من النخالة إلى البطاطا.. مصر تبحث عن رغيف مدعوم ورخيص

11 اغسطس 2022
تحاول الحكومة بشتى الوسائل الحد من نزيف إنفاق الخزينة العامة للجم العجز (Getty)
+ الخط -

كشف وزير التموين المصري علي المصيلحي، اليوم الخميس، أنّ الوزارة تدرس إمكانية إقامة مصانع لإنتاج عجينة البطاطا وكذلك البطاطس ومدى الجدوى الاقتصادية، بهدف دعم إنتاج رغيف الخبز المدعم.

وعلى هامش جولة تفقدية في محافظة بني سويف (جنوب مصر) أشار المصيلحي إلى أنّ فكرة إضافة البطاطا لإنتاج رغيف الخبز "فكرة عظيمة، خاصة أنّ مصر لديها أراضٍ صحراوية كبيرة، ونستطيع زراعة نوع معين من البطاطا ذات الإنتاجية العالية"، لافتاً إلى أنّ الفكرة مطبّقة في العديد من الدول كالولايات المتحدة وإنكلترا.

وكانت تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا انعكست على أسواق القمح العالمية، من حيث الإمدادات وما تبعه من ارتفاع في الأسعار، نتيجة تناقص المعروض، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الشحن، وهو ما كان له أكبر الأثر على الدول المستوردة ومنها مصر، أكبر مستورد للقمح في العالم.

وسرعان ما تعاملت الحكومة المصرية مع أزمة القمح من منظار "اقتصاد أزمة"، بهدف توفير مخزون استراتيجي من القمح سواء المحلي أو المستورد، إذ إن ما يشغل بال الحكومة في المقام الأول هو الحفاظ على رغيف الخبز المدعم، والذي يستهلك حوالي 10 ملايين طن قمح، تستورد منها مصر 6 ملايين طن ويستفيد منه أكثر من 73 مليون مواطن.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

وسارت وزارة التموين المصرية في طريقين متوازيين للحد من تداعيات الأزمة؛ الأول، رفع المستهدف من توريد القمح المحلي إلى حوالي 6 ملايين طن، بالتنسيق مع وزارة الزراعة، بخلاف التفاوض مع تجار القمح المستورد مباشرة دون مناقصات بهدف سرعة التوريد، والثاني، تعديل مواصفات رغيف الخبز لتقليل نسبة القمح.

العصا والجزرة

واشترطت الوزارة على كل مزارع توريد 12 أردب قمح (أردب= 150 كيلوغراماً) عن كل فدان كحد أدنى، مع حظر بيع ما تبقى من القمح الناتج عن الموسم الحالي لغير جهات التسويق إلا بعد الحصول على تصريح من وزارة التموين، مع عدم جواز نقل القمح من مكان لآخر.

وحذرت الوزارة المزارعين من أنّ مخالفة تلك الاشتراطات تعرضهم للحرمان من صرف الأسمدة المدعمة موسم الزراعة المقبل، وكذلك من أي دعم يقدم من البنك الزراعي.

وأصدر وزير التموين المصري، في وقت لاحق، القرار الوزاري رقم 76 لسنة 2022  باعتبار أنّ عدم تسليم المزارعين لأقماحهم للوزارة بمعدل 12 أردباً عن كل فدان، مخالفة تموينية عقوبتها غرامة تقدر بـ1770 جنيهاً عن كل أردب لم يتم تسليمه. (الدولار= 19.1323 جنيهاً)

وأعلنت الوزارة عن حوافز جديدة لموردي القمح من المزارعين سيتم صرفها بموجب بيان الوزن، أو بإذن تسليم نخالة معتمد من مديرية التموين والتجارة الداخلية، تشمل صرف 120 كيلوغراماً نخالة "ردة" عن كل 12 أردباً تم توريدها، فيما سيحصل على 20 كليوغراماً من النخالة لكل أردب حال تسليم كميات أعلى وبسعر 3800 جنيه للطن.

واستثنت صغار المزارعين الذين يملكون مساحات أقل من فدان من قرار حرمانهم من الحصول على الأسمدة الصيفية المدعمة، حال عدم تسليم حصصهم المقررة، بواقع 12 أردباً عن كل فدان.

خبز النخالة

واضطرت الحكومة للبحث في الأدراج القديمة عن حلول لتقليل نسبة القمح المستخدم في صناعة رغيف الخبز المدعم، فكان الطريق الأسرع، زيادة نسبة الاستخراج من 82.5% إلى 87.5%، بمعنى رفع نسبة النخالة "الردة" في الدقيق بحوالي 5%، إذ إنّ كل 100 كيلوغرام قمح يتم طحنها، ينتج منها 82.5 كيلوغرام دقيق يستخدم في صناعة الخبز التمويني، وباقي الكمية، 18.5 كيلوغراماً، تكون عبارة عن نخالة "ردة"، بنوعيها، ناعمة وخشنة، وهو ما يوفر على الحكومة حوالي 500 ألف طن قمح تقدر قيمتها بنحو 250 مليون دولار.

