يستأنف مجلس النواب المصري جلساته العامة اعتباراً من الأحد المقبل، ولمدة ثلاثة أيام، لأخذ الرأي النهائي بشأن حزمة من التشريعات المعدة من الحكومة، سبق ووافق عليها البرلمان في مجموع موادها، وفي مقدمتها مشاريع قوانين "الصكوك السيادية" و"إنشاء صندوق الوقف الخيري" و"صندوق الطوارئ الطبية"، فضلاً عن مناقشة مشروعين لفصل الموظفين المحسوبين على جماعة "الإخوان المسلمين" من الجهاز الإداري للدولة.
ويستهدف مشروع قانون "الصكوك السيادية" طرح أصول الدولة المصرية أمام الدائنين بنظام حق الانتفاع لمدة 30 عاماً، ما يهدد برفع كلفة الديون على الأجيال القادمة. إذ نص القانون على إصدار الصكوك بالجنيه المصري أو بالعملات الأجنبية، عن طريق طروحات عامة أو خاصة بالسوق المحلية أو بالأسواق الدولية.
وعاقب القانون بالحبس مدة لا تقل عن سنتين، ولا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه، ولا تزيد على 5 ملايين جنيه، أو بإحدى العقوبتين، كل من أصدر صكوكاً سيادية، أو عرضها للتداول على خلاف الأحكام المقررة في التشريع.
وتختلف الصكوك عن الأوراق المالية الحكومية الأخرى (كالسندات وأذون الخزانة)، في أنها تخضع للمضاربة، وتتعرض للخسارة أو الربح، بوصفها تمثل حصصاً شائعة في حقوق منفعة الأصول المملوكة للدولة ملكية خاصة، أو لأي من الأشخاص ذوي الاعتبارية العامة، فالممول شريك في حقوق الانتفاع بالأصول.
أما مشروع قانون "إنشاء صندوق الوقف الخيري"، فهو يهدف إلى استغلال أموال "الوقف الخيري" في مصر، من خلال منح وزير الأوقاف سلطة التصرف في أموال الوقف، وتوجيهها لصالح إقامة المشروعات الخدمية والتنموية والبنية التحتية، بحجة معاونة الدولة في ملف التطوير.
ونص القانون على أن "ينشأ صندوق باسم الوقف الخيري تكون له الشخصية الاعتبارية، ويتبع رئيس مجلس الوزراء، بغرض دعم أجهزة الدولة في إقامة وتطوير المشروعات الخدمية والتنموية والبنية التحتية، وغيرها من المشروعات الاجتماعية والاقتصادية التي تُساهم في دعم الموقف الاجتماعي والاقتصادي للدولة".
وتعد أموال الوقف الخيري هي كلمة السر في استمرار وزير الأوقاف محمد مختار جمعة في منصبه منذ يوليو/ تموز 2013، وعدم طرح اسمه ضمن أي تعديل حكومي، لا سيما أنه تولى الإشراف على إعداد هذا التشريع المكمل لقانون تنظيم هيئة الأوقاف، وذلك للاستفادة من أصول وأموال الوقف في الحد من عجز الموازنة العامة للدولة، وتمويل المشاريع الكبرى التي يتبناها الرئيس عبد الفتاح السيسي، على غرار العاصمة الإدارية الجديدة.
وفي مارس/ آذار 2018، أصدرت هيئة كبار العلماء في الأزهر بياناً ترفض فيه اقتراحاً تشريعياً يسمح باستغلال الدولة أموال الوقف الخيري، مشددة على أنه "لا يجوز شرعاً تغيير شرط الواقف، أو التصرف في الوقف على غير ما شرطه".
في سياق متصل، يفرض مشروع قانون "صندوق الطوارئ الطبية" المزيد من الرسوم على المصريين لتمويل موارد الصندوق، بدعوى عدم قدرة ميزانية الدولة على دعم قطاع الصحة، وتلبية رغبات واحتياجات المواطنين، في ظل الأوضاع الاقتصادية الناجمة عن تفشي جائحة كورونا.
واستهدف القانون دعم وتمويل الخدمات الطبية المقدمة للمواطنين، وكفالة استدامتها في حالات الكوارث والطوارئ الطبية والأزمات والأوبئة، وإيجاد آلية لاستدامة تمويل الخدمات المقدمة من وزارة الصحة للمواطنين في مجال الوقاية والعلاج والتأهيل.
وعلى وجه أخص القضاء على قوائم الانتظار للمرضى، ودعم شراء الأدوية، ومواجهة تمويل حالات الحوادث الكبرى والطوارئ والعناية المركزة والحروق، وما يستجد من احتياجات لا تكفي الاعتمادات المالية المتاحة في موازنة الدولة لتغطيتها.
