ارتفعت أسعار عقود القمح الآجلة في أسواق الحبوب العالمية، أمس الاثنين، بعد انسحاب روسيا من اتفاق صادرات الحبوب من أوكرانيا عبر البحر الأسود، وهو الاتفاق الذي توسطت في توقيعه تركيا وبإشراف الأمم المتحدة، وتم بموجبه فك الحصار عن الموانئ الأوكرانية على البحر الأسود الذي استمر لمدة 5 شهور.
وكانت صفقة الاتفاق مهمة لتخفيف أزمة الإمدادات العالمية من الحبوب والسيطرة على تكاليف الغذاء العالمية التي تهدد العديد من الأنظمة الحاكمة باضطرابات سياسية. وعلّقت روسيا الصفقة، يوم السبت، بحجة أن أسطولها البحري تعرّض لضربات بطائرة مسيّرة بدون طيار. وتزعم روسيا أن إحدى الطائرات بدون طيار ربما جاءت من إحدى سفن الحبوب التي تشكل جزءاً من مبادرة البحر الأسود، ولكنها لم تقدم دليلاً على ذلك.
وحسب بيانات "فايننشال تايمز"، قفزت أسعار العقود الآجلة للقمح والذرة الشامية المتداولة في بورصة شيكاغو، أمس الاثنين، بعد انسحاب روسيا من الاتفاق الذي سمح حتى الآن بمرور مليون طن من الحبوب عبر البحر الأسود.
وتشير بيانات "فايننشال تايمز" إلى أن العقود الآجلة للقمح في بورصة شيكاغو للسلع الأولية ارتفعت بنسبة 7.7% إلى 8.93 دولارات للبوشل، صباح أمس الاثنين، قبل أن تتراجع طفيفاً ويتم تداولها لاحقًا على ارتفاع بنسبة 5.7% عند 8.29 دولارات للبوشل. كما ارتفعت أسعار الذرة الشامية بنسبة 3% تقريباً، لتصل إلى 7 دولارات للبوشل، وزيت فول الصويا بنسبة 3%.
ولكن الأسعار ظلت قريبة من توقعات وزارة الزراعة الأميركية في تقريرها الأخير، والتي قدرت أن يصل سعر البوشل من القمح خلال الموسم الجاري 2022-2023 إلى 9 دولارات في المتوسط بالسوق الآجل.
وهز خبر انسحاب روسيا من اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية دول العالم، وسط تحركات دولية مشتركة لاحتواء بوادر أزمة غذائية دولية ضخمة تطاول الدول الكبرى التي كانت، بحسب التأكيدات الروسية، الأكثر استفادة من شحنات الحبوب الخارجة من الموانئ الأوكرانية.
وعلى الرغم من الخطوة الروسية، قال أوليكسندر كوبراكوف، وزير البنية التحتية الأوكراني، إن 12 سفينة تحركت من موانئ أوكرانية، اليوم الاثنين، بموجب مبادرة الحبوب من البحر الأسود، بعدما قال متحدث من الأمم المتحدة باسم المبادرة، لـ"رويترز"، إنّ فرقاً من تركيا والأمم المتحدة استأنفت تفتيش السفن بموجب الاتفاق.
وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الاثنين، إن تركيا ستواصل بذل جهودها من أجل اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، على الرغم من التردد الروسي. وأضاف: "حتى لو تصرفت روسيا بتردد لأنها لم تحصل على نفس الفوائد، فإننا سنواصل بشكل حاسم جهودنا لخدمة الإنسانية".
ويرى محللون وخبراء أن تجار الحبوب العالمية يراقبون بحذر مسار الوساطات الجارية لإعادة تفعيل الاتفاق بعد تعليقه قبل تنفيذ صفقات كبرى، لكن هناك مخاوف من احتمال استغلال صناديق الاستثمار العالمية خطوة تعليق الاتفاق وزيادة مشترياتها من صفقات الحبوب الآجلة، وبالتالي رفع الأسعار بمعدلات كبرى.
في هذا الشأن، قال المدير التنفيذي بشركة سوف إيكون التي تراقب صادرات الحبوب التي تمر عبر البحر الأسود، أندريه سيزوف، في تعليق على تداعيات وقف روسيا للاتفاق على أسواق الحبوب بقوله: "سنرى ارتفاعاً كبيراً في أسعار الحبوب".
ووصف سيزوف الخطوة الروسية بأنها أسوأ سيناريو لموسكو في الحرب الروسية على أوكرانيا. وحتى الآن، أثارت الخطوة غضباً واسعاً في العواصم العالمية، خاصة أنها تأتي في وقت يعاني فيه العالم من ارتفاع أسعار الفائدة وقوة الدولار وتداعياتها على عملات الدول، وتراجع احتياطات البنوك المركزية في الدول الناشئة والنامية والفقيرة من النقد الأجنبي.
