أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي أنه لا يمكن تأمين الدواء ولا الرواتب مع نهاية الشهر الجاري، مشدداً على أهمية إقرار الخطة الاقتصادية الإنقاذية التي تقدّم بها حاكم "مصرف لبنان" المركزي بالإنابة وسيم منصوري والنواب الثلاثة والتي تنسجم مع خطة الحكومة، لتحقيق الاستقرار النقدي في البلاد.
ورمى ميقاتي المسؤولية في مرمى مجلس النواب لإقرار القوانين المطلوبة لتحقيق الاستقرار النقدي، داعياً إلى ضرورة السرعة في انتخاب رئيس للجمهورية من أجل إعادة انتظام المؤسسات الدستورية.
ويأتي حديث ميقاتي بعد لقائه البطريرك الماروني بشارة الراعي، اليوم الأربعاء، الذي أعلن فيه عن عقد جلسة لمجلس الوزراء في مقرّ البطريركية الصيفي في الديمان، شمال لبنان.
وتطرّق ميقاتي خلال مؤتمره الصحافي إلى ما سُرِّب إعلامياً عن استياء منصوري ونواب الحاكم من عدم تنفيذ الحكومة وعودها لناحية السير بالخطة النقدية التي تقدّموا بها، وسط إصرارهم على وقف استدانة الحكومة من مصرف لبنان إلا للأمور الطارئة، ولمدة محدودة، وبشرط قوننتها.
وقال ميقاتي إنه اتصل اليوم بحاكم البنك المركزي وسيم منصوري والحديث كان طبيعياً ولم يلمس منه أي استياء، مشيراً إلى أن الخطة التي تقدم بها النواب الأربعة تنسجم مع خطة الحكومة، وهدفنا تنفيذها وإقرار الخطة، لا أن تكون مجرد مشروع أو اقتراح، لكن ربما يأخذ مشروع القانون الذي سيرسل إلى مجلس النواب وقتاً لإقراره.
وفي السياق، قال ميقاتي إنه مع نهاية الشهر لا نستطيع تأمين الدواء ولا الرواتب ولا العمل اللازم القيام به لتحقيق الاستقرار النقدي، لكن الأمر لا يهم ميقاتي أو أعضاء الحكومة، ويحتاج إلى العمل بيد واحدة، لأن المهم تحقيق الاستقرار، مشدداً على أن الحكومة لا تستطيع أن تصدر قانونا، ولكن يمكنها الطلب من مجلس النواب السعي جدياً لقبول اقتراح القانون وإقراره بأسرع وقتٍ ممكنٍ.
ورأس ميقاتي أمس جلسة لمجلس الوزراء في السرايا الحكومية في بيروت، معلناً "أننا وزعنا على الوزراء مشروع قانون يرمي إلى الإجازة للحكومة الاقتراض بالعملات الأجنبية من مصرف لبنان، ما يعني أن المناقشة قد تستغرق وقتاً، ومصرف لبنان يحتاج إلى وتيرة أسرع في هذه المسألة، ولذلك رأينا أن يصار إلى تقديم اقتراح قانون من قبل مجلس النواب بهذا الصدد، ولا سيما أن البعض ربما سيعترض على إرسال مشروع قانون من الحكومة، ما يعني المزيد من إضاعة الوقت، ومن خلال اقتراح القانون يمكن للمجلس النيابي اتخاذ القرار الذي يراه مناسباً".
ومع تسلمه منصب حاكم مصرف لبنان خلفاً لرياض سلامة، الذي انتهت ولايته في 31 يوليو/تموز الماضي، وعدم تعيين حاكم جديد، أعلن منصوري عن خطة البنك المركزي للمرحلة المقبلة والتي تتطلب تعاوناً من قبل الحكومة ومجلس النواب، محدداً مهلاً زمنية وشروطاً محددة للتطبيق، داعياً الطبقة السياسية إلى إخراج كل ما يتعلق بالسياسة النقدية من التجاذبات السياسية.
وأكد منصوري رفض المسّ بالتوظيفات الإلزامية، ووقف تمويل الدولة اللبنانية، على أن يكون الوقف تدريجيا، باعتبار أن تمويل المصرف بعد وقف الدعم مرتبط برواتب موظفي القطاع العام، والقوى الأمنية واحتياجاتها، والدواء، ومستلزمات الإدارة لتتمكن من الجباية، لكنه شدد في المقابل، على عدم توقيعه أي صرف لتمويل الحكومة خارج قناعاته والإطار القانوني المناسب لذلك.
وضمن شروط منصوري على صعيد الخطة النقدية التي تضمنت إقرار مجموعة قوانين إصلاحية ضمن مهلة زمنية محددة، إقرار قانون يجيز تمويل الحكومة بحال طلبها ذلك لفترة محددة وأخيرة، وسيسمح القانون بدفع رواتب القطاع العام على سعر ثابت بالدولار الأميركي على منصة صيرفة التابعة لمصرف لبنان خلال مدة القانون، وتبعاً للمبلغ الذي تحدده الحكومة واحتياجاتها، كما يسمح التشريع بدفع فواتير الدواء للأمراض المستعصية ومستلزمات القوى الأمنية والإدارة.
ومن الصعب تمرير أي تشريع في مجلس النواب حالياً في ظلّ الانقسام السياسي الحاد حول صلاحيات البرلمان في ظل شغور سدة الرئاسة الأولى، بين من يؤكد تشريع الضرورة، ومن يشدد على تحوّل المجلس النيابي في ظل الشغور الرئاسي إلى هيئة ناخبة فقط مهمته انتخاب رئيس للبلاد، الأمر الذي يعطّل العمل التشريعي منذ قرابة التسعة أشهر.
وارتفعت الأصوات السياسية أيضاً ضد استدانة الحكومة من مصرف لبنان ورفض استنزاف احتياطي مصرف لبنان بالعملة الأجنبية، في حين تبرز مساع سياسية لتأمين نصاب جلسة مجلس النواب، وسط رفض قوى سياسية واسعة، ولا سيما المسيحية منها والقوى المعارضة لـ"حزب الله" وحركة "أمل"، و"التغييرية"، التشريع قبل انتخاب رئيس للجمهورية، علماً أنه سبق أن عقدت جلسة تشريعية في هذه الفترة، أقر فيها البند المتعلق بفتح اعتمادات رواتب القطاع العام وبدل النقل وبند التحفيزات للجماعة اللبنانية.
وكان ميقاتي قد اقترح قرضا بـ1200 مليون دولار على فترة 6 أشهر قبل أن يخفضه إلى 400 مليون دولار على فترة 4 أشهر، لتأمين تمويل الرواتب وأدوية الأمراض المزمنة وغيرها من الالتزامات الأساسية للدولة، في حين أن مجلس النواب يعد الجهة الصالحة للموافقة على اقتراض الحكومة من مصرف لبنان، مع الإشارة إلى أن مجلس شورى الدولة كان قد رفض بدوره طلب الحكومة إمكانية الاستقراض من الاحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان.