من سيدفع فاتورة إعادة إعمار أوكرانيا؟

06 يونيو 2022
مبنى مدمر قصفته روسيا في خاركيف بأوكرانيا (الأناضول)
+ الخط -

بعد الدمار الجسيم الذي ألحقه الغزو الروسي بالحجر والشجر والبشر في أوكرانيا التي باتت بعض مدنها الشرقية وأحيائها تشبه إلى حدٍّ كبير المدن السورية التي شوَّهتها الحرب وطمست معالمها، بدأ الحديث عن كلفة إعادة إعمار أوكرانيا التي صرَّح رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شمهال بأنّها تُقدَّر بنحو 600 مليار دولار، واستشهد بذلك أيضاً الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خلال خطابه أمام قمة مجلس الرؤساء التنفيذيين لصحيفة وول ستريت جورنال في 3 مايو/ أيّار 2022 الذي حثَّ فيه الشركات العالمية ومدراء الأعمال على مواصلة العزلة الاقتصادية لروسيا والاستعداد للاستثمار في اقتصاد أوكرانيا وبنيتها التحتية حينما تحطّ الحرب أوزارها.

وفي ظلّ استمرار أطوار الحرب المستعرة، ما زالت روسيا تحرز تقدُّماً ولو طفيفاً نحو أهدافها لا سيَّما بعد سيطرتها على مدينة ماريوبول الأوكرانية، بينما تحاول الحكومات الغربية بالفعل معرفة كيفية إعادة بناء البلاد بعد انتهاء الحرب يوماً ما، فقد أصدرت المفوضية الأوروبية خطّة لبدء تمويل هذه العملية من خلال مزيج من المنح والقروض، وكذا استخدام الأصول المُجمَّدة للأوليغارشية الروسية في الولايات المتحدة ودول أخرى، ومن جهته أكَّد نائب رئيس الوزراء الروسي مارات خوسنولين، يوم 18 مايو/ أيّار، أنّ بلاده ستتولَّى عملية إعادة إعمار الأراضي الأوكرانية التي احتلتها.

تصريحات مماثلة تمَّ إطلاقها في الماضي بشأن إعادة إعمار أفغانستان، العراق وسورية، ولم تبدأ عمليات البناء بعد بالرغم من انتهاء الحروب، حتى أوكرانيا نفسها، وجرّاء حرب 2014 التي أسفرت عن 14 ألف قتيل و1.4 مليون مشرَّد وفقدان شبه جزيرة القرم وميناء سيفاستوبول، نالت مساعدات من الولايات المتحدّة بقيمة 465 مليون دولار فقط منذ 2014 إلى غاية بداية الحرب الحالية في 24 فبراير/ شباط الماضي، بما في ذلك المساعدات التي حصل عليها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بعد اجتماعه مع الرئيس جو بايدن في سبتمبر/ أيلول 2021 والمتمثّلة في 60 مليون دولار كدعم مالي لشراء الأسلحة و45 مليون دولار كمساعدات إنسانية لدعم الأوكرانيين المتضرّرين من جائحة كورونا والصراع المستمرّ في شرق البلاد، لذلك لا ينبغي التعويل كثيراً على سخاء المساعدات الدولية التي أثبتت على مرّ الزمان ضآلتها بالمقارنة مع الأرقام المهولة التي تمَّ تداولها بخصوص الخسائر الهائلة التي خلَّفتها الحروب.

يشير الاقتراح الذي وضعته المفوضية الأوروبية إلى أنّ الاتِّحاد الأوروبي على استعداد لدفع جزء من تكاليف إعادة الإعمار إلى جانب التطلُّع لأن تدفع روسيا بعض التكاليف من خلال أصولها في الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية، والتي تُقدَّر قيمتها بمئات المليارات من الدولارات بما في ذلك أكثر من 350 مليار دولار من الاحتياطيات المُجمَّدة للبنك المركزي الروسي.

لكن ربما سيكون من الصعب إتاحتها لأوكرانيا دون الدخول في معركة قانونية مع روسيا، واعتماد تشريع جديد يضفي الشرعية على أيّ محاولة للاستيلاء على الأصول الروسية المُجمَّدة وإعادة توزيعها لصالح أوكرانيا.

