من تدعم الحكومةُ المصرية؟

01 سبتمبر 2021
المواطن المصري يعاني من تقلص الدعم وزيادة الرسوم والضرائب (Getty)
+ الخط -

بعد الاتفاق مع صندق النقد الدولي على قرض الـ12 مليار دولار في نهاية عام 2016، كانت للصندوق بعض الاشتراطات التي أملاها على الحكومة المصرية، واصفاً إياها بأنها نصائح يمكن أن تستعين بها عند إعداد برنامجها للإصلاح الاقتصادي، الذي شدد مراراً على أنه سيكون صناعة مصرية خالصة.

وكان من أهم النصائح التي قدمها الصندوق لمصر أن تعمل على ترشيد إنفاقها العام، من أجل تحسين ماليتها العامة، التي تعاني منذ عقود من عجزٍ بسبب تراجع إيرادات الدولة مقارنة بمصاريفها.

لتعلن الحكومة بعدها نيتها بيع أكثر من عشرين شركة تملكها، وتقلص الدعم على كافة أنواع الوقود، وتفرض الكثير من الرسوم والضرائب المستحدثة، وتضاعف قيمة ما كان موجوداً منها، قبل أن يعلن السيسي أخيراً نيته رفع سعر رغيف العيش، متحججاً بارتفاع كلفة دعمه ليصل إلى المستهلك المصري بسعره الحالي.
وفي تقرير صدر عام 2010 عن الفقر في مصر، قال البنك الدولي إنه مع أزمة ارتفاع أسعار القمح والمحاصيل الغذائية العالمية، فإن دعم الغذاء (متضمناً الخبز) نجح في حماية 12%؜ من الأسر المصرية من النزول تحت خط الفقر.

وفي عام 2018، صدر تقرير آخر قال إن عدد المصريين تحت خط الفقر زاد بنحو 5 ملايين مصري خلال الفترة من 2015 إلى 2018، والتي شهدت قرب منتصفها اتفاق الحكومة المصرية على قرض الصندوق، واضطرارها لتعويم عملتها، وهو ما ترتب عليه انخفاض قيمتها بأكثر من 60% في أيام معدودة.

لا يقتصر دعم الحكومة المصرية للأغنياء على حساب الفقراء على القطار الجديد، حيث ظهر هذا الدعم في العديد من السياسات والقرارات التي تم اتخاذها في السنوات الأخيرة، بصورة توضح انحيازات النظام الحالي وأولوياته

وتشير دراسات متعددة للبنك الدولي إلى أنه برغم وصول الدعم لغير مستحقيه في بعض الأحيان، أو استخدام الخبز المدعوم كعلف للحيوانات، إلا أن برنامج الدعم ساهم بصورة واضحة في تحسين تغذية الملايين وحماية ملايين الأسر من النزول تحت خط الفقر. ويلعب رغيف الخبز في مصر دوراً أساسياً على مائدة أغلب الأسر المصرية في كل وجباتها.
ويأتي قرار السيسي في وقت يتم فيه تخصيص مبالغ ضخمة من الميزانية المصرية للإنفاق على مشروعات البنية التحتية، التي يعتبرها النظام المصري ضرورية لتثبيت حكمه، كما يعاني أغلب السكان من تدهور منظومتي الصحة والتعليم، بينما يتم تخصيص مليارات الدولارات (نعم الدولارات لا الجنيهات) لإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، رغم نفي المسؤولين المتكرر لتمويلها من الموازنة العامة للدولة.

وأعلن السيسي نيته إلغاء دعم رغيف العيش لتوفير ثمانية مليارات جنيه سنوياً، زعم توجيهها لتغذية أطفال المدارس، بعد شهور قليلة من إعلانه الاتفاق مع شركة سيمنز الألمانية على تنفيذ مشروع إنشاء خط قطار كهربائي سريع، بكلفة تقترب من 360 مليار جنيه مصري، ويوحي خط سيره بأنه سيكون مخصصاً لخدمة أغنياء هذا البلد.

وتتكلف المرحلة الأولى من مشروع إنشاء خط القطار نحو مائة مليار جنيه، أي أكثر من كلفة دعم رغيف الخبز في ما يقرب من اثني عشر عاماً.

