباح التي تحققها تلك الشركات على أراضيها، على عكس ما كان معمولاً به قبل ذلك
وتسمح التعديلات الجديدة للدول بفرض ضرائب على جزء من الأرباح التي تحققها تلك الشركات على أراضيها، على عكس ما كان معمولاً به قبل ذلك، وفقاً لقاعدة عالمية استمرت لعقود، تدفع فيها الشركات ضرائب على أرباحها المحققة في أي مكان في العالم في البلد التي يوجد بها مقرها الرئيسي.
وقبل عدة أسابيع، اقترحت جانيت يالين، وزير الخزانة الأميركية، خلال مفاوضات مع منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، استثناء الشركات التي تقل أرباحها عن 20 مليار دولار من التشريعات الضريبية الجديدة، وكأنها تقصر تطبيق الضريبة على شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى.
من ناحيةٍ أخرى فقد تم الاتفاق أيضاً على عدم تطبيق تلك الضريبة على الشركات العاملة في الصناعات الاستخراجية، مثل شركات التنقيب عن البترول والمعادن، كما بدأت الدول الأوروبية في اقتراح إعفاء صناعات معينة، ليس من بينها قطاع التكنولوجيا، من الضريبة الجديدة، الأمر الذي دعا البعض لتسميتها "الضريبة على شركات التكنولوجيا الأميركية".