أثناء تجوالك في مناطق ريف العاصي شمال غربي سورية، لا بد أن تخطف ناظريك مشاهد حقول الجانرك المنتشرة على ضفتي النهر، والتي ما زالت تنتظر دورها في القطاف هذا الموسم. سيارات محمّلة بالعمال، وأخرى محمّلة بالثمار، وحركة توحي بمواسم وفيرة، إلا أن النتيجة على الأرض مخالفة لذلك، فتدني الأسعار انعكس بشكل سلبي على مواسم المزارعين.
يقول الحاج عبد الرزاق المصطفى، وهو مزارع من دركوش، لـ"العربي الجديد"، إن العواصف أثرت في الثمار، وأدت لتلف كثير منها، وبينما كان يأمل المزارعون في تحسّن الأسعار نتيجة تراجع الإنتاج، فإن الأسواق كانت صادمة، إذ تراوح سعر الكيلو ما بين 5 إلى 8 ليرات تركية، بينما كانت أسعار الأعوام الماضية ضعف هذا السعر، وهي أسعار زهيدة قد لا تغطي ثمن الكلفة.
يتابع المصطفى: "تراكمت عليّ الديون طوال الموسم، فقد جهّزت الحقل بشبكة ري بالتنقيط، وتكلفت ثمن أدوية ومبيدات وأسمدة ولم أسدد ثمنها للصيدلية الزراعية، على أمل الحصول على موسم جيد أتمكن من التسديد من خلاله، وأحتفظ بالفائض مصروفاً لعائلتي، لكن الحسابات الحالية تعني أنني قد لا أتمكن من تسديد كل ديوني".
من جانبه، يقول أسامة السيد عيسى، وهو مزارع من حارم، لـ"العربي الجديد": "يتعب الفلاح خلال عام كامل، ويعقد الآمال على موسمه لسداد دينه وتأمين قوت أولاده، إلا أن النتائج دائماً تأتي خلاف التوقعات".
يضيف السيد عيسى: "تجاوزت حقولنا موجات الصقيع التي ضربت المنطقة ولم يكن تأثير العاصفة في حقلي كبيراً، واعتنيت بأشجاري بشكل ممتاز على أمل أن أحقق أرباحاً وفيرة هذا العام، إلا أن الأسعار كانت صادمة، حيث بعنا جزءاً كبيراً من الموسم بقيمة ربع دولار للكيلو الواحد، بينما تجاوز سعرها العام الماضي دولاراً ونصف دولار، وهو فرق شاسع يقلب موازين الحسابات لدى المزارع".
بدوره، يقول صافي العمر، وهو تاجر فواكه، لـ"العربي الجديد"، "يتوفر في السوق ثلاثة أنواع من الجانرك، تصنف بحسب حجم الثمرة ودرجة حموضتها، أجودها ما يطلق عليه اسم الزهرة، ثمّ الأكسترا، فالناعم. وأغلب الكميات الموجودة في السوق تعتبر من الصنف الناعم الذي لا يصدر إلى خارج سورية، ما أدى لكثرة العرض مقابل الطلب المحدود للأهالي، الذين باتوا يبحثون عن الحاجات الرئيسية لمنازلهم، فشراء البطاطا والبصل والمواد التي تستخدم في الطبخ بشكل مباشر أهم بكثير من شراء الفاكهة".
يتابع العمر: "عمليات التصدير مستمرة باتجاه مناطق العراق وتركيا، إلا أن التجار الذين يرغبون بالتصدير يختارون أفضل البضائع المتوفرة في السوق لضمان وصول البضاعة بكامل جودتها إلى مقصدها، وبالتالي لن يكون التصدير متاحاً بحجم الإنتاج السنوي، وهو ما سيؤدي حتماً لتراكم الإنتاج، لا سيما أن التخزين في البرادات مكلف ولن يجدي نتيجة انخفاض الأسعار".
ويعتبر ريف إدلب الغربي، وخاصة دركوش، من أهم مناطق إنتاج الجانرك على مستوى سورية. واحتلت دركوش مراتب متقدمة من ناحية الإنتاج والجودة، إلا أن من التقيناهم من المزارعين يخشون من تراجع زراعة هذه الشجرة، في حال استمرت الأسعار على النحو ذاته في الأعوام القادمة.