تواجه الحكومة المصرية مأزقاً حاداً في السيطرة على الغلاء المتفاقم وتوفير السلع الأساسية التي تعتمد على استيرادها من الخارج، وسط تقارير دولية تحذر من اضطرابات اجتماعية، ما دعاها إلى طرق أبواب العديد من مؤسسات التمويل الدولية للحصول على قروض بمليارات الدولارات لتأمين الغذاء للبلد الذي يتجاوز عدد سكانه 100 مليون نسمة وتشهد معدلات الفقر فيه زيادات غير مسبوقة.
واشتدت حدة انتقادات المصريين في الآونة الأخيرة، لإنفاق عشرات مليارات الدولارات من القروض والمساعدات الدولية خلال السنوات الثماني الماضية على مشروعات واسعة غير ذات جدوى اقتصادية تبناها الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ وصوله إلى الحكم منتصف عام 2014، وتتضمن شبكة عنكبوتية من الكباري وإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة (شرق القاهرة) بجانب منتجعات فاخرة في مدينتي "العلمين" على البحر المتوسط شمال البلاد "والجلالة" على مرتفعات جبلية تطل على البحر الأحمر (شرق).
وكشفت هايكه هارمجارت، المديرة التنفيذية لمنطقة جنوب وشرق البحر المتوسط في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، على هامش الاجتماعات السنوية للبنك في مراكش، وفق وكالة رويترز، أمس، أن البنك يُجري محادثات مع مصر لتعزيز قدراتها لتخزين الغذاء وتنويع مورّدي الغذاء إليها بجانب دولتي تونس والمغرب.
وفاقم تعطل سلاسل توريد الغذاء وقفزة في الأسعار بسبب الحرب في أوكرانيا التضخم في المنطقة العربية، التي تعتمد على واردات القمح من منطقة البحر الأسود، ووضع أيضاً ضغوطاً على ميزانيات حكومات كثيرة بسبب القفزة في تكلفة دعم الغذاء.
وكانت كارمن راينهارت، كبيرة الاقتصاديين في البنك الدولي، قد حذّرت في تصريحات سابقة من أنّ ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا قد يفاقم مخاوف الأمن الغذائي القائمة في الشرق الأوسط وأفريقيا، وقد يؤدي إلى تنامي الاضطرابات الاجتماعية.
وبجانب مساعي مصر للحصول على قرض من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، تجري مفاوضات كذلك مع البنك الدولي للحصول على قرض بقيمة 2.48 مليار دولار، لتمويل برامج شراء القمح وأخرى للسكك الحديدية والتحول الرقمي، وفقا لصحيفة "البورصة" المحلية الاقتصادية، مشيرة إلى أن القرض يشمل تمويلاً بقيمة 500 مليون دولار للمرونة والأمن الغذائي، لمواجهة ارتفاع أسعار واردات القمح.
كما تجري مصر محادثات مع صندوق النقد الدولي بشأن برنامج دعم يمكن أن يندرج تحت "خط احترازي"، وقد يصل إلى 3.5 مليارات دولار. وتواجه الدولة عجزاً مالياً كبيراً، إذ يظهر مشروع الموازنة الذي قدمته الحكومة لمجلس النواب "البرلمان" أخيراً أن "حجم الاقتراض وإصدار الأوراق المالية، بخلاف الأسهم، سيبلغ نحو 1.52 تريليون جنيه (حوالي 82 مليار دولار) في العام 2022-2023، الذي يبدأ في الأول من يوليو/تموز المقبل، مقابل نحو تريليون و68 مليار جنيه في العام المالي الحالي، بارتفاع تبلغ نسبته 42.6%.
وأظهرت بيانات الموازنة الجديدة خفض العديد من بنود الدعم المتعلقة بالأدوية وألبان الأطفال، والتأمين الصحي على المرأة المعيلة وطلاب المدارس والجامعات، من دون مراعاة فقد الجنيه نحو 18% من قيمته أمام العملات الأجنبية منذ نهاية مارس/ آذار الماضي، وهي نسبة مرشحة للزيادة عقب اجتماع البنك المركزي، في 19 مايو/أيار الجاري، بشأن رفع سعر الفائدة مجدداً للإيداع والإقراض، حيث وصل سعر الدولار إلى 18.5 جنيهاً.
وانعكس تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار على مختلف السلع والخدمات التي قفزت بنسب حادة وفق بيانات صادرة، يوم الثلاثاء الماضي، عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي.
وبحسب جهاز الإحصاء، ارتفع معدل أسعار المستهلكين (التضخم) على أساس سنوي إلى 14.9% خلال إبريل/ نيسان الماضي، مقابل 4.4% خلال نفس الشهر من عام 2021، كما زاد على أساس شهري بنسبة 3.7%.
وأظهرت البيانات قفزة حادة في أسعار مجموعة الخضروات بنسبة 66% على أساس سنوي، تليها الزيوت والدهون بنسبة 36.5%، والحبوب والخبز 28.5%، كما ارتفعت أسعار الكهرباء والغاز والوقود بنسبة 12.7%، متأثرة بقرار رفع أسعار البنزين للمرة السادسة على التوالي خلال الشهر الماضي.
ويأتي الغلاء المتصاعد رغم تعهد الحكومة في الاجتماعات الأسبوعية لمجلس الوزراء، الشهر الماضي، بالسيطرة على ارتفاع الأسعار، بتوسيع قاعدة مشاركة أجهزة القطاع العام والشرطة وشركات الجيش في توفير السلع الرئيسية للمواطنين بالأسواق، مع شن حملات مكثفة على الأسواق لإلزام التجار بتسعيرة استرشادية، يتم الاتفاق عليها مع الغرف التجارية والصناعية.
وتتوالى التحذيرات الدولية من اضطرابات اجتماعية حتمية تبدو قريبة في مصر بسبب الغلاء. وقال تقرير لشركة "فيريسك مابلكروفت" لاستشارات المخاطر، وفق رويترز، أمس، إن ارتفاع أسعار الغذاء والوقود يبدو أنه سيؤجج تصاعداً "حتميا" في الاضطرابات الاجتماعية في الدول النامية متوسطة الدخل، وبخاصة مصر والبرازيل.
أشارت الشركة في تحديث لمراقبتها للمخاطر، إلى أن الدول متوسطة الدخل، حسب تعريف البنك الدولي، من المتوقع أن تمثل ثلاثة أرباع الدول المعرضة لمخاطر كبيرة أو شديدة من الاضطرابات الاجتماعية بحلول الربع الأخير من 2022.
ويأتي الاقتراض من أجل تجنب مخاطر الغلاء والجوع، بينما قفز الدين الخارجي بسبب الاقتراض غير المسبوق خلال السنوات الماضية، ليسجل نحو 145.5 مليار دولار في نهاية ديسمبر/كانون الأول 2021، بينما لم يكن يتخطى 47 مليار دولار منذ تولي السيسي الحكم، ليتضاعف أكثر من 4 مرات خلال أقل من ثماني سنوات.