- مريم عبد الحفيظ وسناء المرعش، اللتان تواجهان ظروفاً صعبة بسبب فقدان الزوج وعجزه عن العمل، استطاعتا تحويل خيامهن إلى مصادر دخل بالاعتماد على خبراتهن والموارد المحدودة المتاحة.
- بيان الرزوق ووليدة البر تمثلان نموذجاً للدعم المجتمعي، حيث تساهم مبادراتهن الصغيرة في تخفيف الأعباء المعيشية عن سكان المخيمات، مؤكدة على أهمية التكافل والدعم المجتمعي في تحسين الأوضاع المعيشية.
دفعت الظروف الصعبة في مخيمات شمال غربي سورية والفقر والغلاء وقلة مصادر الدخل، الكثير من المعيلات للبحث عن مشاريع صغيرة تكون فرصة عمل تساعدهن في تحسين واقعهن المعيشي، فحولن قسماً من الخيام نفسها إلى محال ودكاكين صغيرة يبعن فيها مواد غذائية وألبسة وغيرها، ويُحصلن من خلالها قوت أطفالهن.
تقول مريم عبد الحفيظ (35 عاماً) إنها فكرت في المشروع، بعد أن عجزت عن تأمين فرصة عمل في ظل حاجتها البالغة لإعالة أبنائها الأربعة، بعد وفاة زوجها بقصف النظام على المخيم الذي يقيمون فيه في بلدة كفرجالس شمال غربي إدلب.
ولأنها لا تملك أي شهادة أو خبرات، فكرت في تحويل قسم من خيمتها إلى دكان، بعد أن لامست حاجة النازحين في المخيم ذاته لمثل هذا المشروع نتيجة بعد المحال ومركز المدينة عن مخيمهم. وأشارت إلى أنها استدانت رأسمال مشروعها البسيط من أجل شراء البضائع كالغذائيات والمنظفات، والتي بدأت بتسديدها من أرباح دكانها المتواضع، ورغم قلة الأرباح في الدكان إلا أنها بدأت تشعر بالاستقلالية والاعتماد على الذات.
أما سناء المرعش (31 عاماً) فسارت في الطريق ذاته متخذة من بيع الألبسة النسائية والولادية في خيمتها فرصة عمل يغنيها الحاجة والسؤال، خاصة بعد أن عجز زوجها عن إيجاد عمل وسط الأوضاع المعيشية المعقدة التي يعيشونها في مخيمات الدانا شمالي إدلب.
تقول سناء إنها بدأت مشروعها مدفوعة بالفقر والحاجة إلى عمل ما، ورغم التحديات التي واجهتها في إيجاد مكان لجعله محلاً لبيع بضائعها، تغلبت عليها بتوطين مشروعها في خيمتها التي كانت المكان المناسب والحل الوحيد. تشهد خيمة سناء إقبالاً جيداً من قبل نساء المخيم الذي تقيم فيه، خاصة أنها تبيع بأسعار مقبولة عكس أسعار المحال التجارية الكبرى التي تضاعف الأسعار من أجل تحصيل أجور المحال وفواتير الكهرباء والضرائب وغيرها من جيوب الزبائن.
وتضيف: "لدي خبرة في التجارة والبيع والشراء منذ كنت في مدينتي خان شيخون (تتبع محافظة إدلب) قبل نزوحنا الأخير، حين كنت أعمل في أحد محال المدينة، واستفدت من خبرتي تلك في إنشاء مشروعي الصغير الذي كان قارب نجاة من أوضاعنا المادية المتردية التي كانت تسير بنا نحو الأسوأ". وحول الأسباب التي دفعتها إلى العمل ضمن خيمة مهترئة لا تقي عوامل الطقس المتغيرة، بينت سناء أنها لا تستطيع استئجار دكان، لعدم وفرة المال، حيث يتراوح بدل الإيجارات اليوم بين 50 و200 دولار.
من جهتها تستقبل بيان الرزوق (41 عاماً) الزبائن في دكانها البسيط الذي اتخذته داخل خيمة صغيرة بجانب خيمتها بابتسامة وترحيب، فهي تبيع شتى أنواع الأغذية والمعلبات والشيبس، إضافة إلى بعض الأدوات المنزلية لإعالة أطفالها الثلاثة، كون زوجها عاطلاً عن العمل، ولأجل تحقيق حلمها الذي اختزلته بشراء مؤونة الشتاء ومستلزمات المدارس لأطفالها.
لا يخلو مشروع بيان ضمن خيمة من الصعوبات، فهي تكافح لنجاحه وتخشى على بضائعها من تقلبات الطقس وفساد المواد الغذائية، وهو ما يدفعها لشراء كميات محدودة وبسيطة من البضائع تجددها كل فترة، كما أن الخيمة بحاجة إلى "تحسين وترقيع وتجديد كل مدة وخاصة وقد بتنا على أبواب الشتاء حيث العواصف والأمطار والوحول".
وليدة البر (44 عاماً) اعتادت شراء ما تحتاجه من جارتها بيان التي افتتحت دكان بالقرب من خيمتها ما يسهل الوصول إليه من قبل كل ساكني المخيم. وتقول: "كان قيام مشروع دكان في مكان يخلو من أي محال أمراً مهماً، ليس فقط لصاحبة المحل وإنما أيضا لنا نحن الزبائن الذين لم نعد مضطرين لقطع مسافات بعيدة للحصول على مستلزمات يومية، وكنا مجبرين على الاستغناء عنها في بعض الأحيان لعدم توفرها في مكان قريب". ولاحظت أن أسعار جارتها أرخص من المحال، وهو ما يزيد رغبتها في الشراء من دكانها الذي وفر عليها الكثير من المال والعناء.
ويعاني سكان المخيمات في مناطق شمال غربي سورية، منذ سنوات، نقصاً في تأمين العديد من احتياجاتهم، على رأسها المواد الغذائية، كما تتزايد احتياجات المخيمات مقابل تزايد عجز المنظمات وقلة الدعم، حيث بلغ عدد السكان الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية في شمال غربي البلاد نحو أربعة ملايين و600 ألف شخص في عام 2022، بينهم ثلاثة ملايين و300 ألف يعانون انعدام الأمن الغذائي، ومليونان و900 ألف نازح داخليًا، بحسب تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).
وارتفع عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدات إنسانية إلى 14.6 مليون شخص، بزيادة قدرها 1.2 مليون شخص مقارنة بعام 2021، ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 15.3 مليون شخص خلال العام الحالي. ووفق إحصائيات فريق "منسقو استجابة سورية" المتخصص في متابعة الشأن الإنساني في شمال غربي سورية، ارتفعت نسبة العائلات الواقعة تحت خط الفقر في الشمال السوري إلى 89.24%، بينما ارتفعت نسبة العائلات التي وصلت إلى حد الجوع إلى 39.64%، خلال مارس/ آذار الماضي.