مصر وصندوق النقد... ملفات عالقة تضع الحكومة في مأزق

22 نوفمبر 2024
سوق في إحدى المناطق الشعبية حيث يعاني المواطنون من غلاء قياسي للسلع (جون ريفورد/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- السياسات النقدية والتضخم: أظهرت المفاوضات بين الحكومة المصرية وصندوق النقد الدولي نجاحًا في سياسة التشدد النقدي، لكن فشل الالتزام ببرنامج الطروحات العامة والخصخصة أثر على نمو القطاع الخاص. هناك تباين في تقدير التضخم بين الحكومة وخبراء دوليين.

- المفاوضات مع صندوق النقد: أعلن رئيس الوزراء عن تقدم في المفاوضات مع تعديل مستهدفات اقتصادية، لكن بيان الصندوق أشار إلى استمرار الخلافات حول السياسات والإصلاحات المتبقية.

- تحديات القطاع الخاص واستقلالية البنك المركزي: يواجه القطاع الخاص تحديات بسبب سيطرة الحكومة على الاقتصاد، واستقلالية البنك المركزي تبقى قضية خلافية بين الصندوق والحكومة.

حددت مصادر مطلعة على المفاوضات الجارية بين الحكومة وصندوق النقد الدولي نتيجة أعمال لجنة المراجعة الرابعة بالصندوق بأن مصر نجحت بسياسة التشدد النقدي، وفشلت في الالتزام ببرنامج الطروحات العامة والاتجاه نحو الخصخصة وتوسيع فرصة القطاع الخاص للنمو وتعريف الدعم الذي يجري تغييره من قبل الحكومة، برفع أسعار السلع، دون معرفة الهياكل التنظيمية المحددة لسعر السلع والخدمات التي تقدمها الحكومة للمواطنين.

كما تبقى قضية وضع حسابات دقيقة لمعدلات التضخم، ومدى التزام الحكومة بالمعايير الدولية لحساب التضخم الحقيقي بالبنك المركزي، وبأسعار المستهلكين، التي يجريها جهاز الإحصاء الحكومي، مبادئ شديدة الخلاف بين خبراء الصندوق والحكومة، وفقا لمسؤول حكومي سابق، أكد لـ"العربي الجديد" رغبة الحكومة بالسير على المنوال الحالي لحسابات التضخم، الذي يقدر بـ26.5% في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بينما تقدره مؤسسات مالية وخبراء دوليين بنحو 90% على أساس سنوي.

استبق رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي الأحداث بإعلانه من جانب واحد، في بيانه الأسبوعي مساء الأربعاء الماضي، أن المفاوضات شهدت تقدما كبيرا مع صندوق النقد وتفهما واضحا لطلبات مصر بشأن دعم الإصلاحات الاقتصادية بإخطار وفد الصندوق تعديل عدد من المستهدفات المحددة في مرحلة المراجعة الرابعة، التي دعا إليها الرئيس، المتعلقة بإطالة الفترة الزمنية لرفع الدعم السلعي وزيادة أسعار المحروقات، بعدما تسببت في الضغط على المواطنين ورفع معدلات التضخم.
اكتفى خبراء الصندوق بتوزيع بيان صحافي بدلا من عقد مؤتمر صحافي موسع يجريه عادة رئيس بعثة الصندوق مع أجهزة الإعلام المحلية والدولية للإعلان عن نتائج المراجعة للبرنامج، أشار إلى انتهاء عمل البعثة في مصر. قالت مساعدة المدير التنفيذي ورئيس وفد البعثة إيفانا هولار في البيان الصحافي: "لا تزال هناك بعض الأمور التي يتعين الانتهاء منها قبل إتمام المراجعة الرابعة، حيث ستستمر المناقشات خلال الأيام المقبلة لوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاق على السياسات والإصلاحات المتبقية التي يمكن أن تدعم استكمال المراجعة الرابعة".

خلافات عميقة بين الطرفين

فسر الخبير الاقتصادي ووكيل وزارة التجارة الأسبق عبد النبي عبد المطلب تصريحات هولار بوجود خلافات عميقة بين الطرفين تتعلق بالخطوات التي اتخذتها مصر بشأن تنفيذ متطلبات المرحلة الرابعة، استدعت تأجيل إعلان النتائج لحين عرضها على مديري صندوق النقد وإعادة التفاوض بشأنها مع الحكومة، مؤكدا أن الدفعة الرابعة من قرض الصندوق ستظل رهينة نتائج عرضها على المجلس التنفيذي لمدراء الصندوق في منتصف ديسمبر/ كانون الأول المقبل، ليتخذ قرارا بالموافقة على القرض لدعم مصر سياسيا أو دعوة الحكومة إلى تنفيذ البرنامج بشروطه القائمة.

