نصف مسلمي بريطانيا فقراء وبنوك الطعام ملاذهم في رمضان
- "بنك الطعام - الصوفة PL84U" يدعم الأسر المسلمة والفئات المهمشة بمساعدة المتطوعين ودعم من الكنائس والمساجد، معكساً روح التعاون والتكافل في المجتمع.
- الأزمة الاقتصادية تجبر المسلمين على الاعتماد المتزايد على بنوك الطعام وتقليل الوجبات لتوفير التكاليف، لكنهم يظلون من بين الفئات الأكثر تبرعاً في بريطانيا، معكسين قيم الزكاة والإحسان.
تشير التقديرات إلى أن نصف المسلمين المقيمين في بريطانيا مصنّفون من فقراء السكان، وهم يجدون في بنوك الطعام ملاذاً لهم ولأسرهم في شهر رمضان المبارك.
في الشهر الفضيل، تتسابق سلاسل المتاجر على جيوب المسلمين البريطانيين هذا العام بعروض خاصة على الأطعمة والمشروبات التي ترتبط بالمناسبة. لكن الواقع الاقتصادي الذي تعيشه بريطانيا، وهو الأسوأ منذ سنوات، يجعل تلك العروض غير جذابة ويُبعد عنها غالبية المسلمين.
وتدفع أزمة تكاليف المعيشة عدداً متزايداً من البريطانيين، والمسلمين خاصة، إلى ترتيب أولويات الإنفاق.
وثمة أرقام صادمة كشف عنها بحث جديد لسلسلة متاجر "آزدا" عن الآثار التي خلفتها أزمة المعيشة على العادات الغذائية للمسلمين البريطانيين خلال الشهر الذي يعتبر مناسبة سنوية للوجبات الجماعية والتجمعات العائلية.
وحسب البحث، فإن 89% من المسلمين البريطانيين سيضطرون إلى تغيير عاداتهم الغذائية الخاصة برمضان وعيد الفطر هذا العام، وأن 50% منهم سوف يقلصون تكاليف مشترياتهم خلال شهر الصوم، فيما تراجعت الميزانية المخصصة للطعام لخمس من شملهم الاستطلاع إلى ما بين 20 و30 جنيهاً إسترلينياً في الأسبوع، أي قرابة 35 دولاراً، بانخفاض نسبته 17% عن نفس المخصصات قبل عام.
الواقع الاقتصادي المتدهور باطراد، للمسلمين وغيرهم، جعل "بنوك الطعام " رافداً رئيسياً تعتمد عليه الفئات المهمشة في تأمين الحد الأدنى من احتياجاتها الغذائية في ظل غياب دعم حكومي منظم لمواجهة الظروف المعيشية.
"بنوك الطعام"
في منطقة ليتونستون، على بعد 11 كيلومتراً من وسط لندن، تبدأ ساره بيغوم مير عملها مع زوجها وابنتيها في الثامنة صباحاً لثلاثة أيام في الأسبوع، بترتيب الخضار الطازجة والمعلبات واللحوم التي ستوزعها على المحتاجين.
في المكان عشرات المتطوعين من الرجال والنساء في حركة دائمة داخل الصالة الملحقة بأحد المراكز الاجتماعية، بعضهم يعد سلال الغذاء والخضار التي سيحصل عليها القادمون، وآخرون يعكفون على تفريغ الشاحنات التي تأتي للمركز محملة بالمواد الغذائية.
وبحلول الظهر، تكون الاستعدادات قد اكتملت لبدء التوزيع، بينما ينتظر العشرات من الرجال والنساء في الخارج، بعضهم اصطحب معه أطفاله الصغار، ومعهم حقائب كبيرة لحمل ما سيحصلون عليه من سلة الطعام الخاصة برمضان.
وبنك الطعام -الصوفة PL84U الذي أنشأته وتديره سارة وزوجها فاروق منذ 11 عاما، يعني "طبق لك"، أما الصوفة، كما تقول سارة، فهي نسبة إلى الفراش الصوفي الذي كان يجالس عليه النبي محمد زواره.
ويقول فاروق: "خصصنا هذا اليوم للأسر المسلمة، وهو تقليد سنوي قبل بداية شهر الصوم، لا نريد أن تبدأ العائلات المحتاجة شهر رمضان وليس لديها ما يكفي من الطعام فتفسد عليهم فرحة الشهر المبارك بالبحث عن طعامها الذي ستتناوله أثناء رمضان".
أما سارة فتقول: "أدركت في بداية المشروع عام 2013، أن بريطانيا تعاني من معدل فقر لا يمكن تصديقه. ولأن الزكاة والإحسان أحد أركان ديننا، قررت أن أبدأ هذا الجهد لدعم الفقراء والمحتاجين. هدفنا مساعدة الجميع، لكن بالنسبة للمسلمين يكتسب شهر رمضان أهمية خاصة، فوجبة الإفطار هي الوقت الذي تجتمع فيه العائلة بعد يوم طويل من الجوع والعطش، ومن المؤلم ألا يجدوا تلك الوجبة".
وحظي المشروع بدعم من الكنيسة والمسجد المحلي وهيئات إغاثية مسيحية وإسلامية، ويتلقى دفعات أسبوعية من تبرعات المتسوقين التي يتركونها في أماكن مخصصة لذلك بالمتاجر الكبرى.
والحضور المتزايد لبنوك الطعام في بريطانيا خلال الأعوام الأخيرة، أصبح المؤشر الأوضح على اتساع رقعة الفقر. وحسب الإحصاءات المتاحة، ارتفع عددها خلال العام الماضي إلى أكثر من 1646 بنكاً، مقارنة مع 1588 عام 2022، كما ارتفع عدد المعتمدين عليها إلى قرابة 3 ملايين شخص، مقارنة بمليونين و200 ألف شخص عام 2022.
