مكاسب متزايدة لدعوات مقاطعة السلع الإسرائيلية ومحكمة فرنسية تدعم المقاطعين

02 ابريل 2024
حملات المقاطعة وجهت ضربات مؤلمة إلى الشركات الداعمة لإسرائيل (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تزايد الدعوات لمقاطعة منتجات الكيان الصهيوني والدول الداعمة لها، خاصة بعد الحرب على غزة والغزو الأميركي للعراق، تعتبر وسيلة للمقاومة والتعبير عن الرفض للظلم.
- المقاطعة أثبتت تأثيرها الاقتصادي بخسائر بمليارات الدولارات للشركات الداعمة لإسرائيل، مما يؤكد على قوتها كأداة للتغيير الاجتماعي والسياسي.
- الاعترافات القضائية الدولية تؤكد على شرعية المقاطعة كجزء من حرية التعبير السياسي، مما يعزز من موقف الداعين للمقاطعة ويشجع على استمرار الجهود.

لا تزال دعوات مقاطعة منتجات الكيان الصهيوني والدول الداعمة للاحتلال في حربه على غزة تحقق مكاسب جديدة في العديد من دول العالم مع استمرار الحرب الهمجية على أهلنا في القطاع.

في المقابل أضحت دعوات المقاطعة اعتيادية داخل الدول العربية والإسلامية مع توالي الشدائد والملمات، وأحياناً ما تُقابل بالتسفيه والتشويه والتثبيط.

وقد بدأت دعوات المقاطعة مع الغزو الأميركي للعراق عام 2003 ثم توالت بعد ذلك مع كل اعتداء على المقدسات الإسلامية، خاصة حرق المصحف الشريف في السويد والدنمارك والرسوم المسيئة للنبي صلي الله عليه وسلم في فرنسا وغيرها من الدول.

والحقيقة أن الزخم الشعبي الذي تكتسبه دعوات المقاطعة يتناسب طرداً مع حجم الكبت الذي تمارسه السلطات على التحركات الشعبية المتطلعة للدفاع عن مقدساتها وأرضها، ولكن لا يمكن إنكار أن دعوات التثبيط والتسفيه من النتائج وتشويهها تخلق مناخاً من التشويش على الجماهير العريضة الممنوعة من التعبير بحرية عن آرائها، وعن اتخاذ مواقف عملية تجاه قضاياها العادلة، ولا يتبقى أمامها إلا خيار المقاطعة خياراً أخيراً يمكّنها من الانخراط في أدنى درجات المقاومة الممكنة.

ومن بين دعاوى التثبيط عن المقاطعة، الادعاءات بأنها تضر بالاقتصاديات الداخلية للدول التي تقوم جماهيرها بالمقاطعة حيث ستضر المبيعات.

ومن ثم ستخسر الشركات وتضطر إلى تقليص الوظائف، مما يعني وقوع الضرر على جمهور المعارضين أنفسهم، وللأسف لم يقدم المتخصصون سواء في الاقتصاد أم في العلوم الشرعية آراء متكاملة تنتشل تلك الجماهير من حيرتها وتغلق الأبواب أمام المثبطين والطوابير المحلية المجهزة لخدمة الأجندات الأجنبية.

وعلي سبيل المثال فتحت مقاطعة شركات المشروبات الغازية الداعمة للكيان الصهيوني الباب واسعاً أمام مضاعفة مبيعات علامات تجارية محلية توارت طويلاً تحت ضربات تسويقية كاسحة من الشركات العالمية، وهو الأمر الذي يبين ببساطة أن العمال المفصولين من فروع الشركات العالمية سيجدون فرصاً وظيفية جديدة في شركات وطنية.

بالإضافة إلى مكاسب الاقتصاد الوطني بعدم تحويل الأرباح إلى الخارج والحفاظ على النقد الأجنبي الشحيح من الأساس، وكذلك بالتأكيد توجيه ضربات موجعة إلى الشركات المتبجحة بدعم الكيان.

موقف
التحديثات الحية

عموماً نحن أمام نوعين من الشركات يمكن أن تشملهما دعوات المقاطعة: الأول مقاطعة فرع من فروع الشركة الأم، والحالة هنا بسيطة وواضحة حيث سيلحق الضرر بالفرع، ثم الشركة الأم التي تتكون أرباحها من مجموع أرباح فروعها.

والثانية مقاطعة شركة مملوكة لمستثمر محلي حاصلة على امتياز استخدام العلامة التجارية للشركة الأم، وعادة ما تدفع مبلغاً محدداً من المال للشركة الأم.

أما عند توقيع العقد، فإن الشركة الأم لن تخسر شيئاً، في حين يخسر المستثمر المحلي الذي يوظف العمالة ويشتري منتجات محلية لتشغيل مشروعه، وبالتأكيد ستكون المقاطعة في هذه الحالة ظاهرياً ضارة لهذا المستثمر. ولكن تجدر الإشارة أن السائد في امتياز استخدام العلامات التجارية هو دفع مبلغ مقدم، بالإضافة إلى تحويل نسبة من الأرباح السنوية، أي إن الشركة الأم تتضرر كذلك.

والحالة السابقة تحتاج إلى الجهود البحثية في المجال الاقتصادي، فمثلاً يمكن للشركات المتضررة أن تنشر الجزء من التعاقد الذي يؤكد عدم تحويل نسبة من الأرباح السنوية، أو البحث في إمكانية إحلال علامات تجارية محلية أو غير ذلك، مع تقدير ممنهج للضرر الناجم عن كل خيار، كما يحتاج الأمر إلى اجتهاد فقهي من مجامع فقهية ذات مصداقية لدى القطاعات الواسعة من الجماهير العربية والإسلامية.

