أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، اليوم السبت، عن اعتزام الحكومة إنشاء مجموعة جديدة من الطرقات، والخدمات الملحقة بها، محل مقابر القاهرة التاريخية في منطقة السيدة نفيسة والإمام الشافعي، بدعوى العمل على حل مشكلة الاختناقات المرورية داخل العاصمة، مع نقل رفات رموز مصر من ذوي الإسهامات البارزة إلى ما يسمى بـ"مقبرة الخالدين"، استجابة لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي.
ووفق بيان لمجلس الوزراء، فقد تفقد مدبولي مجموعة من المقابر المطلة على شارع صلاح سالم تنفيذاً لتكليفات رئيس الجمهورية، بشأن بدء تنفيذ مخطط نقل رفات عظماء مصر إلى "مقبرة الخالدين" (لم يتحدد مكانها بعد).
ورافقه في الجولة وزير الإسكان عاصم الجزار، ووزير التنمية المحلية اللواء هشام آمنة، ومحافظ القاهرة اللواء خالد عبد العال، ورئيس الهيئة الهندسية للجيش اللواء أحمد العزازي.
ويتولى الجيش مهام الإشراف على تنفيذ مخطط تطوير هذه المنطقة التاريخية، الذي يتضمن توسعة ورصف الطرقات بعد الانتهاء من إزالة المقابر والمدافن، التي يتجاوز عمر بعضها أكثر من ألف عام، وإنشاء مجموعة كبيرة من محطات الوقود ومتاجر التجزئة والكافيهات (المقاهي السياحية) ضمن الخدمات الملحقة بها، فضلاً عن عدد من ساحات انتظار السيارات مقابل رسوم.
وأورد البيان أن مدبولي استعرض إجراءات نقل جانب من المقابر (التاريخية) بالمنطقة، بعد تقييم الموقف ودراسته، إيذاناً ببدء خطوات تنفيذ تكليف الرئيس (السيسي) بإنشاء "مقبرة الخالدين" كصرح شاهد على تقدير الوطن لعظمائه، ونقل رفات رموز مصر إليها، من خلال لجنة مشكلة من المتخصصين والخبراء.
وقال مدبولي إن "الحكومة حريصة على التعامل مع الموقف الخاص بنقل المقابر، في إطار تقييم واضح للوضع الرهن لها، ودراسة وافية لكافة البدائل"، مستطرداً بأن "هناك اهتماماً باستكمال تطوير منطقة القاهرة التاريخية، والحفاظ على مكوناتها، التي تعكس تاريخ الوطن وحضارته".
وتابع "عملية نقل المقابر لا تمس الشكل التاريخي لهذه المدافن العريقة"، وأنه "حتى مع نقلها سيكون هناك مراعاة لتنفيذ البدائل بشكل حضاري مُماثل".
وأضاف أن "الموقف الراهن في المقابر يشير إلى تأثير منسوب المياه الجوفية بهذه المنطقة سلباً على عملية الدفن، إلى حد عدم التمكن من الدفن أسفل الأرض، بما مثل سبباً جوهرياً وراء عملية نقل جانب من هذه المقابر"، على حد زعم مدبولي.
كما قال، خلال جولته التفقدية، إن "البعض بات يدفن موتاه أعلى سطح الأرض حالياً في هذه المنطقة"، معتبراً أن "حالة الضرورة هي التي أفضت إلى مخطط التطوير"، لا سيما أنه يعرف هذه المنطقة جيداً قبل توليه المسؤولية بحكم الخبرة الفنية.
وزاد مدبولي: "الكل يعلم أنها منطقة صعبة للغاية، وتعاني من مشكلة ارتفاع منسوب المياه الجوفية التي وصلت إلى المقابر. وعلى الشعب المصري أجمع أن يتخيل أن موتانا ورفاتهم، الذين لهم كل التبجيل والاحترام، لا يزالون في منطقة وضعها هكذا".
وواصل مدبولي: "كان هناك توافق كبير على ضرورة وضع تصور شامل لهذه المنطقة، وحل مشكلة المياه الجوفية، بعد اضطرار العديد من الأسر لنقل رفات موتاها إلى أماكن بديلة. ورفض مخطط التطوير يذكر بتعامل الدولة مع المناطق غير الآمنة، وما أثير حولها من جدل ونقاش أيضاً في ذلك الوقت".
