مصر سنة 2025

31 يوليو 2024
إنهيار الجنيه يدفع المصريين لشراء شهادات الإدخار، 3 أبريل 2023،(محمود الخواص/Getty)
+ الخط -

أظهر تقرير حديث، صدر عن وزارة المالية المصرية يوم الاثنين الماضي، ارتفاع فوائد الديون بنسبة 80.4% خلال الفترة من أول يوليو/ تموز 2023 إلى نهاية مايو/ أيار 2024، مقارنة بالفترة نفسها من العام المالي السابق، لتسجل نحو 1.322 تريليون جنيه (27.28 مليار دولار). وقالت الوزارة إن فوائد الديون استحوذت على ما يقرب من ثلثي الإيرادات العامة للدولة، واقتربت من نصف المصروفات الحكومية خلال الفترة. وارتفعت فوائد الدين المتوقعة في موازنة العام المالي الجاري (2024-2025) إلى 1.83 تريليون جنيه بزيادة نسبتها 63.7%، بينما قفزت مخصصات سداد الدين المتمثل بالقروض المحلية والأجنبية من 1.31 تريليون جنيه إلى 1.60 تريليون جنيه بنسبة ارتفاع 22.1%، مقارنة بالعام المالي الماضي.

وأشار تقرير الوزارة إلى ارتفاع مصروفات الدولة بنسبة 43%، بينما لم تزد الإيرادات بأكثر من 37.7%، مقارنة بالعام المالي السابق، وبعجز نقدي يبلغ نحو 500 مليار جنيه (10.35 مليارات دولار تقريباً). عزت الحكومة المصرية ارتفاع الفوائد المدفوعة على الديون إلى ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه، ولكنها أغفلت، ربما دون قصد، معدلات الفائدة شديدة الارتفاع التي تدفعها على أدوات الدين والتي تجاوزت 30% في مارس/ آذار الماضي، قبل انخفاضها الشهر الحالي إلى نحو 26%.

سعت الحكومة لاجتذاب الاستثمارات الأجنبية في أوراق الدين المصري، فاضطرت إلى رفع الفائدة إلى هذه المستويات، متجاهلة التأثير السلبي لتسرب هذه المبالغ (الفوائد المدفوعة) من الموازنة العامة للدولة، وما ستسببه بالتأكيد من تراجع المبالغ المخصصة للإنفاق على الخدمات الاجتماعية، وعلى التعليم والصحة.

ولو عرفنا أن هذه الفوائد المرتفعة لم يظهر تأثيرها إلا في أقل من ثلاثة أشهر من العام المالي الذي تحدث عنه تقرير وزارة المالية، حيث رُفعَت الفائدة 6% دفعة واحدة في السادس من مارس الماضي مع خفض سعر الجنيه أمام الدولار، لبات واضحاً ما سيكون عليه الحال في العام المالي الحالي، الذي ينتهي مع انتصاف عام 2025.

وصدر تقرير وزارة المالية في اليوم الذي أقرّ فيه المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي المراجعة الثالثة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي لمصر، ليفتح الطريق أمام سحب الشريحة الثالثة من التسهيل الممدَّد الذي أُقرَّ في مارس/ آذار الماضي بمبلغ ثمانية مليارات دولار، والمقدرة قيمتها بنحو 820 مليون دولار. ويسمح إقرار الصندوق للمراجعة لمصر بالتقدم بطلب للحصول على قدر آخر، بقيمة تقترب من 1.25 مليار دولار، من صندوق الاستدامة التابع لصندوق النقد الدولي، وهو ما سيرفع بالتأكيد من قيمة الفوائد التي ستتحملها مصر على ديونها الخارجية، أي بالعملة الأجنبية.

