ميناء تشابهار يعكّر صفو علاقات واشنطن مع نيودلهي: ما الأسباب؟

21 مايو 2024
على شواطئ تشابهار في إيران، 8 مايو 2023 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- توقيع الهند وإيران على اتفاقية تطوير ميناء تشابهار يعزز الروابط التجارية بين البلدين، متجاوزًا باكستان ويفتح آفاقًا جديدة للهند في أفغانستان وآسيا الوسطى، مما يعكس تحولًا في الأولويات الاستراتيجية للهند.
- الاتفاق يثير قلق الولايات المتحدة التي تخشى من تقويض العقوبات المفروضة على إيران وتأثيره على مصالحها الاستراتيجية، بينما تؤكد الهند على الفوائد الإقليمية للمشروع وأهمية علاقاتها مع إيران.
- يشير التعاون بين الهند وإيران إلى تحول في الجيوسياسية الإقليمية، مما قد يعزز من عزلة الولايات المتحدة وباكستان ويفتح الباب لشراكات أعمق بين إيران، روسيا، والهند، معيدًا تشكيل التوازنات الإقليمية والدولية.

يطرح توقيع الهند مع إيران اتفاقية تطوير ميناء تشابهار الإيراني على بحر العرب، السؤال حول ماذا كانت نيودلهي فقدت الأمل في الممر التجاري "الهندي الخليجي الأوروبي" الذي تم التوقيع عليه في قمة العشرين السابقة في نيودلهي، وحول ما إذا كان تعاون الهند مع إيران في تطوير الميناء سيعكر صفو العلاقات بين واشنطن والهند.

وكانت الولايات المتحدة تعقد آمالاً على هذا الممر في تحطيم طريق الحرير الصيني، ولكن يبدو أن هذه الآمال تحطمت بعد عملية "طوفان الأقصى" والحرب الوحشية على قطاع غزة، وذلك وفقاً لتصريحات مسؤول هندي مع التلفزيون الهندي اليوم الثلاثاء.

ويحمل توقيع اتفاقية طويلة الأجل بشأن تطوير ميناء تشابهار في إيران أهمية استراتيجية كبرى نظرًا لدوره المتوقع في ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب (INSTC)، وهي مبادرة واسعة النطاق للنقل البري والسكك الحديدية والبحرية تربط روسيا بإيران والهند.

وقال وزير الشؤون الخارجية الهندي في لقاء اليوم الثلاثاء، مع القناة الرسمية لـ"تلفزيون الهند"، إن ميناء تشابهار يفتح آفاقًا واعدة للاقتصاد الهندي ودخول سوق الشرق الأوسط. قبل أن يشير إلى أن "لدى واشنطن مصلحة أمنية جيوسياسية واقتصادية رئيسية في الهند". لكنه أضاف أنه في الآونة الأخيرة، حذرت الولايات المتحدة الهند من عقوبات محتملة إذا لم توقف البلاد المفاوضات، ما تسبب في زيادة التوترات السياسية.

ولكن لماذا تنزعج الولايات المتحدة من المصالح البحرية الهندية؟ وما هي الآثار التي يحملها ميناء تشابهار لكلا البلدين؟

يرى محللون أن الولايات المتحدة غير راضية عن اتفاق تطوير ميناء تشابهار، لأنه قد يقوض العقوبات الأميركية على إيران. وفرضت الولايات المتحدة عقوبات عديدة على إيران، ويمكن اعتبار صفقة تشابهار بمثابة تقويض لهذه الجهود. وحذرت الولايات المتحدة من أن أي دولة تفكر في عقد صفقات تجارية مع إيران يجب أن تكون على دراية بالمخاطر المحتملة للعقوبات.
أما العامل الثاني فهو المصالح الاستراتيجية، إذ يوفر ميناء تشابهار للهند طريقاً تجارياً مباشراً إلى أفغانستان وآسيا الوسطى، متجاوزاً باكستان. ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تغيير ديناميكيات التجارة الإقليمية والتأثير على التوازن الاستراتيجي لمصلحة الهند، والذي قد لا يتماشى مع مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.

