شكك نواب مصريون في دستورية حصول الحكومة على الشريحة الثانية من قرض صندوق النقد الدولي، البالغ إجماليه 3 مليارات دولار على مدى 46 شهراً، كونها خالفت المادة 127 من الدستور.
وتقضي المادة المذكورة بـ"عدم جواز اقتراض السلطة التنفيذية، أو حصولها على تمويل، أو الارتباط بمشروع غير مدرج في الموازنة العامة المعتمدة، يترتب عليه إنفاق مبالغ من الخزانة العامة للدولة لمدة مقبلة، إلا بعد موافقة مجلس النواب".
وتنتظر الحكومة المصرية صرف الشريحة الثانية من قرض صندوق النقد بقيمة 347 مليون دولار، بعد الانتهاء من المراجعة الأولى لخبراء الصندوق بشأن برنامج الإصلاح الاقتصادي لمصر خلال الأيام المقبلة، ضمن الاتفاق الذي يتيح تمويلاً تحفيزياً إضافياً بحوالي 14 مليار دولار من شركاء مصر الدوليين والإقليميين.
وقال أعضاء في مجلس النواب، إن اتفاق الحكومة مع صندوق النقد لم يعرض على البرلمان حتى الآن، أو يطلع نوابه على تفاصيل هذا الاتفاق، على الرغم من الشروع في تنفيذ بنوده، وحصول السلطة التنفيذية على شريحة أولى من القرض بقيمة 347 مليون دولار، في 17 ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي.
وأضافوا في حديث مع "العربي الجديد"، أن الدستور اشترط موافقة مجلس النواب على أي اتفاقية اقتراض قبل توقيعها من قبل الحكومة، وليس بعد سريان بنودها، وصرف الشرائح المالية المتعلقة بها، الأمر الذي يطعن في دستورية الاتفاق الموقع بين الحكومة وصندوق النقد برمته.
وتابع هؤلاء النواب الذين طلبوا عدم ذكر أسمائهم، أنها ليست المرة الأولى التي تخالف فيها الحكومة أحكام الدستور، إذ خالفت المادة 127 نفسها في عام 2016، حين وقعت اتفاقاً مع صندوق النقد للحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار، ولم تعرض الاتفاق على البرلمان لأخذ موافقته إلا في العام التالي (2017).
وأشاروا إلى عزمهم التقدم بمذكرة إلى رئيس مجلس النواب، حنفي جبالي، يطالبون فيها بحضور رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، إلى المجلس للإدلاء ببيان عن تفاصيل الاتفاق مع صندوق النقد، ومبررات عدم عرضه على البرلمان قبل الشروع في تنفيذه، وتلقي الشرائح المالية المتضمنة في الاتفاق، في إطار التزام الحكومة بأحكام الدستور، وعدم مخالفتها.
ودخلت مصر في مفاوضات شاقة مع صندوق النقد العام الماضي للحصول على قرض جديد، يسمح لها بمقابلة السحوبات الضخمة الخارجة من سوق الدين المصرية (الأموال الساخنة)، في أعقاب ارتفاع معدلات الفائدة الأميركية.
وأعلن الصندوق والحكومة المصرية، في 27 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، توصل الفنيين لاتفاق مبدئي بخصوص تسهيل من المؤسسة الدولية لمصر، يهدف إلى حماية استقرار الاقتصاد الكلي، والقدرة على تحمل الديون، وتحسين مرونة مصر في مواجهة الصدمات الخارجية، وتكثيف الإصلاحات التي تدعم النمو، وخلق فرص العمل بقيادة القطاع الخاص.
ومن المقرر أن يراجع خبراء صندوق النقد أداء الاقتصاد المصري كل 6 أشهر، وفق شروط وافقت مصر عليها سلفاً، منها الالتزام بتخفيض النفقات، وزيادة الدخل القومي، وتعديل السياسات النقدية والمالية العامة، والتحول إلى نظام سعر صرف مرن، فضلاً عن تخارج الحكومة من شركات القطاع العام، وشركات قطاع الأعمال، والشركات المملوكة للجيش، وإزالة الإعفاءات الضريبية للشركات المملوكة للدولة، وتعزيز معاملة الشركات المملوكة للدولة بموجب قانون المنافسة.
ومن الشروط التي وافقت عليها مصر أيضاً، ويخشى أن تتسبب في أزمات داخلية، شرط رفع الدعم تماماً عن الوقود، وربط أسعاره بالأسعار العالمية، وفرض ضرائب إضافية عليه.
وتبدو الحكومة المصرية عاجزة عن وقف نزيف العملة المحلية، مع استمرار الأزمة المالية الطاحنة، وشح الدولار، ودوامة الديون الخارجية، وبطء وصول الاستثمارات الخارجية.
وبحسب توقعات بنوك عالمية، يتجه البنك المركزي المصري إلى تخفيض جديد لقيمة الجنيه، في إطار موجة رابعة لتعويم العملة المحلية خلال عام واحد، قد تهبط بها سريعاً إلى 35 جنيهاً مقابل الدولار، مقابل سعر رسمي يناهز 31 جنيهاً للدولار حالياً.
ورفع بنك اتش أس بي سي (HSBC)، أحد أكبر البنوك العالمية، توقعاته لسعر الدولار مقابل الجنيه، ليتراوح إلى ما بين 35 - 40 جنيهاً على المدى المتوسط، وفق تقرير صادر عن المجموعة المصرفية مؤخراً.
وتنتظر الدول الضامنة قبل تمويل الموازنة، اتفاقات الدولة مع صندوق النقد، واستقرار الجنيه عند أقصى نقطة هبوط، لتبدأ في ضخ الأموال المشروطة بالحصول على أصول مقابل الاستثمار، ومتابعة جدارة توظيف الأموال التي تقدمها للحكومة، لإنقاذ الاقتصاد من أزمته العميقة.