وبالتأكيد سيترتب عن زيادة المبالغ الموجهة من إيرادات الدولة داخل الميزانية إلى فوائد الديون، نقص في المبالغ الموجهة إلى التعليم والصحة والبحث العلمي. وقبل يومين، اجتمع الرئيس عبد الفتاح السيسي بوزير التربية والتعليم محمد عبد اللطيف، وسط أنباء عن نية الحكومة الجديدة التي تشكلت برئاسة مصطفى مدبولي اتخاذ خطوات نحو خفض الدعم المقدَّم إلى المواطنين، تنفيذاً لشروط صندوق النقد الدولي، ومنها الدعم الحكومي المقدم إلى قطاع التعليم. وتوقع البعض أن يحصل ذلك من خلال قصر مجانية التعليم على أول طفلين في كل أسرة.

والشهر الجاري، أعلنت الحكومة المصرية إنشاء "لجنة تصفية الأصول"، بهدف تحقيق عائدات سنوية للخزينة العامة للدولة، تراوح قيمتها بين 20-25 مليار جنيه، أي نحو نصف مليار دولار، سنوياً. وبغضّ النظر عن هذه التسمية "الساذجة"، فقد أثار قرار إنشاء اللجنة العديد من التساؤلات عن دوافع هذه الخطوة، وما تعكسه من عدم ثقة الحكومة بجدية التعهدات الدولية والاستثمارات الأجنبية الموعودة.

ويعني بيع أصول الدولة، أو تصفيتها كما جاء في اسم اللجنة، أن الإيرادات التي كانت تأتي من تلك الأصول لن تكون موجودة العام القادم، 2025، وهو العام نفسه الذي سيشهد ارتفاع مدفوعات الفائدة على الديون المتزايدة، التي حصلنا عليها للخروج من أزمة اقتربت بنا من الإفلاس، وهددت قدرة الدولة على توفير القمح والوقود والدواء، وكثير من أنواع الغذاء والمنتجات الكهربائية والسيارات والملابس، للمواطنين.

اقترضت مصر مليارات الدولارات من صندوق النقد الدولي، ومن البنك الدولي، ومن الاتحاد الأوروبي، ومن العديد من المؤسسات الدولية لتحصل على النقدية التي تحلّ بها أزماتها الآن، أي العام الحالي، بينما تسبب تلك القروض زيادة أزماتها، حيث تحمّلها المزيد من الفوائد، لا في المستقبل البعيد، بل اعتباراً من العام المالي الممتد حتى 2025.

باعت حكومة مصر الأراضي والأصول، بعد بيع جزيرتين ومئات الآلاف من الأفدنة من الأراضي العقارية، لشركات أجنبية لتتمكن من توفير الدولارات اللازمة للوفاء بالالتزامات الخارجية الحالية، من سداد مدفوعات فائدة أو ديون مستحقة، أو لسداد قيمة الواردات، وتجاهلت ما يسببه ذلك من فقدان إيرادات تلك الأصول في الأعوام القادمة، اعتباراً من عام 2025، وتجاهلت أيضاً ما سيطلبه الأجانب مع بداية كل عام من تحويل للأرباح المتولدة بالجنيه المصري إلى عملة أجنبية يمكن تحويلها إلى الخارج، الأمر الذي سيزيد من الضغوط على العملة المصرية.

الواقع حولنا يقول إن أغلب الخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية لحل أزماتها الحالية ستترتب عنها ظروف صعبة في السنوات القادمة، تضغط على أحوال المالية المصرية، والعملة المحلية، واقتصاد البلاد، بصورة تمسّ بوضوح مستوى معيشة المصريين، وما توفره لهم الدولة من خدمات أساسية، اعتباراً من عام 2025، ولأعوام بعده. ويضاف إلى تعقيدات هذا الوضع أن كل ذلك يتم في غيبة من الرقابة والمساءلة والمحاسبة الحقيقية، حيث لا تبدو الجهات المنوط بها مهمة المحاسبة قادرة على أداء عملها، أو راغبة في ذلك، وهي التي جاءت بدعم صريح من أجهزة الدولة السيادية، وتخشى أن يسبب قيامها بدورها فقدان وظيفتها، كما حدث في العديد من الحالات الشهيرة السابقة. فهل يعرف أحد كيف ستكون مصر في 2025؟

المساهمون