من السجن إلى القصر... كيف سيغير لولا دا سيلفا وجه الاقتصاد البرازيلي

02 نوفمبر 2022
يملك دا سيلفا سجلاً ناصعاً في إدارة الاقتصاد المحلي ببراغماتية (Getty)
+ الخط -

عاد لولا دا سيلفا لرئاسة البرازيل وكسب معركة الانتخابات الرئاسية الأخيرة بأكثر قليلاً من مليوني صوت يوم الإثنين، بعد معركة شرسة مع منافسه الرئيس المنتهية ولايته والمنتمي لليمين المتطرف جايير بولسونارو.

وبهذا الفوز كسب الرئيس اليساري السابق دا سيلفا دورة رئاسية ثالثة في البرازيل، حيث سبق له أن حكم لدورتين في بداية القرن الجاري.

ويتوقع محللون أن يواصل دا سيلفا نهجة السابق في إدارة الاقتصاد البرازيلي حينما يتسلم الحكم في بداية يناير/ كانون الأول الجاري. كما أن بفوزه تكون أميركا اللاتينية قد تحولت حكوماتها جميعاً إلى اليسار، وهو ما يقلق بعض ساسة الولايات المتحدة والبنوك التجارية والمستثمرين الذين كانوا يراهنون على فوز جايير بولسونارو بدورة ثانية.

أبدت البنوك التجارية وصناديق الاستثمار الغربية تخوفها من فوز الرئيس دا سيلفا الذي ينتمي لليسار

ولكن رغم المخاوف التي يبديها المستثمرون تجاه الرئيس البرازيلي الجديد لولا دا سيلفا بسبب توجهه اليساري، إلا أنه يملك سجلاً ناصعاً في إدارة الاقتصاد المحلي ببراغماتية، وحقق إنجازات كبرى حينما حكم البلاد بين عامي 2003 و2010.

ويتوقع مركز "أتلانتيك كاونسل" للدراسات أن يعمل دا سيلفا على زيادة مستوى التعاون الاقتصادي مع دول أميركا الجنوبية وتكثيف الشراكة الاقتصادية مع أميركا وأوروبا في قضايا التجارة والبيئة.

على الصعيد الداخلي من المتوقع أن يركز على مكافحة التضخم والغلاء ويمنح أهمية أكبر للمشكلات المعيشية في داخل البرازيل. وأوضح دا سيلفا أنه سيعمل خلال دورته الحالية على زيادة معدل النمو الاقتصاد وتوسيع العلاقات التجارية مع القوى الغربية.

ويرى تحليل مركز أتلانتك كاونسل للدراسات أن قضية انتشال الاقتصاد البرازيلي من النمو الصفري الذي ظل فيه منذ عام 2011 ستكون أكبر تحديات الرئيس دا سيلفا.

وكان الاقتصاد البرازيلي البالغ حجمه 1.833 تريليون دولار قد تمكن من النمو في عقود الستينيات والثمانينيات بنسبة فوق 8%.

وتعد البرازيل من الدول القيادية في أميركا اللاتينية من حيث عدد السكان البالغ 216 مليون نسمة والحجم الاقتصادي.

ويرى محللون أن الرئيس دا سيلفا سيعمل على رفع كفاءة الإنتاجية ومستوى التعليم والتأهيل، إذ إنّ البرازيل تعاني من عدم الكفاءة المهنية رغم أنها تنفق على التعليم أكثر من فرنسا وألمانيا.

وتعهد لولا في خطاب النصر بأنه سيكون رئيساً لجميع البرازيليين، في محاولة لكسر شوكة اليمين المتطرف الذي يقوده بولسونارو، كما جرت الانتخابات في جو هادئ.

ومن السجن إلى القصر مجدداً يعود سيلفا للحكم وتسبقه شهرة دولية لانتشال الملايين في البلاد من الفقر، رغم أنه تعرض للسجن بسبب فضائح الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية لخليفته ديلما روسيف.

على الصعيد الاستثماري، أبدت البنوك التجارية وصناديق الاستثمار الغربية تخوفها من فوز الرئيس دا سيلفا الذي ينتمي لليسار، ولكن الكثير من خبراء المال يرون أن دا سيلفا يملك الخبرة والدراية بالأسواق والعلاقات التجارية مقارنة مع منافسة اليميني المتطرف بولسونارو.