ولا شك أن حسم تلك الإشكاليات اقتصادياً وفقهياً سيدعم نتائج دعوات المقاطعة والتي باتت السلاح الأخير في أيدي الجماهير الممنوعة قسراً عن المشاركة، خاصة أن دعوات المقاطعة تراكمت وتنامت مكاسبها في الحرب الاجرامية الدائرة على أهلنا في غزة.

محكمة فرنسية تؤكد مشروعية المقاطعة

في نهاية مارس/آذار الماضي، صدر حكم مهم من محكمة استئناف باريس وهي الدرجة القضائية الأعلى في فرنسا، مفاده أن الدعوة إلى مقاطعة المنتجات المستوردة من إسرائيل هي جزء من حرية التعبير السياسي.

يأتي ذلك استكمالاً للحكم الذي أصدرته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان يوم 11 يونيو/حزيران 2020 بناء على المادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي تقضي بقانونية دعوات مقاطعة بضائع الكيان.

وكانت تلك الأحكام استجابة للجوء 11 شخصاً تابعين لحملة " بي دي إس فرانس" والتي تدعو إلى مقاطعة دولة إسرائيل بوصفه محتلاً وسحب الاستثمارات منها، إلى المحكمة الأوروبية بعد إدانتهم بتهمة التحريض على التمييز الاقتصادي ضد الأفراد بسبب انتمائهم إلى دولة ما.

ومن هنا يُعدّ صدور تلك الأحكام انتصاراً كبيراً لنشطاء المقاطعة بعد أن ملأت الفراغ التشريعي الفرنسي والأوروبي بشأن دعوات المقاطعة والتي كانت تستغله الحكومات لزجر النشطاء وترهيبهم ومنعهم عن تلك الدعوات.

وبوجود تلك الأحكام وتشابكها مع حالة الغضب المتصاعد عالمياً من الاجرام الصهيوني، من المؤكد أن تكتسب دعوات المقاطعة الاستمرار والتصاعد، الأمر الذي سيقضي على ما تبقى من الصورة المزيفة التي طالما روّجها الكيان بكونه واحة للحرية والديمقراطية.

مكاسب كبيرة لحملات المقاطعة

وجّهت حملات المقاطعة ضربات مؤلمة إلى الشركات التي تبجحت بإعلانها تقديم الدعم المالي للكيان الصهيوني، وقد تجلى ذلك في خسائر بمليارات الدولارات وتدهور حاد لقيم الأسهم المتداولة في البورصات العالمية، بالإضافة إلى إغلاق العديد من الفروع في عدة دول.

وقد تكبدت شركة ماكدونالدز خسائر ضخمة، حيث خسرت نحو سبعة مليارات دولار من قيمتها بعد تصريح المدير المالي بأن المبيعات الدولية ستواصل الانخفاض في الربع الحالي 2024، وذلك تحت ضغط الصراع الجاري في الشرق الأوسط، وضعف الطلب في الصين، كما تكبدت ستاربكس خسائر بقيمة 11 مليار دولار بعد شهر واحد فقط من بداية الحرب على غزة.

كما كشفت تقارير صحافية نشرت في مارس/آذار الماضي أن مجموعة "الشايع" عملاقة البيع بالتجزئة في منطقة الخليج وصاحبة امتياز ستاربكس في الشرق الأوسط، تعتزم تسريح أكثر من 2000 من العاملين بها بسبب التضرر من مقاطعة المستهلكين المرتبطة بحرب غزة، وأنه حتى منتصف مارس الماضي فقدت الشركة أكثر من 10% من قيمتها السوقية.

ومع مطلع يناير/كانون الثاني الماضي أعلنت شركة كوكاكولا هي الأخرى أنها تكبدت خسائر فادحة بلغت أكثر من 600 مليون دولار ومعها شركة بيبسي بسبب دعمهما لجيش الاحتلال الإسرائيلي، وتمتنع بالتأكيد بعض الشركات عن الإفصاح عن الخسائر وتطورها، في حين تناور الأخرى بتغيير مسمّيات المنتجات بغية الهروب من مستنقعات الخسائر.

المكاسب أكبر بكثير من الشركات الخاسرة

تعد الخسائر الاقتصادية للشركات خطوة مهمة على طريق تهذيب التبجح الاستعماري في دعم القتل والإرهاب الصهيونيين، ولكن من الواضح أن هناك العديد من المكاسب الأخرى تتزايد في التوازي مع تلك الخسائر، ومن أهمها ترميم حالة الوعي العالمي بعدالة القضية الفلسطينية وفضح الوجه الصهيوني الحقيقي الذي لطالما تجمّل تحت ستار امتلاكه وتحكّمه في معظم وسائل الإعلام الكبرى في العالم.

ومن المكاسب المتصاعدة كذلك التنبيه إلى أهمية الدعم القادم من دول أميركا اللاتينية والتي بادرت بطلب محاكمة قادة الكيان، وتخفيض مستوى العلاقات مع تل أبيب، واتخاذ مواقف صريحة فاضحة للكيان، وذلك بدلاً من الدوران الدائم اقتصادياً وسياسياً طيلة نصف قرن حول الدول الأوروبية والتي من الواضح أنها تسعى نحو تكريس استعمارها بأشكال جديدة وعبر ذراعها الاستراتيجي المجرم.

وإن المكسب الأكبر كذلك هو حالة الوعي الكبير والمتنامي بين الأطفال والشباب في بلادنا ليس بالقضية التي كادت تفقد كلياً بالتطبيع والشراكات الاقتصادية مع الكيان فحسب، ولكن أيضاً بأهمية دوره وإن اختزل حالياً في المقاطعة، غير أن من المؤكد أن يتسع في المستقبل القريب إلى أدوار كبيرة في معارك التحرر من التبعية والاستبداد وتحرير الأقصى الأسير.

المساهمون