نفط الصومال لاعب جديد في سوق الطاقة... هل يمثل تحدياً لدول الخليج؟

06 مارس 2024
زيادة الإنتاج من خارج "أوبك" تهدّد الإيرادات النفطية لدول الخليج (فرانس برس)
+ الخط -

يقدر خبراء النفط أن الصومال في طريقه للانضمام إلى قائمة الدول المنتجة قبل نهاية العام الجاري، استناداً إلى تقديرات جهود التنقيب المتواصلة في 7 مربعات على طول سواحل البلاد، ولا سيما في المناطق التابعة لولايات غلمدغ وجنوب الغرب وجوبالاند.

وهو ما سلط الضوء على الاحتياطيات المتوقعة بتلك المناطق والتي تقدرها مصادر بنحو 30 مليار برميل في 15 مربعا فقط، ترتفع إلى 100 مليار وفق مصادر محلية، وتأثيرها على سوق النفط العالمية وحصص دول الخليج العربية فيه.

وفي العام 2022، توصلت حكومة الصومال إلى اتفاق مع شركات أجنبية، أبرزها "كوست لاين إكسبلوريشن" التي تتخذ من ولاية تكساس الأميركية مقراً لها، بهدف التنقيب عن النفط وإنتاجه في المناطق البحرية السبع، وفقاً لما أوردته مؤسسة الصومال الجديد للإعلام.

وحسب مسوحات أجرتها شركة تي جي إس "TGS" البريطانية عام 2014، فإن الاحتياطيات النفطية المقدرة في الصومال تصل إلى 30 مليار برميل في 15 مربعاً قدّمتها الحكومة الصومالية إلى الشركات الأجنبية للاستثمار، بينها 7 مربعات ساحلية.

وكانت الحرب الأهلية أبرز العوائق التي واجهت التنقيب عن النفط في الصومال، إذ سبق أن بدأت كبريات شركات النفط العالمية عمليات التنقيب بالفعل في خمسينيات القرن الماضي، بما فيها "شيفرون" و"إيني" و"إكسون موبيل" و"شل" لكنها انسحبت بسبب الحرب.

غير أن تطورات الوضع السياسي القائم في الصومال حاليا قد تؤهل لاستئناف عمليات التنقيب، بخاصة في ظل دعم تركي لجهود الحكومة في مقديشو، ما قد يؤثر على حصص دول الخليج في السوق النفطية العالمية، التي نشرت شركة بريتيش بتروليوم، في العام 2021، تقديراً لاحتياطياتها بنحو 1.734 تريليون برميل.

رفعٌ للأسعار
يؤكد الخبير الاقتصادي، حسام عايش، في تصريحات لـ "العربي الجديد"، أن تمكُّن الصومال من أن يكون واحداً من البلدان المنتجة للنفط يمثل تطوراً مهماً على صعيد صناعة الطاقة والنفط في ظل ظروف جديدة تتصاعد فيها نسبة مصادر الطاقة المتجددة من جانب وتقنيات التوفير في الطاقة من جانب آخر.

ويوضح عايش أن الاكتشافات النفطية بالصومال في ظل هذه الظروف من شأنها أن تؤثر على المعروض العالمي من النفط، بخاصة أن الدول المنتجة تحاول استعادة الأسعار المرتفعة عن طريق تخفيض الإنتاج، سواء جماعياً عبر تكتل "أوبك+" أو فردياً، عبر التخفيضات الطوعية، كتلك التي أعلنتها السعودية وروسيا.
ويعزز من هذا التأثير قانون التضخم الأميركي، الذي يدعم التحول نحو الطاقة المتجددة والنظيفة، والاستثمار الهائل في هذا النوع من الطاقة بتدفقات مالية تصل إلى 2.8 تريليون دولار، تشمل صناعة السيارات الكهربائية، بحسب عايش.

ولما كان قطاع النقل مستهلكاً لنحو 50% من الطاقة، فإنّ الاكتشاف النفطي الجديد في الصومال من شأنه أن يضاعف التأثير على المعروض العالمي، ما سيؤدي إلى خفض أسعار النفط، بخاصة أن الدول الأوروبية والولايات المتحدة تبحث عن مصادر جديدة للطاقة وللنفط والغاز تعوض بها ما كانت تستورده من روسيا، حسب عايش.

ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أن الدول الأفريقية من البلدان المستهدفة كبديل طاقوي بالنسبة لأوروبا تحديداً، التي تقوم شركاتها بمحاولات مستمرة للبحث عن النفط في هذه الدول، وعلى رأسها الصومال.

كما أن الدول المنتجة والمصدرة للنفط، بما فيها الخليجية، تحاول جاهدة التأثير على المعروض العالمي، وتتمثل إحدى أكبر مشكلاتها في المنتجين والمصدرين من خارج تحالف "أوبك" بخاصة كندا والنرويج والولايات المتحدة، فضلاً عن المنتجين الجدد مثل الصومال، حسب عايش.