أنهت البعثة عمليات المراجعة بعدة مقابلات مع محافظ البنك المركزي ووزراء وقيادة المجموعة الاقتصادية والبترول والكهرباء والتموين والتضامن الاجتماعي، وإعداد تقرير تفصيلي سيقدمه الخبراء لمجلس المديرين التنفيذيين بالصندوق، ليدلي برأيه النهائي حول الموافقة على منح مصر قرضا بقيمة 1.3 مليار دولار، وإعادة عرض حصول الحكومة على طلب قرض صندوق الصلابة والاستدامة التابع للصندوق، بقيمة 1.2 مليار دولار، والذي تأخر إصداره منذ يوليو/ تموز 2024.
أجرى خبراء الصندوق تدقيقا حول التزام البنك المركزي بمرونة سعر الصرف وتوفيره لمن يطلبه، ووقف القيود التي وضعها "المركزي" في فبراير/ شباط 2023، التي تحدد نوعية السلع والجهات التي يمكن أن تحصل على الدولار من البنوك، بما يلغي كافة قوائم انتظار الموردين والأفراد الراغبين في شراء السلع الأجنبية دون التقيد بنوعيتها.

كشفت عمليات المراجعة عن عدم التزام الحكومة بخطة التقشف في الاستثمارات وتوجيه موارد الموازنة، بعد إنفاق نحو 900 مليار جنيه، بعد مرور أربعة أشهر على سريان موازنة 2024/ 2025، لتقترب من السقف المحدد بتريليون جنيه، بما يعني خروجها على الاتفاق الموقع مع إدارة الصندوق، في مارس/ آذار الماضي، والتوجه نحو العودة إلى السحب على المكشوف من البنوك لحساب الجهات الحكومية أو طباعة النقود لتغطية العجز المالي، بما يدفع إلى مزيد من معدلات التضخم.

الدولار والدعم

أوضح الخبير الاقتصادي مدحت نافع أن الحكومة أصبحت أمام مسارين في مواجهة صندوق النقد، أحدهما يشمل الالتزام ببرنامج الإصلاح المالي والهيكلي الموقع مع الصندوق منذ عامين وتجدد تطبيقه بعد رفع قيمة القرض من خمسة مليارات إلى ثمانية مليارات دولار في مارس/ آذار 2024، مبينا أن المسار الآخر يرتبط بتخارج الدولة من الاقتصاد، لأن استمرارها يؤثر على زيادة الدين العام.
فسر نافع تذبذب سعر الدولار والعملات الصعبة أمام الجنيه الذي تراجع أمام كافة العملات منذ حضور بعثة صندوق النقد إلى القاهرة، بأنه يعكس التزام البنك المركزي بتنفيذ مرونة سعر الصرف، رغم الصعوبات التي تواجه الحكومة في تدبير العملة الصعبة للشركاء الدوليين وخاصة شركات الطاقة، وضعف إيرادات قناة السويس، ووجود كميات هائلة من البضائع المتراكمة بالمنافذ الجمركية، وطلبات الموردين الذين ينتظرون موافقة البنوك على تمويل دخول بضائعهم إلى السوق المحلية.
وأشار إلى استمرار المناقشات بين وفد الصندوق والحكومة حول تعريف الدعم، دون التطرق إلى مبادئ تحويله إلى دعم سلعي أو نقدي، حيث يرغب الصندوق في التوصل إلى نظام يحدد كلفة السلع المدعومة، وسبل الرقابة عليها، لمنع تسرب قيمة الدعم عبر شبكات الفساد والبيروقراطية التي تضيف أعباء مالية إلى قيمة السلع والخدمات، ترفع كلفة الدعم دون وصولها للمواطنين المستحقين لها بدقة.

اقتصاد عربي
التحديثات الحية

يذكر نافع أن استقلالية البنك المركزي ستظل من القضايا الخلافية بين الحكومة والصندوق، رغم تأجيل تنفيذ حوكمة البنك المركزي خلال المراجعة الثالثة التي انتهت في إبريل/ نيسان الماضي، مشيرا إلى رغبة الصندوق في تحقيق استقلالية البنك المركزي، لمنع استخدام الحكومة الجهاز المصرفي والأذرع المالية للدولة في إقراض الجهات الحكومية على المكشوف، ومنح مشروعات بعينها قروضا بفوائد مخفضة، بينما تعطل فرص الاستثمار والتنمية التي يقوم بها القطاع الخاص وتصب في مصلحة الدولة.
أجرى وفد الصندوق لقاءات موسعة مع قيادات البنوك العامة الكبرى لبحث مسألة طرح بنوك القاهرة والمصرف المتحد وبنك الاستثمار وأسهم بنك الإسكندرية المملوكة للدولة ضمن المرحلة الأولى لبرنامج الطروحات العامة خلال مدة لا تتجاوز 2025، مستهدفا الحد من توظيف الحكومة السيولة المالية الهائلة لدى البنوك العامة في توجيه أموالها للاستثمار في شراء السندات الحكومية، بما يضمن لها ربحية هائلة دون أن تشارك في تمويل أي مشروعات تدفع النمو المتراجع.

