مصر: صدمة "الثانوية العامة" تفجر أزمة بطالة المعلمين

16 اغسطس 2024
تعاني المدارس من عجز في عدد المعلمين يبلغ 469 ألفاً و860 معلماً (زياد أحمد/Getty)
+ الخط -

قبل بدء العام الدراسي الجديد بأسابيع، فاجأت الحكومة 26 مليون طالب بتغيير نظام الدراسة بالمرحلة الثانوية العامة (البكالوريا)، مهمشة عدداً من المواد التي تنتمي إلى العلوم الإنسانية في المناهج.

تستهدف الحكومة خفض عدد المواد الدراسية، وإخراج بعضها من قائمة المواد الإجبارية المؤهلة للقبول بالجامعات، والتخلص من صدام مجتمعي حول مشاكل موسمية للثانوية العامة، في اتجاه يراه خبراء للحد من النفقات الموجهة لقطاع التعليم العام، الذي يعاني من تراجع يزيد عن 50% من تعداد الفصول الدراسية والمعلمين الذين تحتاجهم المدارس خلال العام الجاري.

في إعلانه عن خطة إعادة هيكلة المرحلة الثانوية للعام الدراسي 2024-2025 التي تبدأ 21 سبتمبر/ أيلول المقبل، أكد وزير التعليم المصري محمد عبد اللطيف أنه أجرى حوارا مجتمعيا بشأن خطته مع الخبراء والمعلمين ومديري الإدارات التعليمية ومجالس الأمناء والآباء والمعلمين وأساتذة الإعلام المتخصصين بملف التعليم، مشددا على أنها حظيت بنسبة قبول كبيرة، لأنها تستهدف التخفيف عن الطلاب والحفاظ على جودة التعليم.

تشمل الخطة إعادة توزيع المناهج الدراسية بالمرحلة الثانوية على طلاب الصفين الأول الثانوي، لتصبح ست مواد بدلا من عشر مواد، وست مواد بدلا من ثماني مواد لطلاب الصف الثاني، على أن تشمل خمس مواد فقط بالصف الثالث، بدلا من سبع مواد، على أن تصبح اللغة الأجنبية الثانية ومواد علم النفس والجيولوجيا والتربية الدينية خارج المجموع الكلي، كمواد نجاح ورسوب، ودمج مادتي الكيمياء والفيزياء في مادة واحدة، بما يضمن تقليل المواد الإجبارية في المرحلة الثانوية من 32 مادة إلى المستويات السائدة دوليا. تشمل الخطة إعادة توزيع درجات مواد الثانوية العامة المؤهلة للجامعات.

أزال الوزير مادة الإحصاء عن طلاب القسم الأدبي، معتبرا أنها غير ذات أهمية لطلاب القسم، في خطوة يراها خبراء متناقضة مع أهمية المادة في تدريب الطلاب على خطوات البحث والتوثيق العلمي. وتستهدف الخطة تخفيض كثافة الطلاب بالفصول، ولتصل إلى 50 طالبا بالفصل الواحد. وأفصح الوزير عن عجز بعدد الفصول يبلغ نحو 250 ألف فصل دراسي، تمثل نحو 50% من عدد الفصول المتاحة بالمدارس الحكومية، التي تبلغ 550 ألف فصل دراسي.

تسببت المفاجأة في صدمة، يرى برلمانيون أنها تمت من وراء ظهورهم، ولم تراع القواعد الدستورية التي تستدعي موافقة البرلمان بمجلسيه على تعديل قانون الثانوية العامة، بينما يؤكد خبراء أنها ستدفع إلى مزيد من البطالة بين المعلمين المعينين على درجات وظيفية ثابتة، وتحول دون دخول فئات جديدة من خريجي الجامعات للعمل بقطاع التدريس ممن التحقوا بتخصصات علمية تؤهلهم للعمل بالتدريس خلال السنوات المقبلة.

أزمة جديدة في سوق العمل

يشير خبراء إلى إلقاء الحكومة بأزمة جديدة في سوق العمل، لاهتمامها بخطة تستهدف خفض المواد الدراسية وعدم تشغيل الخريجين، فيما يعاني خريجو المدارس والجامعات من تراجع الطلب على توظيفهم لعدم تناسب مؤهلاتهم العلمية والقدرات المكتسبة من التعليم لحاجة سوق العمل.

