عاود الدولار قفزاته مقابل الجنيه المصري، في السوقين الموازية والذهب، بمعدلات كبيرة، رغم ثباته بالبنوك وشركات الصرافة والقنوات الرسمية. تجاوز الدولار 40 جنيها في السوق الموازية غير المعترف بها، حيث بلغ متوسط التعاملات الفورية 39.6 جنيها للشراء و40.6 جنيها للبيع.
وفي قطاع المعادن ارتفع سعر الدولار في سوق الذهب إلى 44.5 جنيها، وتراوح ما بين 43 إلى 45 جنيها في المعاملات الآجلة بين كبار التجار وموزعي السلع الاستهلاكية والمعمرة والطبية والمنتجات الزراعية والصناعية.
وبحسب مصادر مصرفية وعاملة في سوق الذهب والصرافة فإن صعود الدولار في الأسواق، رغم الضغوط التي يتعرض لها في الأسواق الدولية، هو نتيجة مباشرة للتقارير السلبية التي نشرتها مؤسسات دولية عن حالة الاقتصاد المصري المتردية، نهاية الأسبوع الماضي، وندرة العملة بالأسواق، وتراجع إيرادات النقد الأجنبي من أهم نشاطين وهما الصادرات وتحويلات المغتربين، مع انتشار حالة من عدم الثقة في سياسة الحكومة في إدارة الملف الاقتصادي والمالي.
وعلى المستوى الرسمي حافظ الدولار على سعره المدار من قبل البنك المركزي ليظل ثابتا للشهر الخامس على التوالي، عند 30.90 جنيها للشراء و30.95 للبيع، في البنوك الرسمية التي توفره للحكومة وطلبات الموردين الذين تحددهم اللجنة العليا للمشتريات الخارجية، بتعليمات من مجلس الوزراء وبتوصية من الوزراء المختصين.
ووجهت وكالة موديز للتصنيف الائتماني في تقرير أصدرته الخميس الماضي، تحذيرا للحكومة مع تزايد ضعف السيولة، وقدرة الاقتصاد على تحمل الديون، واحتمال المزيد من الخفض بقيمة الجنيه. أبقت الوكالة التصنيف الائتماني طويل الأجل لمصر بالعملتين المحلية والأجنبية عند B3، مع نظرة مستقبلية سلبية، لمدة 3 أشهر.
كما أشارت موديز إلى عدم قدرة الحكومة على إحراز تقدم في مراجعة صندوق النقد الدولي، منذ مارس/ آذار الماضي، معتبرة أنه مؤشر على احتمال ضعف الدعم المالي الخارجي، الذي يمكن الدولة من الحفاظ على تصنيفها الائتماني، عند المستوى السلبي الحالي.
واكب تقرير موديز صدور تقرير من بنك سيتي غروب الأميركي بدل فيها نظرته الإيجابية إلى سلبية تجاه الديون المصرية، داعيا إلى ضرورة تحرك الحكومة إلى تحرير سعر الصرف، وسرعة بيع الأصول العامة بما يمكنها من الوفاء بالتزاماتها المالية وتعهداتها مع صندوق النقد الموقع في ديسمبر/ كانون الأول 2022.
وانضمت وكالة بلومبيرغ إلى قائمة المؤسسات الداعية إلى تخفيض قيمة الجنيه، مقابل العملات الصعبة، مؤيدة لمطالب سابقة لوكالتي فيتش وستاندرد آند بورز، اللتين خفضتا تصنيفها الائتماني للديون السيادية إلى B، والنظرة المستقبلية إلى سلبية.
ويؤكد خبراء أن قتامة الوضع الاقتصادي، ترجع إلى الانخفاض المستمر في السيولة بالعملة الأجنبية، وخاصة الدولار، الذي يمثل 80% من تعاملات الدولة مع الأسواق العالمية، واتساع العجز بصافي الأصول الأجنبية بالبنوك من سالب 24.4 مليار دولار في مايو/أيار الماضي إلى سالب 27.1 مليار دولار، في يونيو/ حزيران 2023، بما يبين أن الحكومة ما زالت تعتمد على أموال المودعين وحقوق المستثمرين الراغبين في استعادة عوائد أرباحهم بالدولار، في سداد ديونها ومشترياتها.