من جانبه، قال كبير خبراء الاقتصاد في برنامج الأمم المتحدة للغذاء، عارف حسين، إن "عشرات الدول وكبار المستوردين للحبوب والمنتجات الغذائية في العالم سيتأثرون بتعليق الاتفاق". ووصف القرار الروسي بأنه أمر سيئ في مثل هذه الظروف التي يمر بها العالم. وقال: "يجب حل هذه المشكلة بأسرع وقت حتى لا تتفاقم تداعياتها".
من جانبه، قال الخبير في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "فاو"، ماكسيمو توريرو، في تعليقات لقناة سي أن بي سي، إن الخطوة الروسية سترفع من أسعار القمح في العالم. ومن المتوقع أن يكون لخطوة تعليق الاتفاق إن لم يُحلّ تأثير مباشر على المزارعين في أوكرانيا، إذ إنّهم باتوا لا يعلمون ما إذا كان إنتاجهم سيجد طريقه للأسواق في المستقبل، وذلك وفقاً لتعليق من مصرفي أوروبي.
وتعمل تركيا والأمم المتحدة على إنقاذ الاتفاق، حتى مع قول روسيا إن أي خطوات مستقبلية لا يمكن تحديدها إلا بعد تحقيق كامل في الهجوم على أسطولها البحري.
واتفقت كل من تركيا والأمم المتحدة التي وصل أمينها العام أنطونيو غوتيريس إلى أوكرانيا، على إبحار سفن تحمل المواد الغذائية من الموانئ الأوكرانية يوم الاثنين، في تحد لقرار روسيا بالانسحاب من الصفقة.
وقالت الأمم المتحدة إنها اتفقت مع أوكرانيا وتركيا على خطة لتحرك 16 سفينة، يوم الاثنين، 12 منها ستخرج من موانئ أوكرانية و4 سفن ستدخل إليها، وتعتزم كذلك تفتيش 40 سفينة خلال اليوم، ستتحرك للخروج وهي راسية الآن قرب إسطنبول.
وقال مدير مبيعات السلع في شركة فيوتشرز إنترناشونال الأميركية للسمسرة ومقرها شيكاغو، جو ديفيس: "ستواصل الأمم المتحدة، إلى جانب أوكرانيا وتركيا العمل بصفقة الحبوب، على الرغم من انسحاب روسيا". ويتوقع أن يستمر تذبذب سوق القمح، حيث ينتظر التجار المزيد من الأخبار حول المسار المستقبلي للإمدادات القادمة من البحر الأسود.
يذكر أن الاتفاق وُقع بوساطة الأمم المتحدة وتركيا، في يوليو/تموز الماضي، وأنهى حصاراً روسياً بحرياً استمر خمسة أشهر لموانئ أوكرانيا، مما أدى إلى قطع الإمدادات العالمية ورفع تكاليف الغذاء إلى مستوى قياسي في معظم دول العالم.
وقد صُمم الاتفاق للسماح بالمرور الآمن للحبوب والبذور الزيتية التي يتم تصديرها من أوكرانيا وتشكل أهم مصادر الدخل للعملة الصعبة لحكومة كييف. وقد أدى ممر الحبوب إلى تخفيف شح الإمدادات العالمية منذ افتتاحه قبل ثلاثة أشهر.
وحسب البيانات الرسمية التي أعلنت عنها الحكومة الأوكرانية، فقد شحنت أوكرانيا أكثر من 9 ملايين طن من الحبوب والمواد الغذائية الأخرى منذ بدء الاتفاق. وتمكن الاتفاق من خفض أسعار الذرة الشامية والقمح من أعلى مستوياتها في وقت سابق من العام. وكان من المقرر أن تجدد الصفقة في 19 نوفمبر/تشرين الثاني، لكنّ مسؤولين روساً شككوا بالفعل في ما إذا كانوا سيمددون مشاركتهم في الاتفاقية التي تجدد دوريا.
وتعد موانئ البحر الأسود من أهم الموانئ التي تصدر من خلالها الحبوب العالمية، إذ تمدّ روسيا وأوكرانيا العالم بأكثر من ربع صادرات القمح والشعير والذرة الشامية وزيت عباد الشمس. كما ستكون لإنهاء الاتفاق تداعيات مباشرة على الإنتاج العالمي من الحبوب بسبب الاضطراب المتوقع في إمدادات الأسمدة التي تعتمد عليها المزارع في التخصيب وزيادة إنتاج المحاصيل.