مصر تقطع الأشجار... إزالة غابة لإيواء متضرري نزلة السمان

15 يوليو 2024
أشجار مقطوعة في أحد شوارع القاهرة (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

 

في ظل سياسة قطع الأشجار، فاجأت وزارة الإسكان المصرية المواطنين بطرح حيّ سكنيّ أقامته على أرض حديقة سوزان مبارك على مساحة 200 فدان، لإيواء المواطنين المتضررين من هدم بيوتهم بمنطقة نزلة السمان السياحية، الملاصقة لأهرامات الجيزة، لبيعه بأسبقية الحجز، وتنظيم مزادات على المحلات التجارية المقامة أسفل العقارات.

 أزالت هيئة المجتمعات العمرانية الغابة الشجرية وصوبات (خيم) إنتاج أشجار التجميل والبساتين، التي أقامتها محافظة الجيزة (غرب القاهرة)، عام 1995، وأنفقت على تشجيرها نحو 150 مليون جنيه على مدار 30 عاماً. ألغى مشروع هدم الحديقة خطة مسبقة وضعتها المحافظة لتحويل المتنزه إلى حديقة حيوانات بديلة للحديقة التاريخية بقلب محافظة الجيزة، التي تعرضت للإهمال على مدار العقدين الماضيين.


طلبات الحجز

بدأت الوزارة بتلقي طلبات الحجز من القادرين على دفع تكلفة الوحدات السكنية، بمقدم حجز 150 ألف جنيه، مع سداد 1000 جنيه كمصروفات لا ترد، وسعر المتر يراوح ما بين 15 ألفاً و16 ألف جنيه. تلزم الحكومة المتقدمين بسداد 20%، فضلاً عن 1% مصاريف إدارية، تدفع عند تسلم الوحدة، مع تسديد باقي الثمن على سبع سنوات بأقساط ربع سنوية متساوية وفقاً للفائدة المحددة من قبل البنك المركزي (الدولار= نحو 48 جنيهاً).

عدلت وزارة الإسكان اسم المشروع من "نزلة السمان الجديدة" الذي تفقده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في يوليو/ تموز 2022، ووعد بتوزيعه على أهالي نزلة السمان الذين أزيلت بيوتهم ومحلاتهم، بنزلة السمان القديمة، التي استخدمت في شق طرق وتوسع ميدان "أبو الهول" السياحي. خططت الرئاسة لإزالة باقي بيوت نزلة السمان، على مراحل لضمان توفير مساحات واسعة من الأراضي المحيطة بمنطقة أهرامات الجيزة، تستهدف إزالة البيوت العشوائية وإسطبلات الخيل والجمال، التي تسبب ارتباكاً أمام حركة السائحين، وتطلق روائح كريهة.
روجت الرئاسة لمشروع إعادة تخطيط منطقة الأهرامات، ليواكب تنفيذها الانتهاء من المراحل النهائية، لافتتاح المتحف المصري الكبير المقام على الجانب الشمالي لمنطقة الأهرامات. فوجئ المتضررون بعد موافقتهم على قرار النقل وهدم منازلهم، بحصول نحو 10% من تعدادهم فقط على مساكن بديلة بمشروع "نزلة السمان الجديدة، وترحيل باقي الحالات إلى منطقة نائية وسط الصحراء، بمدينة حدائق أكتوبر الجديدة، أو منح المتضرر 150 ألف جنيه عن كلّ وحدة سكنية، ما أغضب باقي المواطنين المطلوب ترحيلهم وامتنعوا عن الخروج من مساكنهم ومحلاتهم.

إعادة تسمية "نزلة السمان الجديدة"

