استمع إلى الملخص
- يواجه القطاع تحديات كبيرة بسبب الصراع المستمر، مما أثر على الإنتاجية، لكن الطلب القوي على الحجارة يدعم الصناعة، مع جهود لتدريب الجيل الجديد على مهارات قص وتشكيل الحجر.
- نجحت بعض المناشر في الوصول إلى الأسواق الخارجية، مما يساهم في إنعاش اقتصاد المنطقة ويعكس قدرة المجتمع على التكيف، مع إمكانات لدعم إعادة بناء إدلب اقتصادياً واجتماعياً.
تعد مناشر الحجر واحدة من الصناعات الرئيسية التي تشكل جزءاً حيوياً من اقتصاد إدلب، خاصة في ظل الصراع المستمر الذي أثر بشكل كبير في مصادر الدخل التقليدية، وتعتمد هذه الصناعة بشكل رئيسي على استخراج الحجارة من الجبال القريبة، ومعالجتها لتكون جاهزة للاستخدام في مشاريع البناء والتشييد، وتتميز حجارة إدلب بجودتها العالية مما يجعلها سلعة مطلوبة محلياً ودولياً.
وتشكّل مناشر الحجر فرصة عمل مهمة، حيث توفر مئات الوظائف في مجالات متعددة، بداية من عملية استخراج الحجارة من الجبال باستخدام آلات حديثة أو طرق تقليدية، وصولاً إلى قص وتشكيل الحجارة في المناشر، ويصنف العمال في هذه المناشر بين مهرة متخصصين في القص والتشكيل، وبين عمال يساهمون في النقل والترتيب.
أحمد الدودي، وهو في أوائل الثلاثينيات من عمره، كان يعيش حياة بسيطة في إحدى القرى الريفية جنوب إدلب ويعمل مزارعاً على قطعة صغيرة من الأرض ورثها عن والده، لكن مع تدهور الوضع الأمني واضطراره للنزوح، فقد أحمد مصدر دخله الأساسي. وجد أحمد بعد استقراره في مدينة إدلب، فرصة عمل في أحد مناشر الحجر، وعلى الرغم من عدم امتلاكه أي خبرة سابقة، بدأ عاملاً بسيطاً في نقل الحجارة.
يقول أحمد "كان الأمر صعباً في البداية، حيث أعمل لساعات طويلة وأحياناً في ظروف صعبة وأجرة قليلة لا تتجاوز الـ100 ليرة تركية في اليوم، ولكن كنت أعرف أن هذه الفرصة يمكن أن تساهم في تحسين حياتي". ومن خلال التعلم والمتابعة، تمكن أحمد من تطوير مهاراته في قص الحجر وتشكيله، وبعد عدة سنوات وبمساعدة بعض الأصدقاء، أسس أحمد ورشة صغيرة خاصة به التي وفّر من خلالها اليوم فرص عمل لخمسة عمال آخرين ويصدر إنتاجه إلى تركيا.
تحديات أمام مناشر الحجر في إدلب
أما الخبير في تقنيات قص الحجر حسن البكر، والبالغ من العمر (45 عاماً) فقد كان يعمل في هذه الصناعة منذ شبابه وشهد تطور المناشر على مر السنين، والذي تحدث عن التغييرات الكبيرة التي طرأت على الصناعة، قائلاً: "كنا نستخدم معدات حديثة قبل الحرب تساعدنا على تحقيق إنتاج كبير بجودة عالية، لكن بعد تدمير معظم المناشر أو تضررها، عدنا لاستخدام معدات قديمة أو معدلة بشكل يدوي، حيث يتطلب الأمر المزيد من الجهد، لكننا مضطرون للتكيف مع هذه الظروف".
ويتابع "مررت بفترات صعبة جداً خلال الحرب، لكنني لم أستطع التخلي عن هذا العمل، نحن الآن ننتج كميات أقل، لكن الطلب على الحجر ما زال قوياً، وهذا يساعدنا على الاستمرار". وعبّر حسن عن شغفه بتعليم الجيل الجديد هذه المهنة، ويشير إلى أنه بدأ بتنظيم ورش عمل صغيرة للشباب لتدريبهم على مهارات قص وتشكيل الحجر، ويقول "هذا القطاع يحتاج إلى جيل جديد من المهرة، وأنا أشعر بالمسؤولية لنقل خبرتي إلى هؤلاء الشباب ليكونوا قادرين على بناء مستقبلهم".
وعلى الرغم من الوضع الأمني المتقلب، فإن بعض مناشر الحجر في إدلب نجحت في الوصول إلى أسواق خارجية، حيث يجري تصدير الحجارة إلى دول مجاورة، مثل تركيا ودول الخليج، وتجري عملية التصدير عبر وسطاء وشركات محلية ودولية تقوم بتنظيم الشحنات من إدلب إلى الموانئ أو الحدود، وتلعب هذه التجارة دوراً كبيراً في إنعاش اقتصاد المنطقة، وتساهم في تحسين الظروف المعيشية لبعض العائلات.
خالد النعسان، وهو صاحب منشار حجري يعمل في إدلب منذ أكثر من 15 عاماً، تحدث عن التحديات التي واجهها خلال سنوات الحرب، وكيف تمكن من الحفاظ على نشاطه التجاري، رغم الظروف القاسية. يقول خالد لـ"العربي الجديد"، إن "الأمور كانت مستقرة إلى حد كبير قبل الحرب، ونصدر الحجر إلى مختلف المناطق في سورية وخارجها، لكن مع بداية الصراع توقفت حركة التجارة، وكادت المناشر تتوقف تماماً مع الوقت"، لكن النعسان "تعلم كيفية التكيف مع الوضع الجديد، بدءاً من تعديل أساليب العمل لتقليل التكاليف وصولاً إلى البحث عن طرق غير تقليدية لتصدير المنتجات".
من جهته، تحدث محمد الحميد، مالك أحد المناشر المحلية المتخصصة في إنتاج أنواع مختلفة من الحجر، أهمها الغرانيت والرخام والبلاط والحجر الأصفر والعفني، عن التحديات الكبيرة التي تواجه قطاع التصدير في ظل الظروف الأمنية والسياسية الراهنة. ويقول لـ"العربي الجديد" إن "التصدير إلى الخارج أصبح مهمة معقدة بسبب الإغلاقات المستمرة للحدود، وصعوبة التنقل بين المناطق المختلفة في سوريا، ولذا يضطر للعمل عبر وسطاء لضمان وصول المنتجات إلى الأسواق الخارجية، خاصة في تركيا والخليج".
ورغم التحديات، يرى محمد أن "سوق الحجارة في إدلب ما زال يمتلك إمكانات كبيرة، إذ إن مناشر الحجر في إدلب تمثل أكثر من مجرد صناعة تقليدية، فهي تعكس قدرة المجتمع على الصمود والتكيف مع الظروف الصعبة، وتقدم نموذجاً عن كيفية تحويل التحديات إلى فرص"، مضيفاً أنه "مع توفير جانب من الدعم والتعاون المحلي والدولي، يمكن لهذه الصناعة أن تلعب دوراً أكبر في إعادة بناء إدلب اقتصادياً واجتماعياً".