يهدد ظهور موجة جديدة من فيروس كورونا بتقويض الانتعاش الاقتصادي للولايات المتحدة، وتقويض خطط الأميركيين للعودة إلى العمل تماماً كما تتفكك شبكة الأمان الاجتماعي الشاملة التي بناها الكونغرس أثناء الوباء.
ووفقاً لما ذكره موقع "بوليتيكو" الأميركي، اليوم السبت، فإنّ هذه "الضربة المزدوجة"، التي تتمثل في موجة جديدة من حالات الإصابة بالفيروس، يليها انتهاء صلاحية مزايا البطالة المعززة، وفرض حظر على عمليات الإخلاء وغيرها من برامج الإنقاذ، تثير قلق المشرعين والاقتصاديين الذين يقولون إنه في حين أنّ إغلاق الشركات على نطاق واسع أمر غير مرجح، إلا أنّ المخاوف تتجدد من إمكانية أن يبطئ الفيروس الاقتصاد بدلاً من العودة إلى المسار الصحيح.
ويرجّح الموقع أن تؤدي الموجة الجديدة إلى تثبيط عمليات التوظيف وتبقي بعض العمال على هامش سوق العمل، ما يؤدي إلى تعطيل اتجاه تعافي العمالة، وهو محور جدول الأعمال الاقتصادي للرئيس جو بايدن.
وأفادت وزارة العمل الأميركية، أول من أمس الخميس، بأنّ طلبات إعانات البطالة الجديدة قفزت، الأسبوع الماضي، إلى 419000، وهي أعلى بكثير من التوقعات والأعلى منذ منتصف مايو/أيار الماضي.
تحديات تواجه بايدن
ويواجه الرئيس بايدن - الذي انخفضت نسبة تأييده وفق استطلاع لمؤسسة "غالوب" إلى 50% هذا الأسبوع، وهو أدنى مستوى حتى الآن - هجمات من قبل الجمهوريين بشأن هذه القضية.
وقال النائب كيفن برادي إنّ الرئيس ركّز كثيراً على دفع "شراهة الإنفاق البالغة 4 تريليونات دولار"، وليس بما يكفي للقضاء على الفيروس.
وقال جيسون فورمان، كبير المستشارين الاقتصاديين السابق للرئيس باراك أوباما والمقرب من الفريق الاقتصادي الحالي للبيت الأبيض، وفق "بوليتيكو"، إنّ "الإدارة الأميركية تدرك جيداً المخاطر التي يتعرض لها الاقتصاد من الارتفاع في حالات كوفيد 19"، لكنه أوضح أنّ "أي مشكلة لديها فرصة تتراوح بين 5 و10% لإخراج الانتعاش الاقتصادي عن مساره، يجب أن ينظر إليها عن كثب والقلق بشأنها".
وتابع أنّ "القلق ليس مرتفعاً، لأنه، حتى في ظل أسوأ سيناريو، فإنّ الخطر هو أن يؤدي متحور دلتا إلى تحول ما كان تعافياً سريعاً للغاية إلى مجرد انتعاش سريع".
وأكد مصدر مطلع على مناقشات الفريق الاقتصادي لبايدن، وفق "بوليتيكو"، أنّ البيت الأبيض يولي "اهتماماً وثيقاً"، لكنه لا يعتبر الفيروس تهديداً كبيراً.
وقال المصدر الذي فضّل عدم ذكر اسمه إنّ بايدن "كان يدعو الأميركيين إلى التطعيم، وذلك أساساً من منطلق قلقه على سلامة الناس، ولكن أيضاً من أجل الاهتمام بالاقتصاد".
وقالت الخبيرة الاقتصادية السابقة في مجلس الاحتياطي الفدرالي (المركزي الأميركي) كلوديا سام: "إذا لم يشعر الناس بالأمان، فسوف يغلقون المدارس ولن يعودوا إلى العمل.. التعافي سيتواصل، لكنه سيبقى ضعيفاً".
وفي حين أنه من السابق لأوانه قياس التداعيات الناجمة عن الزيادة في حالات الإصابة، إلا أنّه من المرجح أن يكون أي تباطؤ في الوظائف مدفوعاً بمتحور دلتا أكثر وضوحاً في الولايات الزرقاء (التي يديرها الديمقراطيون)، حيث يتم تطعيم نسب أعلى من السكان، ولكن الناس أيضاً أقل استعداداً لتحمل مخاطر مثل فيروس كورونا. فتلك الولايات التي يقودها الديمقراطيون نفسها لديها أيضاً معظم حالات البطالة؛ نظراً لأنّ لديها أوامر إغلاق أكثر صرامة سارية منذ بداية تفشي الفيروس، ثم أعيد فتحها بشكل أبطأ.