تراجع حصة القطاع الخاص في مصر

حرص وفد الصندوق على مقابلة عدد من رجال الأعمال وأعضاء بجمعيات رجال الأعمال والمركز المصري للدراسات الاقتصادية، للاطلاع على رؤيتهم بشأن سماح الحكومة للقطاع الخاص بالنمو. قدم رجال أعمال إحصاءات بتراجع حصة القطاع الخاص من الاستثمارات العامة من 26% إلى 17% منذ توقيع الاتفاق مع الصندوق عام 2022، لاستمرار الحكومة في الحصول على القروض من البنوك العامة لصالح مشروعاتها الكبرى التي تجري بالأمر المباشر لشركات حكومية وتابعة للأجهزة السيادية، التي تحصل على قروض وعلى الدولار بأسعار تفضيلية، دون أن تورد أي إيرادات لميزانية الدولة، وتدفع القطاع الخاص إلى الخروج من السوق أو البحث عن فرص بديلة للاستثمار في الخارج.
طالب رجال الأعمال بتوقف الحكومة عن إسناد المشروعات العامة لشركات الجيش والجهات السيادية وفتح المجال أمام القطاع الخاص للمنافسة على قدم وساق مع الشركات العامة، ووقف الإسناد المباشر وإلغاء القوانين الاستثنائية المعطلة لقانون المزادات والمناقصات والمنافسة ومكافحة الاحتكار.

يبدي خبراء اقتصاد مخاوفهم من التزام الحكومة بتطبيق صارم لضوابط البنك الدولي في ما يخص تحرير سعر الصرف دون توجه حقيقي لزيادة معدلات النمو عبر برامج تحفيز اقتصادية حقيقية ترفع معدلات الإنتاج والتشغيل لضمان سداد الديون التي تتراكم على الموازنة العامة من موارد حقيقية، مشيرين إلى أن صندوق النقد يهتم بضمان استرداد القروض بالمواعيد التي يحددها، وتوفير السيولة بالعملة الصعبة للمستثمرين والمستوردين دون الالتفات إلى الآثار السلبية لسياساته.

تناقضات في ملف التضخم

قال الخبير الاقتصادي عميد أكاديمية النقل البحري السابق محمد علي إن المفاوضات التي يجريها صندوق النقد الدولي مع الحكومة تستهدف خفض التضخم ومعدل زيادة الفائدة، في وقت تسبب فيه مرونة سعر الصرف التي يلزم بها البنك المركزي في زيادة الأسعار ومعدلات التضخم، وتدفع الحكومة إلى الاعتماد على الأموال الساخنة في تدبير العملة الأجنبية، التي تبحث عن استقرار نسبي في سعر الصرف وأعلى فائدة على الجنيه لضمان عائد عند خروجها بالدولار أعلى من الأسواق المنافسة.
أضاف الخبير الاقتصادي أن هذه السياسات المتضاربة تضع محاذير أمام المستثمرين الجادين في قطاعات القطاعات الإنتاجية، بينما تفتح الباب فقط للمغامرين بالأموال الساخنة، التي تزيد هيمنة الدولار على الأسواق وترفع معدلات الديون التي يجري تدويرها بكلفة أعلى، وأشار إلى ضرورة التزام الحكومة باتفاق الحكومة مع الصندوق والبرلمان بعدم زيادة القروض الأجنبية للتخفيف من كلفة فوائد وأعباء الدين الخارجي، والحد من الطلب على الدولار بما يعمل على استقرار سعر الصرف ويشجع المستثمرين الجادين على الاستثمار المباشر في حال رصدهم تراجعا حقيقيا بمعدلات التضخم واستقرارا بالعملة.
في سياق متصل، تعهدت الحكومة لخبراء الصندوق بإجراء تغييرات واسعة في برنامج الطروحات العامة بهدف تغيير نوعية الشركات المطروحة للبيع، والتي فشلت في الترويج لها خلال العامين الماضيين، ووضع جدول جديد، ستعلن عنه خلال أيام، بقائمة تضمن الشركات التي انتهت من تقييم أصولها، ترى أن السوق جاهز لقبولها، سواء عبر البيع في البورصة أو لكبار المستثمرين، بما يوفر السيولة المالية للموازنة العامة وتمويل المشروعات الكبرى المدرجة بالخطة الاستثمارية للدولة والتي تعطل تنفيذها لصعوبات بالتمويل خلال العام الجاري. وسيعلن وزير الاستثمار حسن الخطيب قائمة الشركات المطروحة للبيع في مؤتمر صحافي خلال أيام، وفقا لبيان صادر عن الوزارة في مطلع الأسبوع الجاري.

المساهمون