ويشيرون في هذا الصدد إلى فترة حكمه بين عامي 2003 و2010 التي حقق المستثمرون الأجانب فيها عائدات قوية من الأموال التي وضعوها في الأسواق البرازيلية.

موقف
التحديثات الحية

في هذا الصدد يقول مدير محفظة فريق العملات الصعبة لديون الأسواق الناشئة في شركة "يانوس هندرسون" الأميركية توماس هاوغارد "إن الأسواق ترى أن لولا أكثر أماناً هذه المرة بسبب قيود الحوكمة الأكثر صرامة التي وضعها الكونغرس البرازيلي".

ويؤكد رئيس ديون الشركات في الأسواق الناشئة في صندوق بارينغز الاستثماري أوتوموند لاوال نفس الثقة بقوله: "تتوقع السوق أن يكون لولا براغماتياً ويتخذ نهجاً أكثر وسطية، بالنظر إلى الهامش الضئيل الذي حققه في الانتخابات".

ويضيف في تعليقات نقلتها نشرة "مورنينغ ستار" الأميركية "الأمل هو أن يتمكن من تكرار النجاح الاقتصادي السابق، خاصة أن الاقتصاد البرازيلي مدعوم هذه المرة بارتفاع أسعار السلع الأولية والطاقة".

ولاحظ مستثمرون أن البورصة البرازيلية دعمت وصول دا سيلفا للرئاسة حيث فتحت سوق الأسهم البرازيلية يوم الاثنين على ارتفاع، وحقق مؤشر بوفيسبا القياسي للبورصة البرازيلية ارتفاعات بنسبة أكثر من واحد في المائة.

ولكن رغم ذلك يشعر مديرو الأموال العالميون عموماً بالقلق عندما يفوز يساريون بالحكم في بلدان الأسواق الناشئة، لكن لولا يعد رقماً سياسياً معروفاً حسب ما يقول مستثمرون. ويلاحظ أن البرازيل أربكت لسنوات توقعات المستثمرين.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

ويستفيد الاقتصاد البرازيلي خلال السنوات المقبلة من ارتفاع حجم ثروات قطاعي التعدين والنفط، ولكن هناك مخاوف على تراجع صادراتها بسبب الانكماش الاقتصادي في الصين.

على صعيد العملة المحلية لاحظ محللو العملات في مصرف "بي أن بي باريبا" الاستثماري الفرنسي أن الريال البرازيلي استفاد من ثلاثة عوامل رئيسية في تحقيق هذا الأداء القوي.

وهذه العوامل هي: ارتفاع أسعار السلع الأولية التي تشكل معظم صادرات البرازيل، وهروب المستثمرين الأجانب من أصول وأسواق روسيا التي اهتزت بعد غزوها أوكرانيا في نهاية فبراير الماضي، وكذلك موجة الفرار من أسهم التقنية الأميركية التي تراجعت بنسبة كبيرة.

استفاد الريال من الزيادة الكبيرة في نسبة الفائدة التي أقرها المركزي البرازيلي، إذ رفع السعر من 2% إلى 11.75% خلال عام واحد

كذلك استفاد الريال من الزيادة الكبيرة في نسبة الفائدة التي أقرها البنك المركزي البرازيلي، إذ رفع الفائدة من 2% إلى 11.75% خلال عام واحد، ثم رفع السعر إلى 13.75% في أغسطس/ آب الماضي.

كما أن الريال استفاد كذلك من ارتفاع أسعار الصادرات البرازيلية من الزراعة والطاقة بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا.

وتعد البرازيل لاعباً كبيراً في سوق الصادرات الزراعية، خاصة القمح. وتمكنت الصادرات البرازيلية من تحويل الميزان التجاري إلى فائض خلال أغسطس/ آب الماضي، إذ ارتفعت الصادرات 30.8 مليار دولار مقارنة مع واردات قيمتها 26.7 مليار دولار. وهذا الفائض يدعم بقوة العملة البرازيلية.

المساهمون