ولا يستبعد محللون أن تؤدي الصفقة إلى توتر العلاقات الأميركية الهندية، حيث قد تنظر إليها الولايات المتحدة على أنها خطوة تتحدى سياستها في عزل إيران اقتصاديًا. ومع ذلك، قلل وزير الشؤون الخارجية الهندي من أهمية التهديد بالعقوبات الأميركية، مشددًا على الفوائد الإقليمية للمشروع.
وتمثل صفقة تشابهار عنصرًا معقدًا للعلاقات الدولية، حيث يجب على الولايات المتحدة أن توازن سياستها تجاه إيران مع شراكتها الاستراتيجية مع الهند. من جهته، قال السفير الإيراني لدى الهند إيراج إلاهي، اليوم الثلاثاء،  في تعليقات لصحيفة "هندستان تايمز"، إن "أهمية الهند" ستمنع أي دولة من فرض عقوبات عليها بسبب تعاونها مع إيران. وأضاف إلاهي للصحيفة التي تصدر بالإنكليزية، أن أي عقوبات أميركية ستضرّ بالمصالح التجارية للعديد من الدول التي تنظر إلى ميناء تشابهار في إيران بوصفه مركز عبور.

ويرى تحليل أن تطوير ميناء تشابهار بموجب الاتفاقية الثلاثية الأفغانية الإيرانية الهندية سيكثف مشاركة إيران والهند في  التجارة مع  أفغانستان، مما يزيد من عزلة الولايات المتحدة وباكستان.

وقال المدير السابق ومنسق غرفة التجارة والصناعة الباكستانية الأفغانية المشتركة، ضياء الحق سرهادي، في تعليقات نقلها موقع "كريدل"، إن باكستان خسرت بالفعل 80% من تجارة الترانزيت مع أفغانستان، على الرغم من التشغيل الجزئي لميناء تشابهار. ومع توقيع هذه الصفقة، ستنتقل أعمال النقل المتبقية إلى الموانئ الإيرانية، مما يؤدي إلى إخراج باكستان تمامًا من التجارة مع أفغانستان. ويشير سرهادي إلى أن إسلام أباد نفسها ثبطت عزيمة المستوردين الأفغان من خلال فرض رسوم وضرائب باهظة على أعمال تجارة الترانزيت، بما في ذلك ضمان مصرفي بنسبة 100 بالمائة على الحاويات التي تحمل بضائع الترانزيت الأفغانية.

وأثار التوقيع غضب واشنطن، حيث يُعتبر الممر الإيراني الهندي تحولاً في الأولويات بسبب إعادة تنظيم التجارة الدولية. في البداية، لم تعترض الولايات المتحدة على مشاركة الهند في مشروع تشابهار، معتقدة أنها ستنافس مبادرة الحزام والطريق الصينية التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات وتتصدى لنفوذ بكين المتزايد في المحيط الهندي وبحر العرب. واعتبرت الولايات المتحدة الميناء الإيراني بمثابة منافس مباشر لميناء جوادار الذي تموله الصين في مقاطعة بلوشستان الباكستانية، مما خفف موقفها بشأن ميناء تشابهار. ولكن عندما أبرمت دلهي وطهران الاتفاق، دفعت الولايات المتحدة الدول المجاورة لإيران إلى الامتناع عن الانخراط في أي تجارة مع الجمهورية الإسلامية، التي تخضع بالفعل للعقوبات الأميركية. وتؤكد الأوساط السياسية الباكستانية، أن الولايات المتحدة شعرت بتهديد جيوسياسي في المسعى الهندي، حيث توقعت إقامة شراكة اقتصادية وعسكرية أكثر جوهرية بين إيران وروسيا والهند من خلال إنشاء ميناء تشابهار وتزامنه لاحقًا مع المجلس الهندي للتجارة والاستثمار.

المساهمون