فكلما زاد العرض انخفضت الإيرادات، وبالتالي قل الإنفاق على مشروعات كثيرة، وهو ما تتأثر به دول خليجية على رأسها السعودية، التي اضطرت إلى تأجيل مشروعات ضمن رؤية 2030 لأثر تراجع أسعار النفط على موازناتها، وبالتالي زيادة العجز فيها وتحولها نحو الاقتراض، وفق الخبير الاقتصادي.

ترتيب الحصص
يلفت عايش إلى أن دخول الصومال كمنتج كبير للنفط يؤدي إلى زيادة مئات الآلاف من البراميل الإضافية بالسوق يومياً، ما يعني إعادة ترتيب الحصص في السوق التي تحتل فيها الدول الخليجية مكانة رائدة. غير أن دول الخليج تظل متمتعة بميزة علاقاتها التاريخية بزبائنها وعملائها، بحسب عايش، الذي يتوقع أن تتأثر حصصها السوقية "نسبياً".

ويخلص عايش إلى أن تأثير الإنتاج النفطي في دول أفريقية كثيرة، بينها الصومال، سيبدأ في السوق العالمية خلال الأعوام الثلاثة القادمة، ما يعني أن الدول الخليجية ستواجه منافسة تأخذ فيها بعين الاعتبار: التقنيات التي تقلل من الانبعاث الكربوني وإيجاد مصادر دخل إضافية، بحيث لا يكون النفط هو المتحكم الرئيس في إيراداتها، فضلا عن عرض أسعار للنفط تكون منافسة لأسعار دول الإنتاج الجديدة.

احتياطيات هائلة
يشير الخبير الاقتصادي، عامر الشوبكي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن شركات منها "إكسون موبيل" و"شل" ستبدأ إنتاج النفط في أول حقل بالصومال عام 2025، ومن المتوقع أن يزداد هذا الإنتاج تصاعديا ليبدأ النفط الصومالي في الظهور بالأسواق، خاصة في ظل التقديرات بوجود احتياطيات كبيرة في البلاد.

يشير الخبير الاقتصادي، عامر الشوبكي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن شركات منها "إكسون موبيل" و"شل" ستبدأ إنتاج النفط في أول حقل بالصومال عام 2025

ويلفت الشوبكي إلى تفاوت تقدير الاحتياطات النفطية الصومالية بين تلك الحكومية التي تقدرها بنحو 30 مليار برميل، وبين تلك التي أعلنتها الشركات المستثمرة، والتي تصل إلى 110 مليارات برميل، مرجحا أن تكون تقديرات شركات الاستثمار أكثر دقة، فضلا عن احتياطيات من الغاز تقدر بنحو 400 تريليون قدم مكعبة.

لذا، تتدفق استثمارات العديد من الشركات في الصومال، باعتبار أن حجم احتياطاته يجعله محتلا المرتبة السادسة عالميا، متفوقا على الكويت، التي تقدر شركات التنقيب حجم احتياطاتها بنحو 100 مليار برميل نفط.

ومن شأن ذلك أن يقلب المعادلة الاستراتيجية في المنطقة، حسب الشوبكي، موضحا أن حجم الاحتياطيات المقدرة في الصومال سيرفع من أهمية منطقة القرن الأفريقي بوجه عام، وهو أحد الأسباب التي دفعت السعودية لإيقاف برنامجها لتطوير الإنتاج النفطي وزيادته إلى 13 مليون برميل في العام 2027.

خفض الأسعار عالمياً
يؤكد الشوبكي أن الإنتاج المتوقع للنفط الصومالي سيدفع نحو خفض أسعار النفط عالمياً، فضلاً عن عدة نتائج أخرى ستؤثر على الأسواق وحصص دول الخليج النفطية فيها، وهو ما سيحدده موقف الصومال من الانضمام إلى منظمة "أوبك" أو بقائه منتجاً مستقلاً.

فانضمام الصومال إلى "أوبك" سيزيد من الثقة العالمية في المنظمة، بينما سيدفع عدم انضمامه إلى اتجاه معاكس، حسب الشوبكي، مشيرا إلى أن الصومال حجز مكانه على قمة القدرة النفطية في القارة الأفريقية مع بداية الإنتاج.

ويلفت الشوبكي إلى أن الإنتاج المتوقع للنفط في الصومال سيصل إلى مليون برميل يوميا عام 2025، جزء منه يستنفد للاستهلاك المحلي وجزء آخر للتصدير، مؤكداً أن زيادة الإنتاج والاستكشافات الجديدة والاستثمارات ترفع من قدرات التصدير والبنية التحتية في الموانئ.

ومن شأن ذلك أن يدفع باتجاه تعزيز خفض أسعار النفط في الفترة القادمة؛ لأن النمو في إنتاج النفط من خارج أوبك بالتزامن مع تخفيضات الإنتاج بدول المنظمة ونمو الإنتاج في الولايات المتحدة ودول أميركا الجنوبية سيحتوي نمو الطلب بالأسواق، بل قد يفوقه بعد عام 2025، حسب الشوبكي.

المساهمون