- توترات تظهر من خلال توقف الرحلات الجوية واغتيالات شخصيات إيرانية في سورية، بينما تسعى دمشق لتهدئة الأوضاع عبر تكثيف اللقاءات والعمل على مشاريع مشتركة.
- الوجود الروسي يحد من التمدد الإيراني في سورية، خصوصًا في قطاعات النفط والفوسفات، مما يؤدي إلى خسارة اقتصادية لإيران ويهدد بأزمة عميقة بين البلدين.
يرى وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المعارضة عبد الحكيم المصري أن العلاقات الإيرانية مع النظام السوري دخلت في نفق التراجع، سواء على صعيد التبادل التجاري الذي تراجع إلى أكثر من النصف، أو بالنسبة لتنفيذ الاتفاقات الموقعة والاستثمارات الموعودة منذ سنوات من دون أن تجد طريقها إلى التنفيذ.
وفي تصريحات خاصة بـ"العربي الجديد"، يلاحظ الوزير مطالبة إيران المستمرة سورية بسداد ديونها المتراكمة منذ عام 2012، والتي تزيد عن 50 مليار دولار، "رغم عدم وجود رقم دقيق لحجم الديون سوى تصريح صدر في عام 2020 عن النائب حشمت الله فلاحت بيشه، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية، حيث قال إن بلاده أنفقت ما بين 20 و30 مليار دولار في سورية لدعم بشار الأسد".
وبعد تملص نظام الأسد من منح طهران مشروعات سبق أن وعدها بها على صعيد الفوسفات ومشغل الخلوي واستثمارات نفطية، ساهمت بالتصعيد الذي طفا إلى السطح خلال الفترة الأخيرة و"تلويح طهران بتغيير نهج تعاطيها"، الأمر الذي فتح الباب أمام مصرف إيراني مشترك في دمشق، وربما "نرى بعض جوائز الترضية بقطاع الطاقة قريباً"، لأن روسيا، بحسب الوزير السوري، تمنع منح إيران استثمارات في قطاع النفط كما منعت منحها استثمار مرفأ اللاذقية، بعد أن استأثرت موسكو بقطاع المرافئ منذ عام 2019 واستحوذت على ميناء طرطوس لـ49 سنة قابلة للتمديد.
كانت حكومة بشار الأسد قد وافقت أخيراً على افتتاح شركة تأمين ومصرف مشترك، إيراني سوري
وكان قرار إيران بتوقف الرحلات الجوية إلى سورية، قبل أيام، قد أثار العديد من التكهنات حول تأزّم العلاقات، رغم أن رئيس منظمة الطيران المدني الإيراني محمد محمدي بخش نسب السبب إلى "الظروف الخاصة التي تمر بها سورية" وأن الرحلات ستعود إلى طبيعتها بعد إعلان من وزارة الخارجية الإيرانية.
وقف الطيران "شكلي"؟
ويؤكد مصدر خاص من دمشق لـ"العربي الجديد" أن وقف الطيران "شكلي، وإلى مطارات دمشق وحلب فقط" وذلك خشية القصف الإسرائيلي المتكرر للمطارات والشحنات الإيرانية، كاشفاً خلال اتصال أن"قرار وقف الطيران دهاء لأن الطيران الإيراني يهبط في مطار اللاذقية وبحماية روسية".
ولا ينكر المصدر السوري "تأزم العلاقات نسبياً"، لأن تكرار اغتيالات شخصيات إيرانية بارزة في سورية وضع إشارات استفهام من الجانب الإيراني واتهم بوجود أطراف داخل النظام السوري "مخترقة أو تعمل لحساب جهات خارجية"، الأمر الذي دفع دمشق، بحسب المصدر، لتكثيف اللقاءات مع الجانب الإيراني لوقف المطالبة بالديون وتسريع تنفيذ المصرف المشترك، إضافة إلى العمل بسرعة على ملفات عدة، منها تصفير الرسوم الجمركية وإقامة منطقة تجارة حرة بين سورية والعراق وإيران.
والأمر، بحسب المصدر من دمشق، لم يعد سراً، بل أشار إليه أمين المجلس الأعلى للمناطق التجارية الصناعية الحرة والاقتصادية الخاصة في إيران حجة الله عبد الملكي، ودمشق أبدت موافقتها قبل أيام.
وكانت حكومة بشار الأسد قد وافقت أخيراً على افتتاح شركة تأمين ومصرف مشترك، إيراني سوري، واعدة خلال اجتماع الهيئة المشتركة لغرف التجارة بتفعيل الاتفاقات الموقعة، بما فيها مشروعات طاقة واستثمار الفوسفات والتبادل التجاري بالعملات المحلية.
اتفاقات بالجملة لكن من دون تنفيذ
لكن الاتفاقات الأحد عشر الموقعة بين البلدين خلال زيارة الرئيس الإيراني العام الماضي إلى دمشق لم تلق طريقها للتنفيذ، كما تراجعت استثمارات طهران، التي دخلت بأربعة مشاريع منذ 1991 إلى 2005 بتكلفة بنحو 5 مليارات ليرة سورية ومن ثم سبعة مشاريع بين أعوام 2006 و2010، الأمر الذي أدى إلى تراجع التبادل التجاري وفتور العلاقات أخيراً.
