"لا توجد رؤية كاملة حول بيع محطات الكهرباء، فما زال إنشاء شركة كهرباء لمحطة "سيمنز" ببني سويف، في إطار الإجراءات"، هكذا حسمت تصريحات المتحدث الرسمي باسم وزارة الكهرباء والطاقة في مصر أيمن حمزة، لـ"العربي الجديد"، البون الشاسع بين الواقع والمأمول حول أكبر 3 محطات توليد كهرباء معروضة للبيع منذ 4 سنوات.
تحت وطأة الديون وشح الدولار، وحلول موعد أقساط قروض تصل إلى 6 مليارات دولار، مطلع يوليو/ تموز المقبل، أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي عن رغبة الحكومة بتسريع بيع 3 محطات كهرباء، إحداهما في بني سويف، بقرض يحل سداده في مطلع عام 2024، بـ8.2 مليارات دولار، تشمل قيمة التنفيذ وعقود التشغيل والإدارة وفوائد خدمة الدين لمدة 15 عاما.
حدد رئيس الوزراء في تصريحه، الأسبوع الماضي، 10 أيام للبدء في طرح شركات الكهرباء للبيع أمام المستثمرين في البورصة والتفاوض مع مستثمرين استراتيجيين، لنقل أصول آلت ملكيتها إلى صندوق مصر السيادي. جاء الوعد الأخير، الخامس من نوعه، كما رصدتها "العربي الجديد"، منذ عام 2019.
يحاول مدبولي إقناع حلفاء النظام الخليجيين بضخ أموال لمساعدته على مواجهة الأزمة الاقتصادية، وخفض الضغوط على عملة تواجه خفضا رابعا في قيمتها خلال عامين.
فشلت الوعود بالبيع تحت ضغوط انتشار وباء كورونا، وأزمة الحرب في أوكرانيا التي أخرجت الأموال الساخنة بسرعة هائلة، وأدت إلى صدمات مالية عميقة، تدفع الحكومة إلى البحث عن مخرج عاجل لنقل عبء دين سيادي هائل، ستظهر توابعه على الموازنة العامة في مطلع يناير/ كانون الثاني المقبل.
وقال المتحدث الرسمي باسم وزارة الكهرباء والطاقة أيمن حمزة، لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة أسست شركة "بني سويف" لتكون نواة لشركة خاصة بالمحطة التي نفذتها شركة "سيمنز" الألمانية خلال الفترة بين 2015 – 2018، مكتفيا بتأكيده أن وزارة الكهرباء ليس لديها علم بعمليات الطرح التي ستجري بالكامل عبر وزارة التخطيط والصندوق السيادي، المكلفين بتنفيذ برامج الطرح للمؤسسات العامة.
وأكدت مصادر بوزارة الكهرباء لـ"العربي الجديد"، أن محطات "سيمنز" ما زالت تابعة في الملكية والإدارة للشركة القابضة لكهرباء مصر، والإشراف المباشر من شركات إنتاج الكهرباء "شمال الدلتا" و"شمال القاهرة" و"شمال الصعيد"، وأن إجراءات نقل الأصول لمحطة بني سويف من شركة إنتاج شمال الصعيد لم تحدث على أرض الواقع.
وأوضحت المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، أن فصل ملكية المحطة يحتاج إلى تعديل الهيكل المالي والقانوني لشركات الكهرباء، بما يتيح فصل الأصول المالية لمحطات "سيمنز" عن أصول القطاع في الملكية العامة، قبل البدء في عمليات الطرح، وإلا ظلت المفاوضات على بيع أصول تلك الشركات مجرد "حبر على ورق".
وأكدت المصادر صعوبة تنفيذ تلك الإجراءات على وجه السرعة التي يطلبها رئيس الوزراء، بما يحسم تأجيلها عدة أشهر، ولحين الاتفاق على تسوية المستحقات والقروض المتعلقة بتلك المشروعات بين وزارت المالية والتخطيط والكهرباء والجهات الدائنة.
كما أشارت المصادر إلى أن قروض المحطات ذات ضمان سيادي من وزارة المالية وبموافقة البرلمان، مؤكدة أن جهات الإقراض الدولية والبنوك المحلية لن تكون طرفا في أي مفاوضات حول بيع الأصول بها، حيث سيحصل الدائنون على قيمة القروض والفوائد المقررة دوريا من الموازنة العامة مباشرة، بغض النظر عن مآل عوائد بيع الأصول.
سبق لوزير الكهرباء والطاقة المتجددة محمد شاكر أن عرض بيع محطات "سيمنز" على صناديق الاستثمار لشركات "بلاكستون" العالمية لإدارة الأصول، و"أكتيس" و"إدارا باور" الماليزية، على مدار 4 أعوام لم تسفر عن شيء.
