تلقّف وسيم أحمد منصوري، منذ مطلع الشهر الجاري، كرة نار السياسة النقدية المربكة من حاكم "مصرف لبنان" المركزي السابق رياض سلامة الخاضع لتحقيقات بتهم الاختلاس والتبييض والإثراء غير المشروع. فمن هو منصوري؟
منصوري البالغ من العمر 51 عاماً، من أبناء بلدة عيترون الجنوبية وترعرع في بيئة "حركة أمل" المسلمة الشيعية التي يتزعّمها رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كان سابقاً يتخذ منصوري وكيلاً قانونياً له، وسبق للأخير أن كان أيضاً مستشاراً لوزير المالية الأسبق علي حسن خليل التابع أيضاً للحركة نفسها، كما عمل أستاذاً متفرّغاً في كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في "الجامعة اللبنانية" (رسمية)، والتي تولى فيها عام 2019، منصب المدير المؤقت للفرع الفرنسي، وكان ذلك بعد عام واحد من حيازته الوسام الأعلى لجمهورية غينيا الاستوائية من رئيسها سنة 2018.
وكان منصوري عضواً في مجلس إدارة "المنطقة الاقتصادية الخاصة في طرابلس (عاصمة شمال لبنان)"، وهو صاحب ومدير "مكتب منصوري وشركاه للمحاماة"، وعضو في "الشعبة الوطنية لمحكمة التحكيم الدائمة". نال شهادة دكتوراه في القانون العام تخصّص القانون الدستوري ودبلوم دراسات عليا في القانون الشامل من "جامعة مونبيليه 1" الفرنسية، وحصّل دكتوراه ثانية بعد إجازة في الحقوق من "الجامعة اللبنانية".
منذ 11 يونيو/ حزيران 2020 حتى 31 يوليو/ تموز المنصرم، شغل منصوري منصب نائب حاكم المصرف المركزي، قبل أن يصبح اعتباراً من فجر الأول من أغسطس الجاري حاكماً بالإنابة، رغم أن رئيس مجلس النواب الذي تربطه بمنصوري علاقة قرابة، كان يُعلن عدم حماسته لتسلم مهام الحاكم تلافياً لتحميله تبعات أي انهيار نقدي أو مالي قد يصيب البلد في المرحلة المقبلة.
إلا أن تسلّمه المنصب أتى استناداً إلى مندرجات المادة 25 من "قانون النقد والتسليف" والتي تنص على أنه في ظل شغور منصب الحاكم (الماروني المذهب) يتولى نائبه الأول (الشيعي) ريثما يتم تعيين حاكم أصيل، علماً أن للحاكم 4 نواب: مسلم شيعي (النائب الأول) ومسلم سنّي (الثاني) ودرزي (الثالث) وأرمني كاثوليكي (الرابع)، في صيغة عُرفية تراعي التوزيعة الطائفية في لبنان، علماً أن هذه المرة هي الأولى التي يتولى فيها شيعي تسيير أعمال الحاكم (أو المحافظ).
ويلاحظ أن لمنصوري علاقة جيدة مع السلطات النقدية والمالية الأميركية، حيث جمعه بالمعنيين فيها لقاء تعارف قبل نهاية ولاية سلامة بأسابيع، حسبما أوردت "رويترز"، من أجل طمأنة "وزارة الخزانة" و"مجلس الاحتياطي الفيدرالي" (البنك المركزي الأميركي) إلى أن "مصرف لبنان" سيواصل تطبيق إجراءات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. كما أكد مسؤول في السفارة الأميركية لدى بيروت أن منصوري عقد "اجتماعات مثمرة مع نظرائه" في واشنطن.
وفور تسلمه منصبه الجديد حاكماً بالإنابة، كشف منصوري عن خطة عمل المرحلة المقبلة في المصرف المركزي، معتبراً أنها تتطلب تعاوناً من الحكومة ومجلس النواب، داعياً الطبقة السياسية إلى إخراج كل ما يتعلق بالسياسة النقدية من التجاذبات السياسية، مشيراً إلى خلاف سابق بين رياض سلامة ونوابه الأربعة.
واعتبر أن "سياسة الدعم التي تصرف 800 مليون دولار شهرياً من احتياطات المصرف المركزي لا يمكن أن تكون سياسة صحيحة ومستدامة، وكنا جميعاً نستطيع أن نرى أن هذا النوع من الأزمات لا يمكن أن يُحل بسحب أو تبديد احتياطات المصرف المركزي بالعملات الأجنبية بل المحافظة عليها لأنها تشكل الدفاع الأساسي عن قيمة الليرة اللبنانية".
لكنه يرى، في المقابل، أن "وقف التمويل الفوري للحكومة لا يمكن أن يتم بشكل مفاجئ، فتمويل المصرف بعد وقف الدعم، مرتبط برواتب موظفي القطاع العام وفق منصة صيرفة، الدواء، القوى الأمنية واحتياجاتها، مستلزمات الإدارة لتتمكن من الجباية".
ويتطلع منصوري إلى ما سمّاها "فترة انتقالية قصيرة" يتخللها التأكيد على 3 أمور: أولاً، إقرار القوانين الإصلاحية خلال 6 أشهر، بما فيها موازنتا 2023 و2024، "الكابيتال كونترول"، إعادة هيكلة المصارف وإعادة التوازن المالي. ثانياً، إقرار قانون يجيز تمويل الحكومة لدفع رواتب القطاع العام على سعر ثابت بالدولار على منصة "صيرفة". وثالثاً، تحديد آلية توحيد وتحرير سعر الصرف.