"منشار مايلي" لخفض الإنفاق يقلق الأرجنتينيين

01 ابريل 2024
مايلي يحمل منشاراً كهربائياً خلال حشد انتخابي سبتمبر الماضي (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الرئيس الأرجنتيني خافيير مايلي ينفذ سياسات اقتصادية تجريبية لتقليل الإنفاق العام، مما أدى إلى تقليص الوزارات وتسريح آلاف الموظفين، في محاولة للسيطرة على التضخم وخفض الدين العام.
- توسعت سياسات مايلي لتشمل استهداف وسائل الإعلام وإغلاق وكالة الأنباء الوطنية والمعهد الحكومي لمكافحة التمييز، مما أثار تساؤلات حول أهدافه لمستقبل الأرجنتين سياسيًا واقتصاديًا.
- رغم الجدل، حاز مايلي على دعم جزء من الشعب بخطابه الشعبوي ضد الفساد، لكن سياساته تواجه معارضة متزايدة من النقابات وحكام المقاطعات، مما ينذر بتزايد الاستقطاب ويضع مستقبل مشروعه الاقتصادي على المحك.

يسير الرئيس الأرجنتيني المثير للجدل، خافيير مايلي، في مواجهة تنامي المعارضة لمشاريعه وأفكاره الاقتصادية. منذ أن حمل الرجل منشاره الكهربائي في حملته الانتخابية في خريف العام الماضي، ككناية عن رغبته في انتهاج سياسات تقشفية لخفض الإنفاق العام، بينما باتت بوينس آيرس التي تعاني بالأساس من أزمة اقتصادية كبيرة تشعر بثقل تداعيات سياساته التجريبية.

مايلي، الموصوف بأنه رأسمالي فوضوي وليبرالي متطرف، أراد بمنشاره إعطاء انطباع بأنه قادر على التحكم بشكل أفضل في التوازن بين المداخيل والإنفاق.

ومنذ ديسمبر/كانون الأول الماضي انخفضت أعداد الوزارات من 18 وزارة إلى 9 وزارات مدموجة، إلى جانب خفض سكرتاريا الوزارات من 106 أمانات عامة إلى 54، في سياق شد أحزمة تهدف إلى تقليل المناصب الإدارية، وبالتالي توفير جزء من الإنفاق الحكومي على الرواتب العامة.

منشار مايلي الذي ارتفع ضجيجه مؤخراً ذهب نحو استهداف وزارات الثقافة، والبحث، والبيئة، والتنمية الاجتماعية، والأشغال العامة، والتعليم، والتوظيف، والنقل، والسياحة، والمرأة والتنوع. وتسبب ذلك في شلل في بعض المؤسسات الحكومية، وسط غياب اليقين الشعبي بما يحمله لهم المستقبل.

ومع أن الرجل أبقى على وزارات الاقتصاد، والداخلية، والخارجية، والدفاع، والصحة، إلا أنه بدأ باستهداف وسائل الإعلام خوفاً من تشكل رأي عام يعارض سياساته الاقتصادية. فقد أغلقت حكومته خلال مارس/آذار الماضي وكالة الأنباء الوطنية الأرجنتينية، تيلام (تأسست في عام 1945)، التي اعتبرها مايلي بأنها "ناطق دعائي باسم المعارضة البيرونية اليسارية".

وبحجة التقشف الاقتصادي أيضاً تريد حكومة مايلي إغلاق المعهد الحكومي "إنداي" المتخصص بالعمل ضد التمييز وحماية حقوق المرأة وتعزيز الحقوق الجندرية، ما يطرح أسئلة جوهرية عما يريده الرجل في مستقبل الأرجنتين السياسي، وليس فقط الاقتصادي.

ووجد آلاف الأشخاص أنفسهم أمام كابوس التسريح من القطاع العام، حيث بدأ مايلي بنحو 7 آلاف موظف خدمة مدنية معينين في العام الماضي 2023، إذ لم يجدد عقودهم، إلى جانب إعادة النظر بقسم كبير من العقود المبرمة في عهود الحكومات السابقة، وهو ما كشفت عنه صحيفة "بوينس آيرس تايمز".

وأعلنت وزارة الاقتصاد أن كل ما يجرى هو لأجل خفض النفقات العامة في مختلف الإدارات بنسبة 50%، إلى جانب خفض ما تسميه "النفقات السياسية" بنسبة 34%. ويشمل ذلك العديد من التدابير، ومنها تجميد الأجور والموازنات، وحظر العمل المنزلي، وتعويم قيمة البيزو الأرجنتيني، وخفض الإنفاق العام بما فيه تقليص دعم النقل. وأعلنت الحكومة أيضا أنها ستحول أموالاً أقل إلى مقاطعات الأرجنتين البالغ عددها 23 مقاطعة.

