تزداد معدلات الفقر في الشمال السوري عاماً بعد آخر نظراً للأوضاع المعيشية الصعبة وعدم وجود مصادر دخل كافية يضاف إليها ارتفاع الأسعار ومصاعب النزوح وانعدام مقومات الحياة.
ففي غضون عام واحد، سجّلت أسعار المواد الغذائية في مناطق الشمال السوري التي تسيطر عليها المعارضة ارتفاعاً لا يقل عن 100%، وفق ما قاله العامل في أحد المتاجر الغذائية بمدينة الدانا شمال إدلب مهاب الحسن (37 عاماً) لـ"العربي الجديد"، موضحاً أن "هذا الارتفاع في الأسعار لم يرافقه ارتفاع مماثل في الأجور".
وأضاف الحسن أنه "لدى مقارنة بسيطة لأسعار المواد الغذائية بين العام الفائت والعام الحالي، يتبين أن الأسعار زادت الضعف".
وأشار إلى أن "أسعار اللحوم الحمراء ارتفعت، حيث يباع كيلو لحم الغنم حالياً بملا يقل عن 330 ليرة تركية مقابل 200 منذ عام، كما ارتفع سعر لحم الدجاج إلى 49 ليرة تركية مقارنة بـ 30 ليرة".
وأكد أن "أسعار الخضار والفاكهة ارتفعت في الشمال السوري بنسب تتراوح بين 75% و100%، بينما لا تقل نسبة ارتفاع المواد التموينية من سكر ورز وبرغل وفول وزيت وسمن عن 50%".
تدني الأجور
وبيّن الحسن أنه يعمل في المتجر مقابل أجرة يومية لا تتعدى الـ100 ليرة تركية (نحو 3.3 دولارات)، بينما يحتاج إلى مبلغ لا يقل عن 250 ليرة كمصروف يومي لعائلته المؤلفة من زوجة وثلاثة أبناء.
وقال الحسن إن "أسعار السلع لا تلبث أن تزيد أضعافاً مع كل ارتفاع لسعر صرف الدولار أمام الليرة التركية، أما الأجور فارتفاعها محدود جداً".
وتحتاج الأسرة التي تقيم في الشمال السوري إلى أكثر من 5 آلاف ليرة تركية شهرياً كحد أدنى لتأمين اللوازم المعيشية الضرورية، بينما يعيش آلاف السكان على أقل من 30% من هذا المبلغ.
ولم ترتفع أجور العمال في الشمال السوري، بسبب قلة فرص العمل المتاحة، وعدم وجود قرارات رسمية تحدد سقف أدنى للأجور، فيما ترتفع الأجور فقط للعاملين في منظمات المجتمع المدني، الذين يتقاضون رواتبهم بالدولار وهي نسبة قليلة مقارنة مع الغالبية العظمى لساكني شمال غرب سورية ممن لا وظائف لهم ولا أعمال.
ويشكو العامل أحمد القدور (28 عاماً) المقيم في مدينة حارم شمال غرب إدلب، من قلة الأجور في إدلب والتي لم تعد تتناسب مطلقاً مع ما ينفقه الفرد يومياً في ظل ارتفاع الأسعار، حيث يعمل في مجال البناء لنحو 12 ساعة يومياً مقابل 100 ليرة تركية فقط.
وتحدث القدور عن صعوبة عمله وتقطعه وعدم استمراره فيما لا يتوفر فرص عمل أخرى دائمة في ظل ما يعيشه من صعوبات الحياة داخل مخيمات النزوح.
ارتفاع أعداد مستحقي المساعدات الإنسانية
من جانبها، تحدثت مريم القادري (44 عاماً) المقيمة في مخيمات دير حسان عن قلة المساعدات الإنسانية مؤخراً، في الوقت الذي تعتمد عليها اعتماداً كلياً بعد وفاة زوجها بكورونا منذ أكثر من عام تاركاً لها ستة أبناء، اضطرت للاعتماد على عمل عدد منهم مؤخراً جراء الفقر والحاجة.
وتقول "كنت أحصل في السابق على قسيمة شرائية أتدبر من خلالها شؤون أبنائي وأحضر لهم بعض الاحتياجات الأساسية، غير أن انقطاعها وضعني أمام خيارات صعبة، وهي التخلي عن دراسة أبنائي وتوجيههم للعمل في الورش والمحلات من أجل الحصول على قوت يومنا".
وتتوالى التقارير الدولية المحذرة من مخاطر استفحال المأساة الإنسانية والمعيشية، التي تفتك بملايين السوريين، من جراء تراكمات الأزمة التي تمر بها البلاد منذ ما يزيد عن أثنا عشرة عاماً.
وقال فريق "منسقو استجابة سورية" في تقرير له صدر مؤخراً إن هناك ارتفاعاً بأعداد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في سورية عموماً، وصل إلى 17.3 مليون نسمة في نسبة هي الأعلى منذ 2011 بزيادة 1.4 مليون مدني عن العام الماضي، وتظهر الأرقام بوجود 54 % من المحتاجين بدرجة شديدة و22% بدرجة شديدة للغاية و1.3% بدرجة كارثية.
وأظهرت المعطيات الأولية التي تمت دراستها وفق تقييم أولي للواقع الإنساني عن "وجود أرقام كارثية وغير مسبوقة وصل إليها المدنيون في سورية خلال العام الماضي".
ومن هذه الأرقام وفقاً للتقرير "ارتفاع نسبة التضخم إلى 95% على أساس سنوي، كما أن 88% من العائلات تعجز عن تأمين احتياجاتها الأساسية، بينما يغطي متوسط دخل الأسرة 26% من النفقات، أي يوجد 74% كفجوة بين دخل الأسرة ونفقاتها".
وأكد التقرير أن "77% من مياه الصرف يتم طرحها دون معالجة و54% من المشافي و51% فقط من المراكز الصحية تعمل بكامل طاقتها".
ولفت إلى أن "سعر سلة الغذاء المعيارية ارتفعت بنحو 112%، وأن 12.9 مليون نسمة يعاني من انعدام الأمن الغذائي، مع زيادة قدرها 800 ألف نسمة عن العام الماضي، عدا عن أن أكثر من 2.2 مليون طفل خارج المدارس".
وقال الفريق إن "جميع الأرقام والنسب المحددة هي نظرة أولية لآفاق قاتمة تنتظر السوريين خلال العام الحالي".
وطالب الفريق بـ"زيادة التركيز على ضرورة استمرار تدفق المساعدات الإنسانية إلى سورية وفق الآليات الدولية المعتمدة حالياً، محذراً من أن أي خلل أو تغيير في طريقة عمل أو دخول المساعدات الإنسانية فإنه يفتح الباب أمام كوارث أكبر من الأرقام المذكورة أعلاه".