موسم عمالة الأطفال في اليمن ... ظاهرة يضاعفها الفقر والمقابل وجبة أو ريالات زهيدة

04 مايو 2022
تنامي ظاهرة عمالة الأطفال بفعل الحرب (Getty)
+ الخط -

وقف الطفل اليمني حسام محمد (12 عاماً) داخل أحد محال بيع الملابس في العاصمة صنعاء معظم فترات اليوم للقيام بمهمة شاقة تتمثل في إعادة جمع وترتيب ورص البضاعة التي تعرض على الزبائن في عملية البيع والشراء في ظل ارتفاع الحركة في الأسواق اليمنية قبيل حلول عيد الفطر، شأن الكثير من الأطفال الذين يضطرون للعمل في مثل هذه المناسبات، ومنها أيضا الأعياد التي يتخلون فيها عن البهجة بغية تحصيل ريالات زهيدة تُعين أسرهم على العيش أو الظفر بوجبة تسد رمق جوعهم.

قال حسام لـ"العربي الجديد"، إن والده اصطحبه برفقة أخيه الذي يصغره بعامين للعمل في الأسواق خلال موسم شهر رمضان، بهدف توفير ما أمكن من مصاريف العيد، مشيرا إلى أن هذا ليس الموسم الأول الذي عمل فيه وإنما عمل لعدة مواسم ماضية خلال نفس الشهر.

يتقاضى حسام 700 ريال في اليوم (حوالي 1.2 دولار وفق سعر الصرف في صنعاء)، بالإضافة إلى منحة ملابس مجانية له للعيد، رغم التعب الذي يواجهه في العمل خلال هذا الموسم.

يشكل الآلاف الأطفال مثل حسام وقود ازدهار الحركة التجارية الموسمية التي تبدأ تحديداً بعد منتصف شهر رمضان إلى ما بعد حلول عيد الفطر في ظل حرص شديد من قبل الباعة وقطاعات الأعمال التجارية على استقطابهم للعمل لديهم بأجور زهيدة باعتبارهم صغار في السن وتجنب بقدر الإمكان الاستعانة بعمال كبار في السن يطالبون بأجر يومي لا يقل عن 2000 ريال في اليوم كحد أدنى.

وساهم العديد من العوامل في تنامي ظاهرة عمالة الأطفال بفعل الحرب والصراع الدائر في اليمن وانقطاع رواتب الموظفين المدنيين وفقدان الآلاف لأعمالهم ووظائفهم، في حين يتمدد الفقر والجوع والبطالة وانهيار الأمن الغذائي ليشمل معظم سكان البلاد.

المواطن الخمسيني عبد الله علي، أحد الموظفين المدنيين الذين فقدوا رواتبهم منذ سبتمبر/ أيلول 2016، يشرح لـ"العربي الجديد"، أن الحياة أصبحت شاقة للغاية بعد أن زادت تكاليفها وأعباءها بالتوازي مع انحسار الدخل وارتفاع الأسعار وإيجارات المساكن وانهيار التعليم الذي لم يعد مجانيا، وهو ما يدفع بالكثير من الأسر إلى إرسال أبنائهم إلى الأسواق للبحث عن عمل ومصدر للرزق.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

من جانبه، يقول طاهر شائف لـ"العربي الجديد"، إن لديه ثلاثة أبناء يعملون بعدة أشغال، معتبراً ذلك وضعاَ طبيعياَ في ظل الأوضاع الراهنة والتي فرضت على كل أفراد الأسرة العمل وتوفير متطلبات واحتياجات الحياة اليومية.

كما تكتظ الشوارع في معظم المدن اليمنية بعشرات المتسولين معظمهم من النساء والأطفال الذين يقضى بعضهم ساعات طويلة في الظهيرة تحت حرارة الشمس والرياح وقسوة حياة الشوارع لبيع بعض الحلويات أو المناديل الورقية في منظر يجسد ما فعلته الحرب باليمنيين بعد أن فجرت أكبر أزمة إنسانية على مستوى العالم.

في مدينة إب وسط اليمن يقول المواطن أمين الحومري في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه اضطر بسبب فقدانه لراتبه الحكومي حيث كان يعمل في التدريس للعمل متنقلاً فيما يتوفر ويتاح له من عمل كما هو حاصل في هذه الفترة الموسمية السنوية التي تزدهر فيها بشكل نسبي حركة الأعمال؛ في بسطة لبيع الملابس في أحد شوارع المدينة وكذلك مستلزمات العيد خلال أيامه الأولى.