يرغب مايلي في "السيطرة على التضخم"، وهو ما أعلنه منذ بداية حملته الانتخابية في نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي. ولعب الرجل على مشاعر الغضب بين مواطني الأرجنتين ضد الطبقة السياسية والأوضاع الاقتصادية المتدهورة، محملين سوء الإدارة الاقتصادية للحكومات المتعاقبة وتحديات الفساد مسؤولية تردي أوضاعهم.

والتصويت لمايلي جاء كنوع من إظهار إحباط الناس من عجز السياسيين التقليديين على حل معضلة البلد المالية. ويبدي المواطنون الذين يعيش نحو 40% منهم على حافة الفقر موافقة وقبولاً لخفض القطاع العام، وتحديد عدد الوزارات، في سبيل كبح جماح التضخم والدين العام المنفلتين في البلد.

ومع أن التضخم تراجع قليلاً خلال يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط الماضيين فإنه ليس أقل من 273% على أساس سنوي، وهو الرقم الأضخم منذ ثلاثة عقود. وعانت الأرجنتين في نحو عقد ونصف عقد من نمو كبير في الإنفاق العام، حتى أصبح العجز المالي في العام الماضي يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 5%.

نظرة مايلي المثيرة للجدل تتعلق أصلاً بـ"عقيدة" اقتصادية ترى في الدولة عدواً للحرية والحقوق الفردية. وهو يراهن أساساً على أن مواطني البلد، الذي كان في مصاف اقتصادات أميركا اللاتينية، يراهنون عليه من أجل السيطرة على الاقتصاد ومحاربة الهدر والفساد.

ومع أن الاقتصاد هدفه الرئيسي، إلا أنه لا يخفي امتعاضه من "الطبقة السياسية" التي حملها في حملاته الانتخابية مسؤولية انهيار الأرجنتين، ولعب هذا النوع من الخطاب الشعبوي الرأسمالي دوراً في تسويق مايلي ورسائله، إلى حد التسامح الشعبي معه حين يحمل منشاراً كهربائياً متوعداً السياسيين والفاسدين.

قصقصة أجنحة تحالف المال والسياسة في الأرجنتين، بخاصة تداخل الطرفين في أعمال عدت مشبوهة وبأنها أبعدت الأرجنتين عن الشفافية، مما يوقع مايلي أيضاً في مطب التدخل في عمل السلطات، ما يهدد مبدأ استقلاليتها وفصلها.

فالرجل لديه أصابع تتدخل في مجالات الضريبة والمعاشات التقاعدية وحتى البنك المركزي، ويتخذ قرارات فردية بإنهاء عقود وإلغاء مناصب إدارية على نطاق واسع، ما يجعل الأمر غير مسبوق منذ تحول الأرجنتين إلى الديمقراطية قبل نحو أربعة عقود.

لم يسلم بالطبع مايلي من الشارع، حيث شهدت البلاد مظاهرات محتجة على عمل منشار الرجل خلال الشهر الماضي، ما أظهر حالة استقطاب في المجتمع، وخصوصا أن الحزب البيروني الحاكم سابقاً لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة.

أضف إلى ذلك فإنّ النقابات باتت تبدي امتعاضا من سياساته الاقتصادية، والتي يرون أنها تضر بصورة مباشرة بالطبقات الاجتماعية الأقل حظاً والأكثر ضعفا.

مع ذلك، لا يبدو أن فقدان البعض للامتيازات التي كانت لهم في ظل الحكومات الماضية كاف لانقلاب الشارع على مايلي، وإن كان الاستقطاب الحالي قد يشكل أغلبية في الشارع ضد مشروعه وطموحه الاقتصادي، بخاصة أن حكام المقاطعات باتوا ينسقون معارضتهم له، ما يضعف قاعدته الشعبية.

ويعتبر هؤلاء أن حلول مايلي ستؤدي إلى ركود كبير في البلاد، حتى وإن جرى السيطرة على انفلات التضخم، معتبرين أن عمليات تسريح آلاف الموظفين والعمال ستخلق ضغوطاً أمام القطاع الخاص الذي لن يستطيع استيعابهم، وكل ذلك في الوقت الذي لا تملك فيه الأرجنتين نظام ضمان اجتماعي (مثلما هو موجود مثلاً في بعض أنحاء أوروبا الشمالية) لدعم العاطلين عن العمل، ما قد يزحزح المزاج الاجتماعي ضده.

وتأتي المخاوف من تزايد البطالة في ظل خطوات الخصخصة وتنحيف القطاع العام المطروح، إذ يتحالف السياسيون المعارضون مع النقابات القوية للتصدي لمشاريع خصخصة شركات عريقة وكبيرة.

المساهمون