وكشف وزير التعليم عن توجه الوزارة لاستكمال تعيين 30 ألف معلم، الذين تخطوا اختبارات مسابقة تعيين المدرسين على مدى العامين الماضيين، والتعاقد مع 50 ألف معلم للعمل بنظام "الحصة" بالإدارات التعليمية بالمحافظات، مع الاستعانة بالخريجين الجدد لأداء الخدمة العامة، لمدة عام، بالعمل بالتدريس مجانا لمن تنطبق عليه شروط الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة.

كما أكد الوزير وجود عجز في عدد المعلمين يبلغ 469 ألفا و860 معلما، بما يزيد عن نصف تعداد المعلمين العاملين بالوزارة الذي وصل إلى 843 ألفا و490 معلما. وقرر الوزير زيادة مدة العام الدراسي من 23 أسبوعا إلى 31 أسبوعا، مع زيادة وقت الحصة بمقدار خمس دقائق لتصبح 50 دقيقة، بما يزيد من قدة التدريس بنسبة 33%.
 

انتقادات برلمانية لتعديلات الثانوية العامة

تبدي عضو مجلس النواب مها عبد الناصر دهشتها من طرح الحكومة على لسان وزير التعليم لما سماه خطة "تطوير التعليم" في مؤتمر صحافي، بتأكيده أنه أجرى حولها حوارا مجتمعيا واسعا، دون أن تعرض تلك الخطة على مجلس النواب أو يرها النواب في اللجان المختصة بداخله.

قالت عبد الناصر لــ"العربي الجديد": بغض النظر عن الحكم على مدى جودة خطة الوزير، إلا أنها جاءت متسرعة وغير مدروسة وسيئة للغاية، وعليه أن يخبر المجتمع كيف أتى بها ومن تحاور معه حولها؟ وأين تم ذلك؟ مؤكدة أن التغيير الشامل لخطط التعليم العام بالدولة لا يجب أن تترك بيد كل وزير يحول الطلاب إلى فئران تجارب.

أضافت عبد الناصر: كان الأولى بالوزير الذي أحدث تعديلا في نتائج الثانوية العامة، بعد إقرارها بيومين، في ظاهرة تحدث لأول مرة في تاريخ البلاد، أن يفكر بوضع خطط عاجلة لوقف الغش في الامتحانات، ومواجهة النقص الحاد في عدد المعلمين والفصول، وأن تدعو الحكومة إلى حوار قومي موسع لوضع خطة طويلة المدى تسمح بإصلاح شامل للتعليم، عبر استراتيجية قومية توحد نظم التعليم المتعددة، يتحول الوزير بها إلى موظف تنفيذي، دون أن يكون له حق تغيير النظام إلا بالعودة للقواعد التي تقر تلك الاستراتيجيات.
 

الاقتصاد العاجز

كشفت دراسة أجراها المركز المصري للدراسات الاقتصادية أخيرا بالتعاون مع منظمة العمل الدولية ووزارتي الصناعة والاتصالات، أن الاقتصاد أصبح عاجزا عن توليد فرص عمل لحاملي الشهادات العليا والمتوسطة، وقدرته على توفير فرص عمل أمام العمالة الفنية، لعدم قدرة الشركات الخاصة والعامة على التوظيف، وتوقف الحكومة عن تعيين الخريجين الجدد. وأكدت الدراسة أن تدهور التعليم أدى إلى تراجع مهارات الخريجين بما يهدر قيمة الشهادات العليا ويدفع أصحاب الأعمال إلى طلب خريجي تعليم عال، لضمان توافر الحد الأدنى من المهارات، مع ثبوت هبوط مستوى التعليم الفني المتوسط، وأن 90% من المتقدمين للوظائف غير مؤهلين لسوق العمل.
 

تلاعب في مؤشرات البطالة

أثبتت الدراسة تلاعب وزارة القوى العاملة في مؤشرات معدل البطالة، حيث ترصد عدد الباحثين عن العمل مع تجاهلها للمعايير الدولية التي تسجل كل من بلغ 15 عاما حتى 64 عاما في سجل القوى العاملة بالدولة.

وفي السياق، حذر خبراء مركز دراسات حلول بديلة التابع للجامعة الأميركية بالقاهرة، من توجه الحكومة نحو "تسليع التعليم الجامعي" وتعميق عدم المساواة وتهديد المجانية، عبر سياسات تنتهجها وزارة التربية والتعليم، بعد إعلان نتيجة امتحانات الثانوية العامة، في ظل توجه حكومي عام لخفض الإنفاق على التعليم العالي وزيادة عدد الأقسام والشعب ذات الرسوم المرتفعة داخل الكليات والجامعات الحكومية، وتقليص الأماكن المجانية المتاحة في نظام التعليم العالي، التي تزيد من عدم المساواة بين أفراد المجتمع وتمنح الفئات ميسورة الدخل فقط القدرة على تحمل تكاليف التعليم.
 

