موازنة ليبيا "الموحّدة" يبعثرها انقسام البرلمان

15 يونيو 2021
ما زالت الإيرادات النفطية تشكل أكثر من 95% من مداخيل الموازنة العامة الليبية (فرانس برس)
+ الخط -

خفضت حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا حجم الموازنة العامة مجدداً من 93 مليار دينار إلى 75.7 ملياراً (الدولار = 4.50 دينارات)، وألغت باب الطوارئ، وقلصت النفقات العمومية ومشاريع التنمية والدعم بنسب متفاوتة وصلت إلى 20% في بعض بنودها.

كلّ ذلك وسط تأجيل اعتماد أول موازنة موحدة في البرلمان منذ عام 2014، بسسب خلافات بين مجلس النواب والحكومة حول الأموال المرصودة، فيما يرى محللون اقتصاديون أنّ هناك مسعى لتعقيد المشهد وعدم صرف الأموال بهدف المساومة السياسية.

في المقابل، ثمة من يرى ضرورة اللجوء إلى ترتيبات مالية مبنية على توافق سياسي. مجلس النواب لم يقر الموازنة رغم انقضاء 5 أشهر من السنة المالية الجارية، وسيجرى تطبيقها بأثر رجعي على الأشهر الفائتة في حال مصادقة المجلس عليها.

في السياق، قال عضو اللجنة المالية في مجلس النواب عبد المنعم بالكور، لـ"العربي الجديد"، إنّ التعديل الأخير للموازنة العامة يمكن اعتماده في الجلسة المقبلة لمجلس النواب.

ويعطل تأخير إقرار الموازنة العامة تنفيد المشاريع الاستثمارية لقطاع النفط والكهرباء، وفقاً لما أدلى به الباحث الاقتصادي أبو بكر الهادي في تصريحات خاصة، إذ أوضح لـ"العربي الجديد" أنّ هناك تحديات أمام الحكومة، أولها توفير الأموال لـ"المفوضية العليا للانتخابات"، وكذلك تأخر الأدوية والعلاج في الخارج، فضلاً عن زيادة المعاناة من الأوضاع المعيشية، وتأخر صرف الرواتب عن مواعيدها المعتادة.

تمويل قوات حفتر وتوسّع القطاع العام

وتابع قائلاً إنّ تأخير اعتماد الموازنة العامة في ليبيا وجعله خاضعاً للحسابات السياسية، من شأنه أن يعقد المشكلات المتراكمة التي تكابدها ليبيا واقتصادها وشعبها منذ سنوات، مشيراً إلى أنّ "الموازنة مشروطة بتوفير الأموال لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر قبل اعتمادها".

وبيّن أنّ من النقاط الخلافية مقترحاً بوضع مخصص لقوات حفتر منفصل عن وزارة الدفاع، مع أنّ الفصل في هذا الأمر تحكمه لوائح خاصة في القانون المالي للدولة.

وفي جانب آخر، أشار إلى أنّ ليبيا تعاني من مشكلة توسّع أفقي في إنشاء المؤسسات التي تجاوز عددها 670 مؤسسة حكومية، إضافة إلى ارتفاع أعداد العاملين بالقطاع العام.

ويتوزع الإنفاق في مشروع الموازنة المقترحة على 4 أبواب فقط، في حين أنّ الباب الخامس المخصص للطوارئ تم حذفه بناء لطلب مجلس النواب.

الموازنة... أرقام و"ابتزاز"

إذاً، حجم الموازنة 75.7 مليار دينار بفائض 1.66 مليار، وهي موزعة على باب الرواتب والأجور بقيمة 33.8 ملياراً، وباب النفقات التسييرية الحكومية 9.29 مليارات، وباب التنمية 12 ملياراً، وباب الدعم 20.6 ملياراً.

أما في ما يتعلق بالإيرادات، فهي تُقدّر بنحو 77.4 مليار دينار موزعة على الإيرادت النفطية بقيمة 74.3 ملياراً، الضرائب 1.2 مليار، الجمارك 300 مليون دينار، الاتصالات 450 مليوناً، إضافة إلى بقية الإيرادات من مبيعات المحروقات في السوق المحلية، وأرباح "مصرف ليبيا المركزي".

أستاذ الاقتصاد في جامعة "مصراتة" عمر زرموح قال، في تصريحات خاصة، إنّ مجلس النواب يعرقل الموازنة العامة لمحاولة ابتزاز حكومة الوحدة الوطنية، مؤكداً لـ"العربي الجديد" ضرورة التوصل إلى اتفاق سياسي والعمل بـ"الترتيبات المالية".

ورأى أنّه إذا أصدر مجلس النواب قانون الموازنة لاحقاً، فلن يكون من الصعب على الحكومة إجراء التسويات المالية اللازمة، أما إذا لم يعتمدها، فلن يكون ذلك بالأمر المستغرب، فهو لم يعتمد أيّ موازنة على امتداد السنوات بين عامَي 2016 و2020.

وتساءل مدير "مركز أويا للدراسات الاقتصادية" أحمد أبولسين، في تصريح خاص، عن أسباب زيادة الإنفاق العام من دون توفر تفاصيل واضحة، وقال لـ"العربي الجديد" إنّ من غير الواضح على أساس أيّ سعر صرف وُضعت الموازنة العامة، ولا كيفية احتساب الفارق في حالة تخفيض السعر، مطالباً بضرورة وضع موازنة بالنقد الأجنبي وإقرار بند فيها يقضي بأن تكون التحويلات الحكومية إلى الخارج على أساس سعر الصرف المعلن يوم إقرارها.

كما أشار إلى أنّ الحكومة ستصرف 75.5 مليار دينار، وهي في نهاية العام ستكون حكومة تصريف أعمال في ظلّ غياب الشفافية وانتشار الفساد، فكيف ستُصرف الأموال؟

وتبرز هذه الخلافات الصعوبات والعراقيل التي تواجه حكومة الوحدة الوطنية، على أمل بتّ الموازنة في البرلمان، باعتبارها الخطوة الأبرز للنجاح في تنفيذ المشروعات التي وعدت الحكومة الليبيين بها، في الوقت الذي تعاني المالية العامة من مشكلة عدم الاستدامة المالية، نظراً لارتباط تمويل الموازنة بإيرادات النفط التي تشكل ما يزيد عن 95% من دخلها.

المساهمون