لا تزال تداعيات جلسة الحكومة اللبنانية التي عقدت الأسبوع الماضي وأقرّ فيها مشروع موازنة عام 2022 تتفاقم، ليس فقط شعبياً إنما سياسياً أيضاً، في ظلّ اتهامات خرج بها عددٌ من الوزراء، ولا سيما ممثلو "حركة أمل" و"حزب الله"، بأن الموازنة هُرِّبت وهي غير قانونية، على اعتبار أن التصويت عليها لم يحصل.
وتفتح هذه الخلافات باب السؤال حول مصير الموازنة، مع تصريح عدد من الوزراء بأنه لا يجب إحالتها إلى البرلمان لعدم قانونيتها، فيما خطّ المجلس النيابي ليس أسهل، حيث للنواب كلمة الفصل في إقرارها من عدمه عند تسلمهم إياها ودراستها، هم المقبلون على تحدي الانتخابات ويسعون إلى "مغازلة" الشعب بغية كسب الأصوات "لا تحميله ضرائب وأعباء إضافية" وهو شعار انتخابي يعوّلون عليه عند كل استحقاق.
يقول وزير الاتصالات جوني القرم لـ"العربي الجديد" إن جلسة الحكومة شهدت فوضى ربطاً بملف التعيينات الوظيفية الجديدة الذي أقرّ من خارج جدول الأعمال، سواء على صعيد المجلس الأعلى للدفاع أو السلك العسكري.
ولفت القرم إلى أن "الأرقام النهائية لمشروع الموازنة لم تأتِ ولم نحصل عليها في الجلسة"، لكنه أكد في المقابل أن "الأساس بالنسبة إلينا وقف الانهيار وكذلك تأمين استمرارية الخدمات".
ويتذرع الوزراء التابعون لحزب الله وحركة أمل بأنّ المقررات التي خرجت من الجلسة لم يعرف بها غالبية الوزراء وقد تم تمريرها خلسة من دون تفاهم مسبق عليها، مع العلم أن وزير المال يوسف الخليل الذي أعد مشروع الموازنة هو محسوب على "أمل" وعلى رئيس البرلمان نبيه بري، الذي تردد أنه أوعز إليه عدم التوقيع على التعيينات.
وترى أوساط "الثنائي" أن التعيينات أتت من خارج البيان الذي أفرج على أساسه "حزب الله" و"حركة أمل" منتصف شهر يناير/ كانون الثاني الماضي عن جلسات مجلس الوزراء بعد تعطيلها ثلاثة أشهر.
وصرح نائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم أن طريقة إقرار الموازنة في مجلس الوزراء حصلت بشكل مخالف للدستور "لأن النقاش كان سطحياً والتعديلات لم تعرض على الوزراء الذين لم يتلقوا الإجابات على القضايا المطروحة".
وردّ المكتب الإعلامي لرئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي على هذه الاتهامات، ولا سيما حول التعيينات، بالتأكيد أن وضع جدول أعمال مجلس الوزراء هو حصراً من صلاحيته ويطلع رئيس الجمهورية عليه، على أن يكون له حق طرح أي بند من خارج جدول الأعمال>
وشدد على أنه لا يقبل أن يحدد له أحد جدول أعمال مجلس الوزراء أو أن يتدخل في صلاحياته الدستورية أو يحددها. مع الإشارة إلى أن وزراء في الحكومة، من بينهم وزير المهجرين عصام شرف الدين، صرّحوا بأن الموازنة لم تقرّ وفوجئوا بخروج ميقاتي وإعلانه عن إقرارها.
من الناحية القانونية، يقول منسق الدائرة القانونية لمجموعة "الشعب يريد إصلاح النظام" المحامي هيثم عزو لـ"العربي الجديد" إن "المبدأ أنه لإقرار الموازنة لا بد أولاً من عرض مشروعها على الوزراء وتحديد جلسة لمناقشتها في مجلس الوزراء، وذلك قبل إحالتها إلى مجلس النواب، وتتم مناقشة مشروع الموازنة بنداً بنداً ثم يتم في نهاية المطاف التصديق على مشروع الموازنة في مجلس الوزراء وفق القواعد والنصوص الدستورية الناظمة. إذ إن الدستور أوجب تصويت أغلبية ثلثي أعضاء الحكومة وفقاً لمرسوم تشكيلها".
ويردف "في حال الإفصاح إعلامياً عن إقرارها من دون احترام التصديق والتصويت على مشروع الموازنة بأغلبية الثلثين وتهريبها من التصويت يعني ذلك أن الموازنة لم يتم إقرارها في مجلس الوزراء وفقاً للأصول الدستورية، وبذلك تكون الموازنة المحالة إلى مجلس النواب مصابة بعيب عدم المشروعية الدستورية ولا يمكن لمجلس النواب التصديق على مشروعها أو حتى مناقشته طالما أنه لم يقرّ أصولاً من قبل مجلس الوزراء، وعليه يقتضي على مجلس النواب إعادة مشروع الموازنة إلى السلطة التنفيذية لإقرارها من جديد وفقاً للأصول الدستورية".