وليس من المستبعد أيضاً أن يتمَّ اللجوء إلى فرض ضريبة فعالة على الطاقة الروسية من أجل تعويض الضرر الذي تسبَّب به الغزو الروسي لأوكرانيا كما حدث بعد غزو العراق للكويت عام 1990، حيث أشرفت اللجنة الأممية التي تأسَّست في مايو/ أيّار 1991 خلال أكثر من 30 عاماً على قيام العراق بتسديد 52.4 مليار دولار من نحو 352 مليار دولار تمَّت المطالبة بها من خلال استقطاع نسبة 5 بالمائة من مبيعات النفط والمنتجات البترولية العراقية.

وتتطلَّب المساعدات الأوروبية السخية توافقاً بين أعضاء الاتِّحاد الأوروبي، لكن هذا الأمر متعذِّر في الوقت الحاضر، فعلى سبيل المثال أعلن وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر يوم 20 مايو/ أيّار عقب اجتماعه بنظرائه من دول مجموعة السبع بشأن المساعدات لأوكرانيا أنّ ألمانيا ترفض الفكرة التي طرحتها المفوضية الأوروبية بخصوص الحصول على قرض أوروبي مشترك لتمويل إعادة إعمار أوكرانيا كما حدث في برنامج "الجيل القادم" للاتِّحاد الأوروبي NextGenerationEU الذي تمَّ إطلاقه للمساعدة في مواجهة تداعيات جائحة كورونا.

كانت حظوظ إعادة إعمار أوكرانيا، من خلال تنفيذ خطة مشابهة لخطة مارشال التي اعتمدتها الولايات المتحدة الأميركية ونفّذتها بهدف إعادة إعمار أوروبا المُدمَّرة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، لتكون مرتفعة لو كان هذا البلد قاب قوسين أو أدنى من الحصول على عضوية الاتِّحاد الأوروبي، فكان من الممكن في تلك الحالة مواءمة إعادة إعمار البنية التحتية لأوكرانيا وتهيئة مؤسّساتها بما يتماشى مع متطلَّبات الانضمام إلى عائلة الاتِّحاد الأوروبي.

وفي ردٍّ مخيِّبٍ لطموح أوكرانيا في أن تصبح عضواً في الاتِّحاد الأوروبي، صرَّح الوزير الفرنسي المندوب للشؤون الأوروبية كليمان بون في 22 مايو/ أيّار بأنّ انضمامها إلى الاتِّحاد الاوروبي قد يستغرق ما بين 15 إلى 20 عاماً.

سيبقى انضمام أوكرانيا للاتَّحاد الأوروبي حلماً بعيد المنال، وأملاً يستحيل تحقيقه في عالم يخضع فيه كل شيء للاعتبارات السياسية والمصالح الاقتصادية وليس لحسابات العقل والضمير، حيث تفتقر أوكرانيا لمعايير كوبنهاغن التي حدَّدتها معاهدة لشبونة للانضمام إلى الاتِّحاد كالديمقراطية، الحرية، المساواة، حقوق الإنسان، سيادة القانون، والشفافية، كما أنّها تعاني من فسادٍ كبيرٍ واقتصاد هشّ لا يرقى لتحقيق الاندماج الاقتصادي المطلوب في الاتِّحاد الأوروبي.

فضلاً عن ذلك، لا تُرحِّب معظم دول الاتِّحاد الأوروبي بانضمام أوكرانيا إليها نظراً للعواقب الكارثية التي ينطوي عليها استفزاز روسيا التي لن تتردَّد بدورها في توسيع رقعة الحرب التي تشنُّها لاستعادة أمجادها السابقة، فكل ما ترغب به القوى الغربية عموماً هو الاستمرار في إجهاد روسيا عسكرياً واقتصادياً من خلال أوكرانيا التي ما زالت في نظرهم مجرَّد مُزعزِعٍ لاستقرارهم إن تواجدت في كيانهم.

خلاصة القول، تستمرّ الفاتورة النهائية لإعادة بناء أوكرانيا في التضخُّم مع كل يوم جديد من الدمار، ومن أجل الانتقال إلى مرحلة ما بعد الحرب تحتاج أوكرانيا إلى الدعم المستمرّ والسخيّ من الشركاء الدوليين، والأهمّ من ذلك أنّها تحتاج إلى من يدير تلك المرحلة بكفاءة أكبر وفاعلية أفضل.

المساهمون