وبينما يستفيد من دعم الخبز أكثر من 70 مليون مصري، وفقاً للأرقام الرسمية المصرية، لا يتوقع أن يزيد عدد مستخدمي القطار السريع عن 5 ملايين مواطن.

بينما يستفيد من دعم الخبز أكثر من 70 مليون مصري، وفقاً للأرقام الرسمية المصرية، لا يتوقع أن يزيد عدد مستخدمي القطار السريع عن 5 ملايين مواطن

ويمثل إنشاء خط القطار السريع دعماً مادياً واضحاً للأغنياء، حيث يخفض تكاليف انتقالهم وضيوفهم، بينما تعاني سكك حديد مصر من تهالك بنيتها الأساسية، وهو ما تسبب خلال الفترة الأخيرة في عشرات الحوادث التي راح ضحيتها المئات وربما الآلاف، بسبب عدم توفر المبالغ الكافية لإصلاحها.
ولا يقتصر دعم الحكومة المصرية للأغنياء على حساب الفقراء على القطار الجديد، حيث ظهر هذا الدعم في العديد من السياسات والقرارات التي تم اتخاذها في السنوات الأخيرة، بصورة توضح بما لا يدع مجالاً للشك انحيازات النظام الحالي وأولوياته.
وخلال العامين الماضيين، عمد البنك المركزي المصري، بالتنسيق مع الحكومة، إلى تقوية عملة الجنيه، مستعيناً بالقروض الخارجية، لضمان استمرار تدفق استثمارات الأجانب في أدوات الدين بالعملة المصرية ذات الفائدة المرتفعة، وكأنه يدعم أصحاب الأموال الساخنة بمنحهم "أعلى فائدة حقيقية في العالم"، وفقاً لتقرير حديث لوكالة "بلومبرغ" للأنباء، مع ضمان تحقيقهم مكاسب إضافية عند استرداد دولاراتهم بسعر أقل مما باعوها عليه، في ما يعرف بعمليات "تجارة سعر الفائدة".

وتجدر الإشارة إلى أن هذا النوع من العمليات يمثل دعماً صريحاً للمستثمرين الأجانب، يدفع كلفته المواطن المصري، بعدما استحوذ بند خدمة الدين في موازنة الدولة المصرية على ما يقرب من كل قيمة الإيرادات الضريبية السنوية.

ومع استمرار تحقيق الميزان التجاري والحساب الجاري عجزاً متزايداً، واستمرار الجنيه على قوته أمام الدولار خلال العامين الأخيرين، لا يمثل ذلك إلا دعم الحكومة المصرية للمستوردين وللمستثمرين المصريين خارج البلاد، عند شراء احتياجاتهم من الدولار، وهو ما يعني إضافة أخرى للأعباء المحملة على موازنة المواطن المصري وعلى احتياطي النقد الأجنبي.

ولا يعني الاستمرار في دفع معدلات الفائدة المرتفعة على أدوات الدين، ولا إنفاق مليارات الدولارات على توسعة قناة السويس دون تحقيق إضافة حقيقية لإيراداتها، ولا توجيه عشرات المشروعات بالأمر المباشر إلى الشركات التابعة للمؤسسات السيادية، والتي تقوم بدورها بتوجيهها لشركات صغيرة من الباطن بعد تحقيقها أرباحاً ضخمة، ولا الاتفاق على استيراد كميات ضخمة من الغاز من الكيان الصهيوني لمدة عشر سنوات، بأسعار مبالغ فيها جداً مقارنة بالأسعار العالمية، ورغم تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، إلا المزيد من الانحياز للأغنياء والأجانب والحلفاء في الداخل والخارج على حساب موازنة المواطن المهلهلة، ليتم التفكير بعد ذلك في إلغاء دعم رغيف الخبز لتوفير مبلغ لا يمثل واحدا بالمائة مما تم إهداره.
تخفض الحكومة المصرية دعمها للمواطنين يوماً بعد الآخر، بينما تسعى حكومات العالم الأخرى لزيادة دعمها لمواطنيها، خاصة بعد جائحة كورونا، وتبخل الحكومة في مصر على الفقراء بينما تفتح خزائنها للأغنياء والأجانب، ثم تدعي بعد ذلك أنها تحارب الهجرة غير الشرعية، بينما هي المسبب الأكبر لها.

المساهمون