أعادت هيئة المجتمعات العمرانية تسمية "نزلة السمان الجديدة" إلى "روضة أكتوبر"، الذي تغير مع بدء مرحلة البيع الشهر الجاري، بالمزادات، إلى "فالي تورز" لتعرض بيع 2500 وحدة تراوح مساحة كل منها ما بين 95 متراً و100 متر مربع. بررت وزارة الإسكان تحويل مشروع إيواء المتضررين من النقل القسري لمساكنهم، إلى مشروع سكني سياحي، بأن الوحدات أقيمت بموقع متميز يمكن استغلاله بشكل أفضل كوحدات استثمارية، تدرّ عائداً كبيراً، مؤكدة عدم الاحتياج إليه للمتضررين بالمناطق العشوائية بمحافظة الجيزة، ممن ستزال مساكنهم بمناطق نزلة السمان أو جزيرة الوراق بقلب نهر النيل.
يصل سعر الوحدة، التي تطل على منطقة هضبة الأهرام من الناحية الغربية والواقعة على الطريق السياحي الذي يربط بين العاصمة وطرق شمال الصعيد ومحافظتي الفيوم والجيزة، إلى 1.5 مليون جنيه، من دون إضافة الرسوم بنسبة 1.5% من سعر كل وحدة، ومصروفات مجلس الأمناء الذي ستعينه الوزارة للإشراف على بيع المجمع السكني وإدارته.
أقيم الحيّ السكني الجديد، بموقع "حديقة سوزان مبارك" وسط حملة ساخرة أطلقها رواد التواصل الاجتماعي، مع وعد بتنفيذ مبادرة رئاسية لزرع مليون شجرة، مشيرين إلى عمليات قطع الأشجار بشوارع الأحياء القديمة والحدائق العامة بمختلف المدن، ولجوء الجهات الحكومية إلى إزالة مناطق خضراء واسعة، لتوسعة الشوارع، دون أن تزرع شجيرات بديلة، تقلل من آثار محو الكتل الخضراء، وارتفاع درجات الحرارة في دولة تتعرض للتصحر، وتُعَدّ من أندر الدول في معدلات هطول الأمطار على مدار العام.


مصر تقطع الأشجار

تشير دراسات فنية أجراها مركز سياسيات بديلة بالجامعة الأميركية، إلى تراجع الغطاء الشجري في مصر بمعدلات هائلة، منذ عام 2010، مشيراً إلى أن مصر امتلكت نحو 1430 كيلومتراً مربعاً من الغطاء الشجري، بنسبة 0.15% من إجمالي مساحة البلاد. أكدت الدراسة التي أعلنت مطلع الأسبوع الجاري تراجع المساحة الشجرية بشكل كبير لتصل إلى 350 كيلومتراً مربعاً فقط عام 2023، في ظل عدم استغلال الحكومة مياه الصرف الصحي المعالج والمتوافرة بكثرة، في زراعة غابات صناعية بديلة من أشجار الأخشاب عالية الجودة والوقود الحيوي، بشكل كافٍ، حول المدن.
أوضحت الدراسة أن الحكومة استخدمت نسبة لا تتجاوز 6.8% من كميات مياه الصرف المعالج، في ري 42 غابة شجرة بمساحة 11.1 ألف فدان توازي 45 كيلومتراً مربعاً بالظهير الصحراوي لمحطات الصرف عام 2020، حيث عالجت الحكومة 74% من إجمالي مياه الصرف الصحي، وتخلصت من 63% من كميات المياه في البحيرات والأراضي الصحراوية، بدلاً من استخدام تلك الموارد في تعظيم الأمن المائي الآمن في التشجير.

كشفت الدراسة عن عدم استغلال الحكومة مياه الصرف الصحي في ظل ندرة مواردها المائية، حيث بلغت نسبة الاعتماد على الصرف الصحي نحو 6.2% من إجمالي موارد مصر المائية عام 2020، في حين تبلغ نسبة الاعتماد على نهر النيل 67.5%، مشددة على ضرورة أن تتجه الحكومة للاستفادة القصوى من موارد المياه المعالجة البديلة، ورفع كفاءة تشغيل محطات الصرف لزيادة الرقعة الشجرية، وزراعة الظهير الصحراوي بالمحافظات القابلة للاستصلاح التي تبلغ مساحتها 2.6 مليون فدان، بما يوزي 10.6 كم مربع، لتوفير الأخشاب المستدامة وزراعة الأشجار المنتجة للوقود الحيوي، بما يساعد على الاستثمار في الطاقة البديلة.
أكدت الدراسة الحديثة أن غابات مصر تظل الأكثر تراجعاً بمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، التي تتعرض جميعاً لمزيد من التصحر. وتشير منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" إلى انخفاض غابات مصر بنسبة -3.71%، بينما تزداد عمليات التشجير في كل من البحرين وسورية ولبنان وتونس وفلسطين والجزائر والمغرب، بنسب تراوح ما بين 1% و3% منذ عام 2020.
حمّلت الدراسة وزارة البيئة مسؤولية تزايد قطع الأشجار، مؤكدة أن الحوار الوطني الذي أجرته الوزارة حول قضية قطع الأشجار التي زادت وتيرتها خلال الأسابيع الأخيرة، في المدن كافة، أثار استياء الرأي العام لتزامنها مع ارتفاع درجات الحرارة، والتعامل بسطحية مع أزمة التصحر، بالترافق مع تشجيع قطع الأشجار، وإهمال الحكومة التشجير وزيادة المساحات الخضراء والغابات.

المساهمون