يعرب تجار التجزئة في تونس عن قلقهم من تقليص منتجي الدواجن المعروض لدعم الأسعار والحيلولة دون هبوطها، ما أثار مخاوف من تسبب هذه الممارسات في تصاعد الأسعار خلال الأشهر المقبلة، بخاصة خلال شهر رمضان الذي يحل في مارس/آذار المقبل ويسجل ذروة استهلاك الدواجن واللحوم الحمراء.
يعترض تجار التجزئة على قرار المجمع المهني المشترك للدواجن واللحوم الحمراء الأخير الذي يقضي بخفض الإنتاج الشهري من 13 إلى 11 ألف طن تزامناً مع تسجيل استقرار في الأسعار وصفها التجار بالإيجابية لفائدة المستهلكين.
ومنذ تطوّر استهلاك الدواجن في ثمانينيات القرن الماضي، احتلت الطيور مراتب متقدمة بين مصادر البروتين الحيواني في غذاء الأسر التونسية حتى غدت المصدر الرئيسي خلال السنوات الأخيرة، مع تراجع استهلاك اللحوم الحمراء والسمك لأسباب اقتصادية بالأساس تتعلق بارتفاع أسعارها.
ويقدر رئيس غرفة تجار لحوم الدواجن إبراهيم النفزاوي نسبة الكفاية التي تحققها الدواجن من احتياجات التونسيين من اللحوم بنحو 70%، مشيراً إلى أن تصاعد هذه النسبة في السنوات الأخيرة جاء على حساب اللحوم الحمراء والأسماك نتيجة الغلاء.
يقول النفزاوي لـ"العربي الجديد" إن خفض الإنتاج بقرار رسمي من قبل المجمع المهني يقلق تجار التجزئة الذين يخشون فقدان السيطرة على الأسعار خلال المدة القادمة بسبب نقص العرض. ويؤكد أن الوفرة هي الآلية الوحيدة لتحقيق استقرار على مستوى الأسعار، معتبرا أن ارتفاع سعر الكيلوغرام إلى أكثر من 10 دنانير (حوالي 3.3 دولارات) يمثل تحدياً للسيطرة على السعر .
ويوضح أنه يجري تداول سعر الكيلوغرام حالياً بين 9.2 و10 دنانير وهي أسعار تظل مقبولة عموماً. ويشير إلى أن تجار الجملة يدافعون عن توازن السوق باعتبارهم حلقة الوصل الأساسية بين المنتج والمستهلك.
ووفق بيانات رسمية لمعهد الإحصاء الحكومي تراجعت أسعار الدواجن في ديسمبر/ كانون الأول الماضي بنسبة 3.2% وأسعار البيض بنسبة 3%. وبحسب النفزاوي لا يقدم المجمع المهني تفسيرات لفائدة التجار عن دواعي قرار خفض الإنتاج مرجحاً أن يكون ذلك تحت ضغط المنتجين الذين يفرضون سلطتهم على القطاع.
ورغم مطالبات عدة بالحصول على تمثيلية لتجار التجزئة ضمن تركيبة المجمع المهني المشترك للدواجن واللحوم البيضاء يقول النفزواي إن السلطات ترفض ذلك مبقية الكلمة الفصل في تحديد الإنتاج والأسعار بيد كبار المنتجين الذين يسيطرون على السوق.
ويحمّل صغار منتجي الدواجن في تونس من يصفونهم بـ"حيتان" الشركات الكبرى الناشطة في القطاع، مسؤولية زيادة أسعار الدجاج والبيض بمستويات قياسية وذلك بسبب إحكامها السيطرة على كامل منظومة الإنتاج وتوجيهها الأسعار وفقاً لمصالحها، ما تسبب في إفلاس مئات صغار المربين.
وفي وقت سابق أكد الناشط في قطاع إنتاج البيض حسين غرمول في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه اضطر إلى إغلاق مزراعه والانسحاب من المهنة بعد أكثر من 20 عاماً من النشاط بسبب عدم القدرة على الاستمرار، مع تعاظم نفوذ المجموعات الكبرى، التي تعمل في قطاع الدواجن وإحكام سيطرتها على السوق ما تسبب في إقصاء أكثر من 700 مربٍّ صغير من دائرة الإنتاج.
ويساهم قطاع الدواجن بنسبة 12% في الإنتاج الفلاحي و32% في الإنتاج الحيواني، إضافة إلى مساهمته في تغطية الاحتياجات الاستهلاكية من اللحوم بنسبة تتراوح بين 50% و53% وتوفيره لما لا يقل عن 15 ألف فرصة عمل بحسب بيانات المجمع المهني المشترك لمنتجات الدواجن.
وتحذر مؤسسات مدنية ومنها منظمة "آلارت" التي تنتقد تواصل سيطرة مجموعات كبرى على إنتاج اللحوم البيضاء والبيض.
ويؤكد رئيس المنظمة لؤي الشابي لـ"العربي الجديد" أن الوضع الاحتكاري لهذه المجموعات يسمح لها بالتحكم في الأسعار، وهو ما يجعلها مستفيدة في كل الأحوال سواء خلال إنتاج الأعلاف وبيعها أو عند إنتاج اللحوم والدواجن، من دون مراعاة لمصالح الحلقات الأقل تأثيرا في القطاع ومن بينهم تجار التجزئة وصغار المنتجين.
وسجّل استهلاك التونسيين من اللحوم الحمراء خلال السنوات الماضية تراجعاً كبيراً بسبب الأسعار المرتفعة للحوم الضأن والبقر، حيث تكشف بيانات رسمية لمعهد الاستهلاك الحكومي أن استهلاك الفرد من اللحوم لا يتجاوز 9 كيلوغرامات سنوياً مقابل معدل عالمي لا يقل عن 43 كيلوغراماً سنوياً وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة.
وتترك الأزمات والتحولات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى في تونس بصماتها على موائد الأسر، التي تضطر إلى تعديل كفة النفقات الغذائية وإعادة ترتيب أولوياتها بحسب الدخول المتاحة.