وقال شاكر في تصريح صحافي في 28 مايو/ أيار 2019، إن الحكومة تلقت عروضا من الشركات الثلاث للاستحواذ على 3 محطات تعمل بالغاز بنظام الدورة المركبة، افتتحت في يوليو/ تموز 2018، وما زالت بصدد المراجعة للعروض، وفي حال قبول إحداها، ستشتري الوزارة الكهرباء من شركتي "إدرا باور" أو "زارو" التابعة لبلاكستون، عبر اتفاقية لشراء الطاقة.
وتبلغ قدرات التوليد المركبة بالمحطات الثلاث 14.4 جيغاوات، تساهم بـ27% من قدرات إجمالي الطاقة بالشبكة الموحدة، التي ارتفعت إلى 62 جيغاوات بنهاية عام 2022، وفقا لتقديرات مرصد مرفق الكهرباء والطاقة.
رفضت "إدارا باور" التعليق في حينه على تصريحات الوزير، مكتفية بقول مساعدة نائب رئيس الشركة جنفير وونغ إن "الشركة تدعم تحول مصر إلى مركز إقليمي للطاقة، ولكن من السابق لأوانه تقديم أي تعليقات في هذا الشأن".
وعلق المدير التنفيذي لشركة "سيمنز" بالقاهرة عماد غالي بالقول إن شركته التي تدير المحطات الثلاث بموجب عقد مدته ثماني سنوات ملتزمة بتشغيل وصيانة المحطات حتى عام 2024.
وبلغت تكاليف المحطات 6 مليارات يورو (6.7 مليارات دولار)، حصلت الحكومة على قروض بقيمة 85% من الكلفة من مجموعة المقرضين.
خططت وزارة الكهرباء عام 2017 لتأسيس 3 شركات لإدارة المحطات، لفصل كل مشروع على حدة ماليا، وتقييم أصوله تمهيدا لطرحه في بورصة الأوراق المالية أمام الجمهور، وعندما فشلت في الطرح بسبب تراجع قيمة الجنيه بنسبة 60% عام 2017 أمام الدولار والعملات الصعبة، لجأت إلى قرض جديد.
كان رئيس الوزراء قد أعلن في نهاية الأسبوع الماضي أن الحكومة تتطلع إلى اتخاذ خطوات سريعة لطرح حصة من محطة بني سويف خلال 10 أيام، مؤكدا نقل ملكية المحطة إلى صندوق مصر السيادي في العام الماضي، تمهيدا لعملية البيع.
وذكرت الحكومة أنها تدرس طرح استحواذ 7 شركات محلية ودولية، منها حسن علام للمرافق وإنفينيتي باور وأكوا بارو ألكازار إنرجي، على حصص بمحطات توليد كهرباء من الرياح بالبحر الأحمر.
وتستهدف الحكومة طرح محطات "سيمنز" ضمن برنامج بيع أصول في 32 شركة مملوكة للدولة على مدار العام الحالي، وإتمام 25% منها قبل نهاية يونيو المقبل، لمستثمرين رئيسيين أو الاكتتاب العام، لتوفير 2.5 مليار دولار كحد أدنى، للخروج من أزمة اقتصادية طاحنة، في ظل النقص الحاد للعملة الصعبة.
تبلغ قدرات التوليد المركبة بالمحطات الثلاث 14.4 جيغاوات، تساهم بـ27% من قدرات إجمالي الطاقة بالشبكة الموحدة
وتكتفي الحكومة بذكر برنامج طروحات "وثيقة سياسة الملكية العامة" التي أبرمتها مع صندوق النقد الدولي في ديسمبر/ كانون الأول 2022، التزمت فيها بزيادة دور القطاع الخاص في الاقتصاد، وجذب 40 مليار دولار من عوائد بيع شركات نفط وبتروكيماويات وتعدين وعقارات وفنادق وبنوك في الاستثمارات الخاصة، بحلول عام 2026.
غابت التفاصيل وفشلت الحكومة في تحديد محطات الطرح ونسب التخصيص، وتحديد أولويات الطرح لمستثمر رئيسي أم للطرح العام، والجدول الزمني.
وسعت الحكومة إلى طرح المحطات أمام صناديق الاستثمار السيادية الخليجية ومستثمرين من أوروبا وآسيا، ومستثمرين استراتيجيين، على مدار عام كامل، لم تصل إلى نتيجة محددة على مدار الأعوام الماضية. وأعلن المدير التنفيذي لصندوق مصر السيادي أيمن سليمان أن صندوق الاستثمار السعودي من بين المهتمين بالمحطات الثلاث، كجزء من تعهد الرياض باستثمارات بقيمة 10 مليارات دولار في مصر خلال العام الجاري.
ويمثل الاقتراض المصدر الرئيسي لتمويل العجز الكلي بالموازنة العامة للدولة، وسداد أقساط القروض المستحقة خلال السنة المالية المقبلة.
يصل العجز المتوقع في العام المالي 2023-2024، إلى نحو 824 مليار جنيه، بينما تبلغ قيمة سداد أقساط القروض المحلية والأجنبية تريليونا و315 مليار جنيه، تمثل ديون شركات الكهرباء 15% منها.