أوضح محللون أن استمرار الحكومة في الاعتماد على سحب الدولار من البنوك، دون تعويضها بزيادة الإيرادات من بيع الأصول العامة أو المصريين بالخارج، والتدفقات المالية من الاستثمارات الأجنبية، يمكن أن يؤدي إلى عدم قدرتها على سداد خدمة الديون وشراء احتياجات المواطنين من السلع الرئيسية من الأسواق الدولية وعلى رأسها القمح والوقود.
قال هاني الحسيني الخبير الاقتصادي لـ"العربي الجديد": لم يعد هناك مخرج من الأزمة المالية والاقتصادية، بدون صدور قرار سياسي بإقالة الحكومة، مؤكدا أن البلاد تحتاج إلى تحويل سياسي شامل، لإدارة أزمة أدخلت الاقتصاد في دوامة دائرية، تعتمد على حلول مالية متشددة وبيع الأصول العامة، لم تخفف من تبعاتها على المواطنين أو تظهر أفقا زمنيا لا يمكن تجاوزه.
أوضح الحسيني أن الحكومة تفرط ببيع الأصول العامة الرابحة والتي تحقق عوائد مالية أغلبها بالدولار، يمكنها سداد قيمة أصولها خلال 4 سنوات، معتبرا أن كفاءة الدولة من الناحية المالية، تتطلب الاحتفاظ بتلك الأصول، لأنها قادرة على توليد أرباح تعادل قيمة أصولها خلال فترة تتراوح بين 4 – 5 سنوات.
وأضاف الحسيني أن التنازلات التي أقدمت الحكومة عليها في بيع الأصول العامة، لم تحدث في التاريخ المصري، مؤكدا فشلها في تنفيذ مبادرات عديدة، استهدفت جمع الدولار من المصريين بالخارج والداخل، منها السماح باستيراد السيارات، وشهادات الادخار بالدولار مرتفعة العائد.
كما أشار الحسيني إلى أن فشل تلك المبادرات، يعكس عدم ثقة المواطنين في سياسات الحكومة وإدارتها للملفات الاقتصادية والمالية، معتبرا أن حالة فقدان الثقة هي الأخطر في المجال الاقتصادي، حيث يتجه الناس إلى الاحتفاظ بما لديهم من سيولة، بعيدا عن القنوات الرسمية، واللجوء إلى شراء الدولار واكتناز الذهب.
عكس تراجع الجنيه أجواء سيئة على الأسواق، التي شهدت موجة غلاء جديدة، في كافة السلع المحلية والمستوردة. واتجه سعر الذهب إلى الصعود، خلال اليومين الماضيين، رغم تراجع أسعار أونصة الذهب عالميا من مستوى 1955.5 دولارا، مطلع أغسطس/ آب الجاري إلى 1913.8 دولارا ظهر أمس.
بلغ سعر الذهب عيار 21 الأكثر مبيعا في مصر، 2380 جنيها للغرام، مرتفعا من 2155 جنيها بداية أغسطس/آب الحالي. يباع الغرام عيار 24 بسعر 2720 جنيها، ليحدد على وجه الدقة سعر الدولار في سوق الذهب عند 44.5 جنيها، وفقا لتحليل فني لأعضاء بشعبة الذهب. وقد بلغ سعر الذهب عيار 18 نحو 2040 جنيها للغرام، و1586 جنيها عيار 14.
قال هاني الحسيني الخبير الاقتصادي لـ"العربي الجديد": لم يعد هناك مخرج من الأزمة المالية والاقتصادية، بدون صدور قرار سياسي بإقالة الحكومة
وتعهدت رئاسة الجمهورية بعدم خفض جديد للجنيه خلال المرحلة المقبلة، خشية تأثير الخفض سلبا على قدرة المواطنين على شراء احتياجاتهم الأساسية، وزيادة الدين العام، بينما يرى محللون أن خفض العملة المحلية أصبح أمرا حتميا في ظل تراجع تدفقات المصريين بالخارج، ومصادر التمويل بالنقد الأجنبي، والعجز الخطير في صافي الأصول الأجنبية، ورفع البنك المركزي معدلات الفائدة على الجنيه، بمعدل 11% في أقل من عام.
ويشير خبراء إلى أن تراجع صافي الأصول الأجنبية، بهذه المستويات السلبية، لم تشهدها مصر من قبل، بما يؤكد عدم قدرة الحكومة على الدفاع عن الجنيه في المستقبل واختفاء الظروف التي تحافظ على استقراره، مع عدم القدرة على جذب رؤوس الأموال من الخارج، في ظل تدني معدلات الفائدة على الجنيه، عن المعدلات السائدة على الدولار والعملات الرئيسية.