تراجع مخصصات التعليم

أشار خبراء الاقتصاد والعلوم السياسية بالمركز إلى تراجع مستمر بمخصصات التعليم بالموازنة العامة، حيث بلغت 3.6% من إجمالي النفقات العامة عام 2015/ 2016، لتصل إلى 1.9% بموازنة 2023/ 2024، رغم ارتفاع نسبة الطلاب بالمدارس الحكومية بنسبة 25.5%، وعدد الناجحين بالثانوية العامة بنسبة 23.7% خلال الفترة نفسها.

ورصد الخبراء ارتفاعا هائلا بأسعار البرامج الخاصة بالجامعات الحكومية تحرم غير القادرين من دراسة التخصصات المميزة المطلوبة في سوق العمل، وهو ما يقلص فرص الترقي الاجتماعي التي يوفرها التعليم المجاني لأبناء محدودي الدخل، ويخلق فصلا طبقيا بين الطلاب في الكلية الواحدة.

اقتصاد الناس
التحديثات الحية

ويلفت الخبراء إلى أن سياسات الحكومة في الجامعات الأهلية تعد مظهرا آخر لتراجعها عن دورها في توفير التعليم العالي المجاني، حيث أنفقت نحو 39 مليار جنيه لإنشاء 12 جامعة أهلية من أصل 20 جامعة مستهدفة، في حين أقامت ست جامعات حكومية جديدة فقط خلال الفترة من 2020 إلى 2022، مع سعيها إلى التوسع في "تسليع التعليم" عبر إطلاق مبادرة "ادرس في مصر" لجذب الطلاب العرب والأجانب القادرين على سداد الرسوم بالدولار، بينما تقصي أبناء الطبقة الفقيرة ومتوسطة الدخل وتضيق الفرص المتاحة لهم، ما يحرم البلاد من القدرة على تنمية رأس المال البشري القادر على التطور وتعلم مهارات جديدة تساهم في رفع إنتاجية الفرد في سوق العمل، والتنافسية، وزيادة الدخل والنمو.
 

فجوة تمويلية للقطاع

بينت دراسات فنية حديثة أجراها اقتصاديون وخبراء تعليم أن قطاع التعليم يواجه فجوة تمويلية قدرها سبعة مليارات دولار خلال العام المالي الجاري 2024-2025، رغم ظهور تراجع بمعدل المواليد وعدد الملتحقين بالمدارس الحكومية، يظهر أثرها خلال السنوات المقبلة.

ويتوقع خبراء تعليم في دراسة أجروها بالتعاون مع منظمة "اليونيسف" التابعة للأمم المتحدة، أن الإنفاق العام لن يكون كافيا لتحقيق أهداف الدول بقطاع التعليم الأساسي، رغم تراجع معدل الخصوبة والمواليد، لكل امرأة من 3.4 طفل عام 2013 إلى 2.9 طفل عام 2022. على صعيد متصل، يؤكد الخبراء حاجة الحكومة إلى زيادة عدد المعلمين بالمدارس الابتدائية بنحو 60%، لخفض نسبة الطلاب إلى كل معلم، بما يتطلب توظيف نحو 197 ألف معلم بدلا من 30 ألف معلم الذين وعدت الحكومة بتعيينهم منذ ثلاثة أعوام.

يدعو الخبراء الحكومة إلى توظيف 100 ألف معلم خلال العام الدراسي الجاري لسد العجز بالمرحلة الإعدادية، ويرتفع العدد إلى 169 ألفاً عام 2030 و124 ألفاً بحلول عام 2035، مع زيادة عدد الفصول بنحو 58.8 ألف فصل دراسي إضافي عام 2025، بزيادة 53% عن 110 آلاف فصل دراسي مسجل عام 2023.

هذا، وتكشف الدراسة عن تراجع قدرة القطاع الخاص على سد الفجوة في الاستثمارات التعليمية من 10% إلى 9% خلال السنوات الأخيرة، بسبب عدم قدرة المستثمرين على مواكبة الطلب على المدارس الجديدة، بما يناسب الزيادة السكانية، لارتفاع التكاليف الاستثمارية، وانخفاض الإيرادات من الرسوم الدراسية، وارتفاع أسعار الفائدة على قروض المشروعات والأراضي المخصصة للمدارس الخاصة والدولية.

المساهمون