يضيف أمين أنه منذ أيام انضم لمساعدته أحد أولاده الذي لا يتجاوز عمرة ثماني سنوات مع ارتفاع الحركة في الأسواق، بينما وفق حديثة يعمل ثلاثة من أبنائه أكبرهم يصل عمره إلى 16 عاماً في أعمال مثل البناء وبسطات الباعة الجائلين.

وتظهر بيانات توزيع المشتغلين بحسب الفئات العمرية في اليمن بأن 32.5% من المشتغلين يقعون ضمن الفئة العمرية 15 سنة فأكثر، إذ يصل عدد الذكور في هذه الفئة إلى نحو 3.8 ملايين شخص مقابل حوالي 300 ألف للإناث من إجمالي المشتغلين في نفس الفئة العمرية (15) سنة فأكثر، في حين تبلغ نسبة المشتغلين من كبار السن (65 سنة فأكثر) 3.1% وهي أدنى نسبة مقارنة بالفئات العمرية الأخرى.

في عدن التي تتخذ منها الحكومة عاصمة مؤقتة، تزداد عمالة الأطفال في الأسواق والمحال التجارية والورش الميكانيكية والميناء وكثير من الحرف والمهن والأعمال الشاقة. ويقول الباحث في الاقتصاد الاجتماعي شهاب عثمان لـ"العربي الجديد"، إن الكثير من الأسر لم يعد باستطاعتها إطعام كل أفرادها لذا يكون الأطفال الفئة التي يتم التضحية بها ودفعها إلى سوق العمل.

ويشير إلى خطورة هذا الوضع على مستقبل اليمن والتنمية الاقتصادية في البلاد والتي تتطلب أجيال متعلمة مؤهلة للمساهمة في البناء والنهوض الاقتصادي وفق متطلبات سوق العمل الذي يشهد تغيرات وتطورات متلاحقة بالتوازي مع اتساع الفجوة في سوق العمل المحلية بالنظر إلى توسع شبح البطالة والعمالة الفائضة ومخرجات التعليم المتدهور.

ووفق دراسة صادرة مؤخراً عن منظمة العمل الدولية فإن الأطفال في أجزاء من المنطقة العربية مثل اليمن يستدرجون بشكل متزايد إلى أسوأ أشكال عمل الأطفال ويتعرضون للاستغلال والاعتداء وسوء المعاملة وانتهاك الحقوق بشكل خطير ومقلق.

وتؤكد بيانات وتقارير رسمية أن هناك تناميا مخيفا لظاهرة عمالة الأطفال في السنوات الأخيرة في اليمن بزيادة كبيرة تقدر بأكثر من 80% بالنسبة للأطفال الأقل من 15 عاماً، مقارنة بنحو 38% قبل اندلاع الحرب منذ نحو 8 أعوام.

تحدد تقارير خاصة بدراسة ظاهرة عمالة الأطفال أن عمل الأطفال في اليمن يتركز في أشغال وأنشطة شاقة وخطيرة في قطاعات مثل البناء والتجارة والزراعة ومعظم الأطفال يعملون بأجور متدنية للغاية تصل في كثير من الأحيان إلى مجرد الحصول على وجبة واحدة في اليوم.

ووفق تقرير صادر عن البنك الدولي في يوليو/تموز الماضي، فإن اليمن "البلد الأشد فقراً في قائمة البنك الدولي لبلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم منذ عام 2015 بسبب الصراع".

وحسب تقديرات سابقة لوزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية، قدرت الخسائر المباشرة التي لحقت بالاقتصاد في الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو سبع سنوات، بحوالى 90 مليار دولار، وهذه التقديرات هي للخسائر المباشرة في الناتج المحلي اليمني، فضلاً عن الخسائر الناتجة عن تدمير أجزاء كبيرة من البنية التحتية بسبب الحرب.

ويعيش الفقراء ومحدودو الدخل أوضاعاً صعبة. ويعتمد نحو 80% من سكان البلد البالغ عددهم 30 مليون نسمة على المساعدات من أجل البقاء على قيد الحياة.

المساهمون