وقال خبير الاقتصاد العمالي أريندراجيت ديوب، للموقع، إنّ "ما يقرب من 8 ملايين من أصل 10 ملايين وظيفة، لا تزال مفقودة في الاقتصاد قبل الوباء، موجودة في الولايات الزرقاء".
من المرجح إذاً أن يكون التباطؤ في نمو الوظائف أكثر حدة في الولايات التي تشتد فيها الجائحة. وبالنظر إلى حجم النشاط الاقتصادي الذي تولده هذه الولايات، فإنّ الآثار المتتالية على الاقتصاد الكلي ستكون أكثر حدة.
صدمة اقتصادية متوقعة
وقالت سام إنّ "متحور دلتا إذا استمر في الانتشار، فستحدث الصدمة الاقتصادية، حيث لا تزال قطاعات ضخمة من الأميركيين تكافح للوقوف على أقدامها مرة أخرى".
وقالت كبيرة الاقتصاديين في شركة "غرانت ثورنتون" ديان سونك: "هذا يؤكد حقاً إلى أي مدى نحتاج إلى استعادة الوظائف. كل تلك القضايا التي ابتليت بها الأسر ذات الدخل المنخفض لم تختف بعد. اشترينا بعض الوقت، لكن الساعة سيحين آوانها في النهاية".
وستؤثر نهاية برامج شبكات الأمان الاجتماعي المختلفة على عشرات الملايين من الأميركيين، حيث تظهر بيانات المسح من مكتب الإحصاء أنّ 3.6 ملايين أسرة تقول إنها إلى حد ما، أو من المحتمل جداً أن تواجه الإخلاء في الشهرين المقبلين، حيث ينتهي قرار الوقف على مستوى البلاد في نهاية يوليو/تموز.
وما زال أكثر من 12 مليون أميركي يتلقون شكلاً من أشكال إعانات البطالة، والتي سيتم تخفيضها أو قطعها بالكامل بحلول عيد العمال (6 سبتمبر/أيلول المقبل). وسيحتاج حوالي 42 مليون من قروض الطلاب إلى استئناف المدفوعات في أكتوبر/تشرين الأول، ما لم تتصرف إدارة بايدن.
ويقول اثنان من كل ثلاثة إنه سيكون من الصعب عليهما دفع الفاتورة، وفقاً لمسح أجرته مؤسسة "صناديق بيو الخيرية" (Pew Charitable Trusts) هذا الشهر.
الخطر الأكبر هو أن تنفد هذه البرامج وغيرها في نفس الوقت الذي يؤدي فيه تفشي فيروس كورونا إلى تراجع في الإنفاق الاقتصادي، أو تباطؤ في التوظيف أو زيادة التردد في العثور على عمل، خوفاً من الإصابة بالفيروس.
خطط قصيرة الأجل
وقال الخبير الاقتصادي غريغوري داكو إنّ الكونغرس كان منشغلاً في الأشهر الأخيرة ليس بحوافز قصيرة الأجل، ولكن بمبادرات طويلة الأجل، وهي خطة بنية تحتية من الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) وحزمة إنفاق بمليارات الدولارات لرعاية الأطفال والرعاية الصحية والتعليم والمناخ، ولكن، في وقت قصير أيضاً، سيتعين على المشرعين أيضاً، اتخاذ إجراءات بشأن البنود العاجلة بما في ذلك الميزانية وسقف الديون.
وقال داكو: "قد يكون هناك انفصال كبير بين الحاجة المحتملة لتحفيز مالي إضافي وتركيز الكونغرس على المزيد من الخطط متوسطة الأجل".
في غضون ذلك، يمنح متحور دلتا الجمهوريين ذخيرة جديدة للاعتراض على حزمة الإنفاق التي تبلغ قيمتها عدة تريليونات، والتي طالما وصفوها بـ"قائمة أمنيات ديمقراطية باهظة الثمن".
وقال النائب الجمهوري برادي إنه يأمل أنّ الرئيس بايدن الآن "يبتعد عن إلهائه في إنفاق آخر بقيمة 4 تريليونات دولار" للتركيز على فيروس كورونا والاقتصاد. وأضاف: "إنني قلق، فمنذ اليوم الأول تقريباً، قبل ستة أشهر، تغافل بايدن عن هزيمة الفيروس وإعادة بناء الاقتصاد، وهو يسعى الآن لتعويض ذلك، لكنني أشعر بالقلق من أن الأوان قد فات".