واستطرد: "نحن سنوفر بدائل إنسانية ودينية تراعي حرمة موتانا، وبدأنا بالفعل في إعداد حصر بالأراضي على الطرقات السريعة لإنشاء أكثر من 20 ألف مقبرة خلال الأشهر القليلة المقبلة، حتى تكون بديلة للأماكن التي لا تصلح للدفن بها في الوقت الراهن، على غرار مقابر السيدة والشافعي".
وأضاف: "لدينا تصور بإقامة حدائق ومتنزهات حضارية عليها (محل المقابر)، أو مجموعة من الطرقات والخدمات، بحيث تعمل شبكة الطرق التي ننفذها على حل مشكلة الاختناقات المرورية داخل القاهرة".
وقال " ليس بوسعنا أن ننفذ أي حلول أخرى من الناحية الدينية، مع التأكيد أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نترك مثل هذه الأماكن التي تقع في قلب القاهرة بمشكلاتها كما هي، من دون تطوير وإيجاد حلول لها، والتغلب على مشكلة المياه الجوفية الناتجة عن طبيعة المنطقة".
واستدرك: "هل رأينا مقبرة الزعيم الخالد أحمد عرابي الذي درسنا إنجازاته في كتب التاريخ؟ وهل يعقل أن أحد أهم زعماء مصر تكون مقبرته بهذا الشكل؟ من هنا كان توجيه الرئيس السيسي بضرورة إقامة منطقة أخرى لإعلاء شأن الزعماء الذين ضحوا من أجل الدولة المصرية على مدى العصور المتعاقبة".
وذكر مدبولي أن "مقبرة الخالدين ستكون مصممة على أعلى مستوى، وبشكل حضاري، لكي تكون مزاراً نفخر جميعاً به، ونرسخ من خلاله تاريخنا. ويمثل أيضاً جزءاً من رفع كفاءة القاهرة القديمة، خاصة أنه متوقع انهيار بعض المقابر القديمة ذات الشكل التراثي والحضاري في غضون أشهر قليلة"، حسبما قال.
وأردف أنه "توجد بدائل مطروحة للمقابر التي لن تنقل من أماكنها، أو يشملها مخطط التطوير، ومنها تطوير واجهتها على نفقة الدولة، عوضاً عن صاحب المقبرة أو الأسرة، لأنه من الواضح أن هذه المقابر تم هجرها. ووجدنا في بعض المقابر أن المدفن أقيم بالطريقة نفسها التي كان يتم تنفيذها منذ 150 عاماً فوق الأرض، واستخدام الرخام في إقامتها، إلا أن المياه تسربت إليها، وأدت إلى انهيار المقبرة".
وأشار إلى "إمكانية نقل بعض شواهد القبور إلى مستوى لائق بها، من خلال تجميع رفات الزعماء الذين كان بعضهم يتولى المسؤولية ضمن قيادات الجيش المصري، في وقت من الأوقات خلال القرن التاسع عشر. ولذلك يجب أن نحافظ على قيمتها وعظمتها، ونقلها إلى أماكن يستطيع المواطنون أن يروا الجمال الذي كانت عليه المقبرة".
وختم قائلاً: "مثلما أنشأنا العاصمة الإدارية الجديدة على أعلى مستوى، لا بد من أن نرفع كفاءة مناطق القاهرة القديمة، وإعادة الوجه الحضاري المعهود لها".
والمقابر المهددة بالإزالة تشمل مدافن لشخصيات مصرية شهيرة، منها شيخ الأزهر السابق محمد مصطفى المراغي، والشيخ محمد رفعت، والإمام ورش صاحب رواية ورش عن نافع لقراءة القرآن، والشاعر والسياسي محمود سامي البارودي، فضلاً عن مقابر عدد كبير من الأمراء والمماليك المعروفين.
وشهدت مصر في عام 2021 هدم جزء من منطقة جبانة المماليك، التي تضم مقابر تاريخية وآثاراً إسلامية تعود إلى نحو خمسة قرون، ومنها مقابر مصنفة تراثاً عالمياً لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، في إطار مخططات حكومية لتوسعة شبكات الطرقات الرابطة ما بين مناطق القاهرة والعاصمة الإدارية الجديدة، وإنشاء جسر مروري جديد باسم "الفردوس".