قرر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، مواصلة المفاوضات التجارية لمرحلة ما بعد بريكست، رغم الصعوبات بهدف تجنب انفصال بدون اتفاق ستكون عواقبه الاقتصادية وخيمة.
وقال المسؤولان في بيان مشترك بعد مكالمة هاتفية، اليوم الأحد: "رغم الإرهاق بعد حوالى عام من المفاوضات، رغم واقع أنه تم تجاوز المهل مرات عدة، نعتقد أن المضي قدماً في هذه المرحلة هو أمر مسؤول". وأضافا "لذلك كلّفنا مفاوضينا مواصلة المباحثات ورؤية ما إذا كان ممكناً التوصل إلى اتفاق في هذه المرحلة المتأخرة".
إلا أن جونسون أكد بعيد ذلك أن فشل المفاوضات يبقى السيناريو "الأكثر ترجيحا"، بينما بقي المسار في الأيام السابقة سلبياً.
وقبل إجراء هذه المكالمة الهاتفية، التقى كبير المفاوضين البريطانيين ديفيد فروست نظيره الأوروبي ميشال بارنييه صباح الأحد في مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل، غداة مفاوضات أخيرة استمرت حتى وقت متأخر من مساء أمس السبت.
وشهدت المفاوضات منذ بدئها في مارس/ آذار الماضي الكثير من التقلبات. وحذر سكرتير الدولة الفرنسي للشؤون الأوروبية كليمان بون من أن تمديد المباحثات مجددا "لن يتجاوز بضعة أيام كحد أقصى. فنحن بتنا الآن في الوقت الإضافي".
وأكد رئيس الوزراء الإيرلندي مايكل مارتن، الذي تقع بلاده في خط المواجهة في حال حصل خروج بدون اتفاق، عبر شبكة "بي بي سي" أنه يأمل "بشدة" في التوصل إلى اتفاق، مضيفا "واقع أن التفاوض حتى ساعات الليل هو بحدّ ذاته مؤشر مهمّ".
ورغم تكثيف المباحثات لا تزال الخلافات كبيرة بين البريطانيين الذين يريدون حرية مطلقة على الصعيد التجاري والأوروبيين الحريصين على حماية سوقهم الموحدة الشاسعة.
وفي مؤشر إلى ارتفاع منسوب التوتر، أعلنت وزارة الدفاع البريطانية أن سفنا تابعة لسلاح البحرية الملكية في حالة جهوزية لحماية مناطق صيد الأسماك الوطنية، حيث قد تسجل توترات في حال عدم التوصل إلى اتفاق.
وستخرج بريطانيا التي انسحبت رسميا من الاتحاد الأوروبي في 31 يناير/ كانون الثاني2020، نهائيا من السوق الأوروبية الموحدة والاتحاد الجمركي بحلول 31 ديسمبر/ كانون الأول الجاري.
ويحتم عدم التوصل إلى اتفاق، أن تحكم قواعد منظمة التجارة العالمية التبادل التجاري بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي مع ما يحمله ذلك من فرض رسوم جمركية أو نظام حصص ما قد يشكل صدمة جديدة للاقتصاد الذي يعاني أصلا من تبعات جائحة فيروس كورونا الجديد.
وتتعثر المفاوضات حول ثلاثة مواضيع: وصول صيادي الأسماك الأوروبيين إلى المياه البريطانية وطريقة تسوية الخلافات في اتفاق مستقبلي والضمانات التي يطالب الاتحاد الأوروبي لندن بها في مجال المنافسة في مقابل الوصول الحر إلى أسواقه.
والاتحاد الأوروبي مستعد لمنح لندن إمكان دخول السوق الأوروبية من دون رسوم جمركية أو نظام حصص، لكنه يريد في المقابل التحقق من أن المملكة المتحدة لن تلجأ إلى إغراق الأسواق من خلال ابتعادها عن المعايير البيئية والاجتماعية والضريبية الأوروبية أو تلك المتعلقة بالمساعدات الرسمية.
وإن حصل ذلك، يريد الاتحاد الأوروبي أن يكون قادراً على اتخاذ تدابير رد سريعة مثل فرض رسوم جمركية من دون أن يضطر إلى الانتظار إلى حين بت الخلاف في إطار إجراءات تحكيم عادية، سعياً إلى حماية الشركات الأوروبية. إلا أن لندن ترفض ذلك كليا.
وأكد مصدر أوروبي لوكالة فرانس برس "يعتبر الاتحاد الأوروبي حماية السوق الموحدة خطا أحمر. ما اقترحناه على المملكة المتحدة يحترم السيادة البريطانية ويمكن أن يشكل أساسا للاتفاق".
عمليا وتحسبا لعدم التوصل إلى اتفاق، عرضت المفوضية الأوروبية تدابير طارئة تهدف إلى الحفاظ على حركة النقل البري والجوي لمدة ستة أشهر بين الطرفين بشرط أن تفعل لندن الشيء نفسه. وتهدف الإجراءات أيضا إلى ضمان الوصول المتبادل إلى مناطق الصيد لسفن كلا الطرفين في العام 2021.
ورغم الاتفاق بين لندن وبروكسل على مواصلة المفاوضات، إلا أن توتر القطاعات الاقتصادية المختلفة يتزايد، حيث قالت هيلين ديكنسون، الرئيسة التنفيذية لاتحاد التجزئة البريطاني، إن الافتقار المستمر إلى الوضوح حتى الآن، قبل أقل من ثلاثة أسابيع من نهاية الفترة الانتقالية، يسبب مشاكل للشركات البريطانية.
وأضافت ديكنسون في تصريحات صحافية :" لقد انتهت الدورة الحادية عشرة، وكل لحظة تمر من عدم اليقين تجعل من الصعب على الشركات الاستعداد بشكل فعال ليوم الأول من يناير/كانون الثاني 2021".
وأشارت إلى أن البريطانيين سيواجهون أكثر من 3 مليارات جنيه إسترليني من الرسوم الجمركية على المواد الغذائية، ولن يكون أمام تجار التجزئة خيار، سوى تمرير بعض هذه التكاليف الإضافية لعملائهم، الذين قد يشهدون ارتفاع الأسعار خلال العام الجديد.
وعلاوة على ذلك، فإن الشيكات الجديدة والروتين الذي سيتم تطبيقه اعتباراً من مطلع الشهر المقبل، ما سيخلق عبئاً إضافياً على تجار التجزئة وعملائهم.
وقالت ديكنسون إنه في حين أنه لا يمكن لأي قدر من التحضير من قبل تجار التجزئة أن يمنع الاضطراب تماماً، فلا داعي لشراء المزيد من الطعام من قبل المواطنين بشكل أكبر من المعتاد، لأن التأثير الرئيسي سيكون على المنتجات الطازجة المستوردة، مثل الفاكهة والخضروات، التي لا يمكن تخزينها لفترات طويلة من قبل تجار التجزئة أو المستهلكين.
بدوره قال وزير أوروبا الأيرلندي، توماس بيرن :" إنهم شعروا بالحاجة إلى الابتعاد عن سيناريو الرابح والخاسر. وإن لم يتم التوصل إلى اتفاق، فالجميع خاسر. أما في حال وجود صفقة، فسيربح الجميع".