تحاول حكومة بشار الأسد إسعاف موسم الحمضيات وإبعاد المزارعين عن الخسائر المتكررة، جراء استغلال التجار للمزارعين، خلال فورة الإنتاج وتدني أسعار مبيع البرتقال والليمون بأقل من تكاليف الزراعة المرتفعة، من خلال دعم المصدرين، ولو بجزء من أجور النقل، لتصدير الفائض عن الإنتاج المحلي إلى دول الخليج والعراق.
وقالت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بحكومة النظام السوري إنها ستدعم المصدرين بنسبة 25% من تكاليف الشحن البري والجوي، لشحنات الحمضيات المصدرة ابتداء من اليوم الثلاثاء 1 نوفمبر/تشرين الثاني وحتى 28 فبراير/شباط من عام 2023، لتتراجع نسبة الدعم إلى 10% من تكاليف الشحن البري والجوي للشحنات المصدّرة بين 1 مارس/آذار 2023 و30 مايو/أيار 2023.
ونص قرار وزارة الاقتصاد على تقديم دعم تصدير مادة الحمضيات لموسم 2022-2023 عبر منح مالية للمصدرين، بعد تقديم وثائق "استمارة اشتراك ببرنامج دعم الحمضيات، فاتورة تجارية وبيان جمركي، إضافة إلى صورة عن بوليصة الشحن، ليتم صرف مبالغ الدعم مباشرة من مخصصات "صندوق دعم وتنمية الإنتاج المحلي والصادرات".
ويعتبر صاحب بساتين الحمضيات بريف اللاذقية، علي بسيسيني أن القرار "صائب ومهم" وإن كان متأخراً، لأن الخسائر التي يمنى بها المزارعون، دفعت كثيرين لعدم جني المحصول أو قلع أشجار الحمضيات خلال المواسم السابقة "لأن سعر المبيع أقل من تكاليف الإنتاج"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن أجور عمالة التقليم وجني المحصول وسعر الأسمدة والمبيدات وتكاليف الري بعد غلاء المازوت، تزيد عن سعر استجرار الحمضيات من الأسواق المركزية بمدينتي اللاذقية وطرطوس "الموسم السابق بعنا الكيلو بمئتي ليرة".
ويضيف بسيسيني من قرية "فيديو" المعروفة سورياً بإنتاج الحمضيات، أن موسم هذا العام تراجع إلى نحو نصف ما كان عليه العام الماضي، بسبب اقتلاع الأشجار أو عزوف مزارعين عن الاهتمام بأشجار الحمضيات، إضافة إلى عواصف ضربت مدن الانتاج خلال شهر مايو/أيار الماضي، ولكن يبقى الإنتاج برأيه يفيض عن حاجة السوق المحلية، لأن موسم الحمضيات قصير، وقلما تعتمد سورية التخزين، أو تستغل الموسم بالعصائر.
وميّز بين أنواع الحمضيات بسورية، فمنها صالح للعصير، ومنها برتقال مائدة لا يصلح، ومنها منافس بالأسواق الخارجية، ومنها غير مرغوب نظراً لوجود بذور كثيرة وحجمه صغير.
وتراجع إنتاج الحمضيات بسورية الذي استقر لسنوات عند عتبة مليون طن، بل وتعدى بحسب مكتب الحمضيات بوزارة الزراعة 1.2 مليون طن عام 2018، قبل أن يتراجع بنسبة 40% هذا الموسم.
وحسب بيانات المكتب المتخصص بوزارة الزراعة، فإن إنتاج الحمضيات لهذا الموسم بلغ 640 ألف طن فقط، في حين وصل في عام 2018 إلى مليون ومئتي ألف طن، في حين كان إنتاج موسم عام 2020 حوالي 800 ألف طن، وموسم العام الماضي 2021 بلغ 786 ألف طن.
ويتوزع إنتاج الحمضيات بسورية، على محافظتي طرطوس واللاذقية (153 ألف طن في طرطوس، و487 ألف طن في اللاذقية). حيث تصل المساحة المزروعة بالحمضيات إلى أكثر من أربعين ألف هكتار تضم نحو 14 مليون شجرة، والمثمر منها نحو 13 مليوناً.
وترى المهندسة الزراعية، بتول أحمد أن الوفرة ببعض الإنتاج الزراعي السوري، تحولت من نعمة إلى نقمة على المزارعين، كزراعة القطن والشوندر السكري والحمضيات، لأن أسعار المبيع لا تصل لمستوى التكاليف، ما يدفع المزارعين للعزوف عن إنتاج تلك المنتجات بعد الخسائر المتتالية.
وتضيف لـ"العربي الجديد" أن الحل يكمن بالاستفادة من القيم المضافة لتلك المنتجات، عبر تصنيعها وعدم تصديرها خاماً، فبالنسبة للقطن تأتي الأرباح بأكثر من 250% من خلال تحويل القماش إلى ألبسة، وأقل من ذلك من خلال تحويل الغزول إلى أقمشة، وأقل منه إذا بيع المنتج غزولا، ولكن بسورية وحين وصل إنتاج القطن إلى مليون طن، في تسعينيات القرن الماضي، كنا نرى التصدير يركز على القطن الخام".
وتتابع: "كذلك بالنسبة للحمضيات، فلو أن حكومة بشار الأسد أقامت معملاً لإنتاج العصائر الطبيعية، لحولت "ثروة الحمضيات" إلى داعم للمنتجين وحتى للخزينة، لأن إنتاج سورية استقر لسنوات عند عتبة مليون طن، قبل أن يتراجع خلال المواسم الأخيرة "نسمع منذ 15 عاماً عن معمل حكومي لإنتاج العصائر الطبيعية وكل عام يدرج ضمن الخطة الاستثمارية لوزارة الصناعة ولكنه لم ير النور حتى اليوم".
لكن طريق التصدير "غير مفروش بالورد"، بحسب رجل الأعمال محمد طيب العلو، لأن الحمضيات المصرية والتركية "منافس قوي" للإنتاج السوري بأسواق المنطقة، وتلك البلاد تدعم التصدير أكثر من نسبة 10%، فضلاً عن أن أنواع الحمضيات التركية أكثر طلباً بأسواق الخليج، لأن الحمضيات السورية حجمها صغير وفيها بذور "معظمها حمضيات مائدة".
ويضيف العلو لـ"العربي الجديد" بمجمل الأحوال خطوة دعم صادرات الحمضيات مهمة لإبعاد الفلاحين عن الخسائر من خلال تحسين السعر، ومنع استغلالهم من التجار المحليين، ولكن، يشير منبهاً، هل تمت دراسة أثر التصدير على العرض بالسوق المحلية وقدرة المستهلك السوري على شراء الحمضيات، فإن كان سعر كيلو البرتقال بدمشق اليوم أكثر من 1500 ليرة، فعلى الأرجح أن يتضاعف بعد التصدير، ولنا بزيت الزيتون "أسوة" فبعد السماح بتصدير 45 ألف طن زيت هذا الموسم ارتفع السعر بالسوق المحلية بأكثر من 100% عن الموسم السابق.
ويعتبر رجل الأعمال السوري أن الحل، إضافة لتصدير جزء من الإنتاج، يكمن بإقامة مراكز ومستودعات تخزين وتشييد معامل لعصائر الحمضيات، فبتلك الحالة يجري إنصاف جميع الأطراف، وعدم غبن المستهلك السوري بعدم قدرته على تناول إنتاج بلده.