يبدو أن تزامن الأعياد قد يعطي الانطباع بأن القدر يجمع بين الأعياد لأصحاب الديانات التوحيدية السماوية الثلاث، الإسلام والمسيحية واليهودية، في عام يلي بفترة وجيزة توقيع اتفاقيات أبراهام.
لكنّ الصورة غير الواهمة، وعلى أرض الواقع، تثير الشجون في ضوء المشاهد المؤلمة التي تنقلها أجهزة ووسائل الإعلام العربية والإقليمية والدولية عمّا جرى من فظائع داخل المسجد الأقصى وما حوله، وعلى بوابات كنيسة القيامة يوم "سبت النور" الذي يسبق موعد عيد الفصح المجيد يوم الأحد الذي يليه.
ولربما الأنسب أن نعيد السؤال الذي طرحه الشاعر أبو الطيب المتنبي قبل أكثر من ألف عام:
عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ/ بمَا مَضَى أمْ بأمْرٍ فيكَ تجْديدُ
أمّا الأحِبّةُ فالبَيْداءُ دونَهُمُ/ فَلَيتَ دونَكَ بِيداً دونَهَا بِيدُ
بالنسبة إلى اليهود، فإنهم يحتفلون هذه الأيام بمناسبة "العبور" عندما عبروا من مصر إلى فلسطين، بينما بقي نبي الله موسى على الجانب الآخر شرق نهر الأردن.
وتمتد الاحتفالات ثمانية أيام، ويمثل الاحتفال بالعبور واحدةً من أهم المناسبات الدينية اليهودية. ويطلق اليهود عليه اسم "Pesach". وبحسب المؤرّخين، فقد حدث العبور خلال القرن الثاني عشر قبل الميلاد.
أما المسيحيون، فيحيون هذه الأيام مناسبة تخلط الحزن بالفرح. وهي (صلب) المسيح عليه السلام، وما تلا ذلك من دفنه، ومن ثم صعوده حياً إلى السماوات العلا. وهي حزنٌ لأنّ الاحتفال يأتي بعد "صلب المسيح" والفرح بمناسبة انتصار الحياة على الموت، وصعوده إلى الأمجاد السماوية بعدما حقق النبوءة وضحى بنفسه ليكفّر عن خطايا البشر.
وأما المسلمون، فهم يحتفلون هذه الأيام بمناسبة عيد الفطر المبارك، بعدما أدوا الفريضة الرابعة بعد الشهادة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وهي الصيام لمدة شهر كامل من قبل أذان الفجر حتى غروب الشمس، كذلك أخرجوا زكاة الفطر للفقراء والمساكين والمحتاجين وذوي القربى، التي تؤدّى خلال شهر رمضان، ولذلك فهم فرحون بطاعاتهم لله سبحانه وتعالى، وتحلّوا خلال الشهر بفضائل الصبر، والتسامُح، والعطاء، والتكافُل، واستحقوا أن يحتفلوا بعد ذلك بعدما نالوا مرضاة الله.
يحتفل اليهود إذن بنجاتهم من العذاب الذي لاقَوْهُ على يد فرعون وجنوده، وبعودتهم من الإكسودس من مصر إلى "أرض الميعاد"، كما يقولون. وقد أمضوا في مصر فترة طويلة، تصادقوا فيها مع الهكسوس الذين احتلوا مصر.
وعرفنا من الأنبياء خلال هذه الفترة النبي يعقوب وابنه يوسف، وهذا ما تؤكّده الآيات القرآنية. ولو قرأنا سورة يوسف، فإنها لم تستخدم كلمة فرعون، بل كلمة "عزيز"، لأنّ الفراعنة كانوا قد غادروا شماليّ مصر إلى جنوبها، قبل أن يستردّوها من الهكسوس بعد مائة وعشرة أعوام من احتلالها.
والمسيحيون يحتفلون بالخلاص من الذنب، وبانتصار الموت على الحياة في أعياد الفصح. ولذلك يأتي احتفالهم مسالماً مستسلماً لله، مرتباً لا دم فيه ولا معاناة، وتجتمع جميع الطوائف على قلب واحد. وهي مناسبة صادقة رصينة.
ولعلّ من المناسب التذكير هنا بأنّ عائلة جودة في القدس تحتفظ بمفتاح كنيسة القيامة، وأما مهمة فتح أبواب الكنيسة وإغلاقها فقد منحت للعائلة المسلمة نسيبة، وهما من عائلات القدس القديمة، التي تعود إلى أيام القائد صلاح الدين الأيوبي.
أما المسلمون، فعيد الفطر هو عيد التزاور، وصلة الرحم، واحتفال الأطفال والكبار بملابس جديدة، ويأكلون الحلوى الخاصة، وتجتمع الأسر لكي تحافظ على صلة التواد والتراحم.
فالأعياد الثلاثة إذاً هي أعياد أفراح بالتقرّب إلى الله، والفرح بأنّ الله قد وهب الجميع خلاصه ومغفرته.
كلّ ذلك يأتي فيما إسرائيل تفرض الاحتلال على مدينة القدس المحتلة بحجّة أنّها لهم، وأنّ القدس الموحدة، بما في ذلك القدس الشريف، ستبقى موحدة إلى الأبد حسب زعمهم وكبريائهم الفارغة، إذ إنّ الأبد فترة أطول من أن تبقى لأحد.
وهم تحت هذا الاعتقاد لديهم، يمنحون أنفسهم، بصفتهم قوة محتلة وقائمة بالاحتلال، حق إنكار حقوق الآخرين الدينية، إن تعارضت مع أعيادهم، أو أنّ المصادفة الكونية جمعت هذه الأعياد في أوقات متداخلة.
لا مانع عند المتطرّفين المتدينين من يهود إسرائيل أن يسافروا إلى دول الخليج تحت مظلة اتفاقات أبراهام، ويقولون إنهم متفاهمون مع العرب المسلمين، ولكنهم يعودون لينكّلوا بالفلسطينيين، ويتعرّضوا لأطفالهم في ذهابهم وإيابهم، ويقطعوا زيتونهم ويهدموا بيوتهم. وهذا ما فعله فرعون بهم، قبل أن يأتي النبي موسى لإنقاذهم وإخراجهم من مصر.
بالنسبة إلى المسلمين والمسيحيين، يؤمن كلاهما بأنبياء الله من بني إسرائيل، سواء أذُكروا في القرآن أم لم يذكروا. والمسلم يرى في كلّ من سبقوا النبي محمداً أنبياء، تمهيداً لقدوم خاتمهم ومتمِّم الرسالة الإلهية بالإسلام.
ما يفعله الإسرائيليون حكومة ومستعمرين ومتطرّفين بأهلنا في فلسطين لا يمكن أن يكون مقبولاً في شريعةٍ من عند الله. وأما تبرير القتل والبطش والتنكيل كما فعل بعض أنبياء اليهود وفقاً للتوراة التي أُضيف عليها، وغيرت وبدلت نصوصها حسب تجارب بني إسرائيل، فهذه ليست ما يؤمن به المسلمون من كتب الله السماوية.
وإسرائيل التي تقبل بهذا مكتوبٌ عليها الزوال، لأنّها ستبقى غريبة ودولة محتلة، مصيرها مثل من سبقوها من الغزاة.