وتتكون موارد الصندوق من المساهمات المالية للعلاج على نفقة الدولة في التدخلات الطبية التي يغطيها الصندوق، وأرصدة حساب صندوق دعم الدواء، وحساب صندوق مشروع القضاء على قوائم الانتظار للمرضى، فضلاً عن فرض نسبة 1% من حصيلة الحسابات الخاصة بديوان عام وزارة الصحة، و2% من سعر بيع مستحضرات التجميل المستوردة، و3% من سعر بيع المبيدات الحشرية المُعدة للاستخدام في غير الأغراض الزراعية.
في موازاة ذلك، يناقش مجلس النواب تعديلاً مقدماً من النائب علي بدر، وأكثر من 60 عضواً، على قانون "الفصل بغير الطريق التأديبي"، والهادف إلى فصل أي موظف في الجهاز الإداري للدولة يثبت انتماؤه إلى جماعة "الإخوان المسلمين".
ويتعارض التعديل مع أحكام المادة 53 من الدستور المصري، التي نصت على "عدم التمييز بين المواطنين أمام القانون بسبب الانتماء السياسي أو لأي سبب آخر"، وكذلك مع المادة 65 التي نصت على أن "حرية الفكر والرأي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر".
يُذكر أن وزير النقل المصري كامل الوزير طالب مجلس النواب، في جلسة 26 إبريل/ نيسان الماضي، بإدخال تعديل تشريعي لـ"التخلص من العناصر المتطرفة والإخوانية في جهاز الدولة"، إثر زعمه أن أعضاء جماعة "الإخوان" لا يريدون الأمن والسلامة لمصر، ما يتطلب استبعادهم من القطاعات الحكومية الهامة.
ويُعتبر التعديل مقدمة لتطبيق خطة الحكومة للتنكيل بجماعة "الإخوان"، وامتداداتها في المجتمع المصري، على قطاع السكك الحديدية، كما حدث في قطاعات عدة، منها التعليم والبنوك وشركات البترول، ودواوين الوزارات والهيئات العامة والجامعات منذ عام 2019، بإصدار قرارات بفصل أكثر من أربعة آلاف موظف (منهم 1500 من وزارة التربية والتعليم وحدها)، من الوزارات الخدمية، وكذا في الجهات الحساسة في الدولة، ونقل العشرات الآخرين إلى وزارات وهيئات خدمية، بحجة انتمائهم أو انتماء أقاربهم من الدرجتين الثالثة والرابعة للجماعة.
ويناقش البرلمان كذلك مشروعاً مقدماً من الحكومة بتعديل بعض أحكام قانون المحكمة الدستورية رقم 48 لسنة 1979، والذي يهدف إلى منحها حق الرقابة القضائية على دستورية قرارات المنظمات والهيئات الدولية، وأحكام المحاكم وهيئات التحكيم الأجنبية، المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة المصرية، والحكم بعدم الاعتداد بمثل هذه القرارات، أو بالالتزامات المترتبة على تنفيذها.
وطرحت الحكومة المصرية هذا المشروع بغرض تمكينها من وقف تنفيذ الأحكام والقرارات الصادرة عن محاكم ومنظمات وهيئات دولية ذات طبيعة سياسية أو قضائية في مواجهة الدولة المصرية، أو التي ترتأي السلطة الحاكمة في مصر أنها تخالف الدستور أو التشريعات المحلية.
واستهدف تعديل القانون قطع الطريق على أي حكم ضد مصر، أو قرار ملزم لها بأداء مستحقات، أو تعويضات مالية، أو أدبية، أو الالتزام بنصوص معينة من معاهدات دولية، أو توقيع عقوبات تتطلب رفع الضرر الواقع على أشخاص، أو أطراف أو جهات، من خلال تقدم رئيس الوزراء بطلب إلى المحكمة الدستورية لوقف تنفيذ تلك الأحكام أو القرارات بذريعة مخالفتها للدستور المصري.
ويخالف التعديل بشكل صريح اتفاقية فيينا التي وقعت مصر عليها بشأن المعاهدات الدبلوماسية، والحاكمة لجميع اتفاقيات الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، والتي تسمح للدول بالتحفظ على بعض مواد أو بنود الاتفاقيات التي توقع عليها، ليكون تنفيذها مقيداً بالنصوص الدستورية المحلية. لكنها تحظر وقف تنفيذ القرارات والأحكام الخاصة بتلك الاتفاقيات، أو المترتبة عليها بأحكام قضائية محلية.