ويشدد عزو على أن "شروع مجلس النواب في مناقشة مشروع الموازنة في حال أحيلت إليه بـ"تهريبة" من شأنه أن يعرّض قانون الموازنة في حال إقرارها لاحقاً للإبطال أمام المجلس الدستوري لمخالفتها الأصول الدستورية، إذا ما تم الطعن بها".
أما من الناحية السياسية، فيقول عزو "من الغريب والمستهجن أن يزعم فريق سياسي أنه لم يصوت على الموازنة في مجلس الوزراء في الوقت الذي كان حاضراً أثناء جلسات المجلس، الأمر الذي يطرح علامات استفهام كثيرة في هذا الشأن، وخاصة أن مشروع الموازنة بصيغته النهائية التي صار إلى مناقشتها في مجلس الوزراء قد أعدها وزير المال المحسوب على الفريق السياسي الذي يتذرع بعدم التصويت عليها".
يقول عضو "كتلة المستقبل" النائب عاصم عراجي لـ"العربي الجديد" إن "الموازنة عندما ترسل إلى مجلس النواب سندرسها حتماً، ولكن تحتاج إلى تعديلات قبل إقرارها"، لافتاً في المقابل، رداً على احتمال تطييرها إلى ما بعد الانتخابات النيابية إلى "أننا لا نعرف ما إذا كان هناك أمر يحاك من تحت الطاولة ولكن عدم إقرار موازنة أمر غير صحي للبلد".
ويشدد على أن "الناس لا يحتملون مزيداً من الضرائب ولا قدرة لديهم على دفعها، حتى إنهم لا يحصلون على أموالهم من المصارف، عدا عمن طرد من وظيفته ربطاً بوضع الشركات نتيجة الأزمة الاقتصادية. فمن أين للمواطن في هذه الحالة أن يسدّد فواتير الهاتف والكهرباء وغيرها عند رفع التعرفة؟".
ويلفت عراجي إلى أنه "بغياب الاستقرار السياسي في البلد لن تكون للدولة موازنة جيدة ولا وضع مالي واقتصادي سليم عدا عن الحاجة إلى الانفتاح على العالم العربي والمجتمع الدولي وإلا البلد "رايح".
اقتصادياً، يقول وزير البيئة ناصر ياسين لـ"العربي الجديد" إن الموازنة "جيدة وحاولنا خلال مناقشتها ألا نحمّل الناس أعباء كبيرة، خصوصاً في ظل التضخم المفرط، لذلك علينا أن نتأقلم مع التضخم من ناحية إيرادات الدولة فهناك نفقات متوجبة عليها من رواتب وتسيير المرافق العامة وأمور الدولة. وبالتالي نحن لم نزد الضرائب، على العكس خفضنا قيمة النسب عند الاقتطاع لكن الرسوم باحتسابها على سعر صيرفة ستكون ثقيلة على بعض السلع مثل استيراد السيارات وغيرها".
ويضيف "لا يمكن الاستمرار في دفع الرسوم على سعر الصرف الرسمي 1515 ليرة لبنانية الذي فقد قيمته لكن في المقابل أزلنا الرسوم الجمركية على المواد الغذائية وتلك الأولية والأدوية وما إلى ذلك وحاولنا ألا تكون الأعباء ثقيلة على الموطنين"، لافتاً إلى أن "المواطن سيلمس حتماً ارتفاعاً في الأسعار في أماكن كثيرة، وهذا يعود إلى ضرورة مواكبتنا للتضخم، إذ لا يمكن أن تبقى الأسعار مشتتة".
يقول عضو "كتلة المستقبل" النائب عاصم عراجي لـ"العربي الجديد" إن "الموازنة عندما ترسل إلى مجلس النواب سندرسها حتماً، ولكن تحتاج إلى تعديلات قبل إقرارها
ويلفت إلى أن "رواتب الموظفين في القطاع العام ارتفعت من خلال الراتب الإضافي الذي أعطي والزيادة على بدلات النقل وهناك نفقات اجتماعية لحظتها الموازنة، وهو ما سيخفف بعض الشيء من وطأة تأثير الغلاء وارتفاع أسعار المحروقات.
أما في القطاع الخاص فنحن لا نتدخل به لكن تحصل اتفاقات مرنة بين الكثير من أرباب العمل والموظفين".
ويشدد ياسين في المقابل على "ضرورة مراقبة الأسعار والتسعير الحقيقي، حتى لا تكون هوامش الربح مضخمة، وكذلك يجب التركيز على الموضوع الجمركي من خلال ضبط التهريب والتهرب بالدرجة الأولى لتحقيق الهدف الأساسي من الموازنة".
من جهته، يقول رئيس جمعية المستهلك زهير برو لـ"العربي الجديد" إن "الموازنة لم تجد إلا المستهلكين لتأخذ منهم أموالهم في وقتٍ قدرتهم الشرائية باتت في الحضيض".
ويلفت إلى أن "أكثر من 87 في المائة من الرسوم والضرائب هي على الاستهلاك، بينما الضرائب على أرباح الشركات مثلاً لا تتجاوز 6 إلى 7 في المائة والضرائب على الأجور حوالي 6 إلى 7 في المائة. كما أن الدولة ساوت بين الغني والفقير وهذه فضيحة إنسانية وقانونية ولا علاقة لها بالدولة العادلة بل بمافيات عملها فقط تجويع الناس".