ويعزو خبراء اقتصاديون السبب إلى تراجع الدخول بسبب تداعيات أزمة تكاليف المعيشة التي باتت تطال غالبية البريطانيين في أعقاب جائحة كورونا. وطبقا لصندوق "تروسيل تراست" لمكافحة الجوع، فإن دخول أعداد متزايدة من البريطانيين لم تعد كافية للوفاء بالاحتياجات الرئيسية مثل التدفئة والطعام، الأمر الذي يجعل الوجبات المجانية من "بنوك الطعام" ملاذهم الأخير.
مسلمو بريطانيا وتكاليف المعيشة
لكن وقع هذه الأزمة متفاوت، فحسب الأرقام، يُعد مسلمو بريطانيا بين الأكثر تضرراً، إذ يخشى 57% منهم أن يلجأوا إلى "بنوك الطعام" للحصول على غذائهم إذا زادت الأزمة سوءا، بينما لا تزيد هذه النسبة عن 30% على المستوى الوطني، بحسب ما قاله مسؤول في "هيئة الإغاثة الإسلامية" لـ"العربي الجديد".
ويقول المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن المسح الذي أعدته الهيئة بالتعاون مع مؤسسة "سافانتا" للبحوث قد أظهر أن 20% من مسلمي بريطانيا قد اعتمدوا على بنوك الطعام سابقاً، كما أظهر أن واحداً من كل 3 أشخاص تخلى عن إحدى الوجبات الغذائية لتوفير تكاليف الطعام، ومع ارتفاع تكاليف الفواتير والنفقات الرئيسية لجأ 63% منهم إلى نوع من الاقتراض منذ بدأت أزمة تكاليف المعيشة.
والتدهور المستمر في الأوضاع الاجتماعية في السنوات الأخيرة دفع المسلمين البريطانيين إلى التخلي عن درجة من كبريائهم وطلب المساعدة، كما يقول فاروق بيغوم من بنك الطعام، مشيراً إلى أنه "لا يوجد خيار أمامهم، إما وضع الطعام لأطفالهم على المائدة أو تركهم جوعى، وبنوك الطعام تقدم لهم العون".
هذه الأوضاع اضطرت منظمات مثل "هيئة الإغاثة" التي من المفترض أنها مكرسة للدعم الإنساني خارج بريطانيا إلى توجيه مواردها لدعم المسلمين في الداخل رغم أن مهمتها الرئيسية في الدول الفقيرة"، بحسب ما أوضحه المسؤول.
"إرث التهميش"
تقع ليتونستون في شمال شرق لندن الكبرى، وهي امتداد لما يعرف بالـ"إيست إند"، أي شرق لندن الذي يعيش فيه المسلمون منذ قرابة قرن من الزمان. وحسب الإحصاءات الوطنية لعام 2021، فإن المسلمين باتوا يمثلون 6.7% من سكان بريطانيا بعدد يقترب من الأربعة ملايين نسمة.
لكن هذه الزيادة العددية لا تعكس بالضرورة تطورا في قدراتهم الاقتصادية أو قوتهم الشرائية، إذ ترى "هيئة الإغاثة الإسلامية" و"مجلس مسلمي بريطانيا" أن 50% من المسلمين كانوا يعيشون في فقر حتى قبل جائحة "كورونا"، بينما لا تزيد النسبة على المستوى الوطني عن 18%، كما يظهر تحليل الإحصاء أن 39% من المسلمين يعيشون في أكثر مناطق إنكلترا حرمانا.
لكن رغم ذلك، يصنف المسلمون بين الفئات الأكثر تبرعاً في بريطانيا، حيث زادت تبرعاتهم الخيرية في رمضان عن 100 مليون جنيه إسترليني، أي قرابة 130 مليون دولار.
ومن المتوقع أن يسجل رمضان هذا العام أكبر عدد من المسلمين البريطانيين المعتمدين على بنوك الطعام. وحسب رائد العليوي، وهو متطوع سوري في "مشروع الصوفة"، فإنه لا يمر يوم دون قدوم أسر مسلمة للتسجيل لدى البنك للحصول على احتياجاتها من الغذاء، وفي أيام السبت والأربعاء المخصصة للمسلمين، نستقبل نحو 370 عائلة".
سباق المتاجر الكبرى
ورغم حملات الترويج والعروض الخاصة التي تقدمها المتاجر الكبرى على السلع الرمضانية، فهي تظل بعيدة من القدرة الشرائية للأغلبية. وحسب مسح أجرته مؤسسة "نانو إنتر أكتيف" العام الماضي، فقد غيرت أزمة تكاليف المعيشة عادات رمضان لمسلمي بريطانيا، وباتوا أقل إنفاقاً على الاستعدادات لشهر الصوم وعيد الفطر، كما أصبح نصفهم تقريبا يترددون على المتاجر الموفرة مثل "ليدل" و"أولدي" بعيداً من المتاجر الكبيرة وما تقدمه من عروض وزينة ترحب بشهر الصوم.
لكن كثيرين يرون أن عروض "السوبرماركت"، حتى وإن قل سعرها، لا تلبي احتياجاتهم، كما تفعل المتاجر الصغيرة التي ترتبط بثقافتهم المحلية، مثل تلك المنتشرة في حي العرب "إدغوار روود" ومحيطه، أو "توتنغ" ذات الثقل الباكستاني في جنوب غرب لندن.