وطرح الخبز المعدل قبيل عيد الأضحى، في يوليو/تموز الماضي، بأيام قلائل بمظهره الأسمر، نتيجة زيادة نسبة النخالة وسط مشاكل داخل المخابز نتيجة عدم دراية "العجان" بكيفية التعامل مع هذه النوعية الجديدة من الدقيق، الأمر الذي دعا شعبة المخابز لإصدار توصيات بتقليل كمية الخميرة المستخدمة مع استعمال ماء فاتر أثناء التجهيز.

البطاطا

بدأ التركيز على البطاطا كحل لأزمة القمح عقب إعلان وزير التموين عن دراسة إدخال طحين البطاطا ضمن مكونات دقيق رغيف الخبز بنسب من 10% إلى 20%، لتوفير نحو مليون طن من القمح، وسرعان ما اتجهت الأنظار إلى دراسة أعدها الأستاذ بمركز البحوث الزراعية عبد المنعم الجندي، حول الاستفادة من البطاطا في صناعة رغيف الخبز، وتمّت تجربتها بنجاح في محافظة الوادي الجديد.

وأوضح الجندي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنه يمكن خلط البطاطا الحلوة مع القمح بنسبة خلط مختلفة، منها 60% قمحاً و40% بطاطا، وذلك عبر تجارب استمرت لأكثر من 25 عاماً.

وأضاف، أنه نجح في إنتاج 5 أصناف جديدة من البطاطا الحمراء عن طريق عملية التهجين والانتخاب، كان أهمها صنف "الجنداوي" المناسب لإنتاج الخبز، والذي يتميز بزيادة محتواه من البروتين والكاروتين، ومضادات الأكسدة والفيتامينات، مع تناقص محتواه من السكريات.

قمح

وأكد أنّ زراعة 350 ألف فدان بطاطا تكفي الاستهلاك المحلي بالخلط مع القمح، وذلك عبر خطة زراعية على مدار 3 سنوات، وتوفر لخزانة الدولة 64 مليار جنيه (3.5 مليارات دولار).

"رجيع الكون"

وعلى صعيد حل أزمة القمح أثبتت دراسة للباحثين سهير نظمي، رئيس قسم معهد تكنولوجيا الأغذية بمركز البحوث الزراعية، وعمرو مصطفى، أستاذ الكيمياء الحيوية بجامعة القاهرة، نجاح إضافة نخالة الأرز "رجيع الكون" لدقيق القمح المستخدم في صناعة رغيف الخبز بنسبة من 10% إلى 15%، بما يوفر على الدولة نحو 375 ألف طن قمح، بخلاف غناها بالعناصر المعدنية والبروتينات والفيتامينات والألياف.

الذرة

كما أظهرت دراسة بمعهد بحوث المحاصيل الحقلية بمركز البحوث الزراعية نجاح فكرة خلط الذرة الشامية بالقمح لإنتاج الدقيق المستخدم في صناعة رغيف الخبز، إلا أنه كانت هناك دراسة سابقة عن وجود مشروع حكومي لخلط الذرة بالقمح بنسبة 20%، إلا أن المشروع توقف لأن الكمية الموردة من الذرة كانت لا تكفي سوى 3 أو 4 أشهر، كما أنّ مواصفات خبز الذرة واجهتها العديد من المشاكل عند التطبيق، إذ إنّ الرغيف لا يمكن الاحتفاظ به لساعات لأنه "يتفتت"، بخلاف سرعة فساد الخبز لاحتواء الدقيق على نسبة زيوت مرتفعة، ما يجعل رائحته غير مستساغة.

وبحسب وزير المالية المصري محمد معيط، فإنّ ارتفاع أسعار القمح عالمياً رفع تكلفة الاستيراد 3 مليارات دولار كأعباء إضافية موزعة بين الهيئة العامة للسلع التموينية والقطاع الخاص، مشيراً إلى أنّ مصر تحتاج سنوياً ما بين 20 و21 مليون طن قمح، تنتج منها مصر 9 ملايين وتستورد 12 مليوناً.

وتستهدف الحكومة المصرية هذا العام توريد نحو 6 ملايين طن من القمح المحلي بتكلفة إجمالية تبلغ نحو 36 مليار جنيه، بواقع 885 جنيهاً للأردب كأعلى درجة نقاوة، في حين تحتاج لرغيف الخبز المدعم نحو 10.5 ملايين طن.