ويقول مدير عام منظمة غرب آسيا لتنمية التجارة عبد الأمير ربيهاوي إن صادرات بلاده إلى سورية في العام الماضي (الشمسي الإيراني) وصلت إلى 244 مليون دولار، في حين لم تزد في العام الحالي عن 120 مليون دولار، مبيناً خلال تصريحات الأحد الماضي أن "هذه ليست إحصائية تستحق التعاون الاقتصادي بين البلدين".
والهاجس ذاته كرره رئيس المكتب السوري بوزارة الخارجية شاه حسيني: "المسؤولون الإيرانيون والسوريون يشكون من تدني مستوى العلاقات الاقتصادية"، مضيفاً خلال تصريحات نقلتها وكالة "مهر" قبل أيام أن حجم العلاقات التجارية خلال تسعة أشهر بين البلدين 100 مليون دولار، وهو أمر مؤسف، ملمحاً إلى الوجود الروسي: "إذا لم نذهب إلى هذا البلد الآن حيث ليس لدينا منافسون أقوياء في سورية، فسيكون من الصعب تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين في المستقبل".
ويقول رجل الأعمال السوري محمد طيب العلو إن المنتجات الإيرانية التي تدخل سورية هي مماثلة للإنتاج المحلي، مثل حليب الأطفال والمعلبات والأدوية، أو منتجات بمواصفة متدنية مثل المحولات الكهربائية وألواح الطاقة وأدوات منزلية صحية وغيرها.
لولا أن نظام الأسد ممسوك من النفط الإيراني وحماية كرسي الوراثة، لربما رأينا تمرداً وتضييقاً
وفي حين لا يربط رجل الأعمال السوري العلو بين تراجع التبادل التجاري مع ايران وتحسن علاقة نظام الأسد مع الدول العربية، يشير لـ"العربي الجديد" إلى أن سورية خرجت منذ العام الماضي من قائمة الدول الـ15 الأولى التي تستورد منها إيران، وذلك لأسباب عديدة منها تراجع كمية ونوعية الإنتاج السوري وفي مقدمته الألبسة، كما أن فتح الأسواق الخليجية أمام إنتاج سورية الزراعي قلل من التصدير إلى إيران.
وأكد عدم رغبة "معظم التجار" بالتعامل مع إيران لأن التجارة محفوفة بمخاطر التحويل والتحصيل وتتدخل فيها اعتبارات سياسية، وهي ما يدفع السوريين للهروب من التعامل مع الجانب الإيراني.
ولا ينكر وزير الاقتصاد في الحكومة السورية المعارضة عبد الحكيم المصري أثر البيروقراطية والإتاوات في سورية، حتى على الجانب الإيراني والواردات، ولولا أن نظام الأسد ممسوك من النفط الإيراني وحماية كرسي الوراثة، لربما رأينا تمرداً وتضييقاً، خاصة أن مواصفة الإنتاج الإيراني رديئة، وكل ذلك "بدعم وغض طرف من روسيا" لأن موسكو لا تقبل بمزيد من التمدد الإيراني إلى مواقع القرار أو دخولها بقطاعات اقتصادية محددة، بمقدمتها النفط والفوسفات.
ويسترجع الوزير المصري تاريخ الوجود الإيراني في سورية: "كانت ثالث أكبر مستثمر قبل الثورة" والعلاقات تعود إلى بداية حكم حافظ الأسد عام 1970، ولم تتأثر العلاقات خلال الحرب الايرانية العراقية، بل زاد التبادل والاستثمارات لتصل وقتذاك إلى 400 مليون دولار، وتستمر الاستثمارات لتصل إلى نحو 10 مليارات دولار عام 2010، قبل أن تتراجع تباعاً منذ عام 2011، فيما لو قيّمنا التبادل غير النفطي.
أهداف المصرف المشترك
ويلفت الوزير إلى أن ما نراه من ترويج لاستثمارات وأعمال مشتركة كان قيد التنفيذ قبل عام 2011، منها المصرف المشترك الذي كاد يرى النور عام 2010 برأسمال 30 مليون دولار وقتذاك، محذراً من أهداف المصرف اليوم التي قد تطاول مصادرة أملاك المقترضين قبل الثورة وهم اليوم خارج البلاد، فضلاً عن الالتفاف على العقوبات وزيادة الخلل في المعروض النقدي في السوق السورية.
ويرى المصري أن إيران تستعد اليوم للسيطرة على قطاعات العمران والزراعة والكهرباء السورية، بعد إغلاق قطاع النفط بوجهها، مبيناً أن خطى حكومة الأسد نحو خصخصة الكهرباء وفتح قطاعات للاستثمار تصب في هذا الجانب.
ولكن في المحصلة، وفق الوزير بالحكومة السورية المعارضة عبد الحكيم المصري، تبقى إيران خاسرة اقتصادياً في سورية ولا تصل عائداتها إلى مستوى القروض أو ما تنفقه على مشروعها التوسعي في المنطقة، لذا زادت المطالبة بالديون وتنفيذ الاتفاقات في الآونة الأخيرة، والتي من غير المستبعد أن تتمخض عنها أزمة عميقة، لأن حكومة الأسد غير قادرة على إيفاء الديون.
كما تمنع روسيا التمدد الإيراني، وهذا ما يزيد من توقع تصاعد الأزمة أو منح طهران، بسبب الضغط والمطالبة بالديون، قطاعات ذات عائد كبير، مثل الفوسفات أو مشغل خلوي أو حتى استثمارات نفط وغاز وإن محدودة.