مشروع الإصلاح الأردني

24 يونيو 2021
كورونا تعمق أزمات الاقتصاد الأردني
+ الخط -

من الواضح أن ملك الأردن عبد الله الثاني بن الحسين قد حزم أمره، وقرّر أن يقطع الشك باليقين ويمضي في عملية الإصلاح. وقد وجهت إلى الأردن، في بعض الصحف الدولية، انتقادات بشأن التردّد في الإصلاح السياسي وغياب سياسات واضحة لمعالجة الوضع الاقتصادي، في ظل ارتفاع البطالة وزيادة نسبة الفقر.

وراجت، في الأسابيع الأخيرة، أقاويل كثيرة عن نية الملك تشكيل لجنةٍ من مختلف التوجهات لوضع مقترحات للإصلاح السياسي، يشمل إعادة النظر في قانوني الأحزاب والانتخابات التشريعية، وما قد يتطلبانه من تعديلات دستورية. وكذلك راجت التوقعات عن هوية رئيس اللجنة الذي سيسند إليه الملك هذه المهمة، فقال بعضهم إنها قد تكون من نصيب سمير الرفاعي، وأكد آخرون أنها ستُعطى إلى فيصل الفايز، الذي قاد أكثر من عشرين ندوة في الموضوع. ووردت أسماء أخرى مثل عبد الكريم الكباريتي.

وعلى الرغم مما سبق رسالة الملك إلى سمير الرفاعي من انتقادات لشخصه وخشية الناس منه، إلا أن الملك مضى في رأيه، وعيَّنه. وبذلك صارت عملية الإصلاح في أساسها مستندةً إلى شخصين، سمير الرفاعي، بصفته رئيساً للجنة السياسية، وإلى رئيس الوزراء الحالي بشر الخصاونة، الذي أعلن الملك، يوم الثلاثاء الماضي (6/15)، عن تكليفه بوضع برنامج إنعاش اقتصادي صالح لسنتين.

وهذا يعني وضع خطة قصيرة الأجل، تنهض بالاقتصاد الأردني، استعداداً لإجراء انتخابات برلمانية ربما تجرى بعد عامين. وإذا حصل انتعاش اقتصادي، سوف تفوز الأحزاب ذات التوجه الوطني، والتي أكد الملك عليها في لقائه الأول، يوم 6/15، مع لجنة "إصلاح المنظومة السياسية"، حينما قال إن اختلاف وجهات النظر مسموحٌ به طالما أن الجميع يضع مصلحة الأردن والأردنيين جميعاً فوق كل اعتبار.

للإصلاح السياسي في الأردن، في نهاية المطاف، أهداف نهائية، يجب الوصول إليها بالتدرج. أما التصور النهائي (end game)، فهو إيجاد أحزاب قوية وطنية، تجذب الشباب وتفعّل دورهم وانخراطهم في الحياة السياسية في الأردن.

وضماناً لهذا، اختار الملك كلاً من سمير الرفاعي وبشر الخصاونة، ويعاون الملك مباشرة في العملية ابنه الأكبر وولي عهده الأمير الحسين بن عبد الله، الذي واجه تحدّياً حينما استلم ولاية العهد مكان عمّه الأمير حمزة بن الحسين، الذي كان في عين الفتنة التي بدأت تكشف الأخبار والاعترافات التي أدلى بها المتهم الرئيس في تلك الفتنة، باسم عوض الله، عن عمق دور الأمير حمزة، والذي غضب بسبب استبداله بالأمير الحسين ولياً للعهد. وحسب الشهود، فإن الخطة لإحداث فتنة في الأردن قد بدأت منذ ذلك الحين.
والأمير الحسين من مواليد 28 يونيو/ حزيران عام 1994، حيث يحتفل بعد أيام بعيد ميلاده السابع والعشرين. وقد درس في الكلية العسكرية ساند هيرست في المملكة المتحدة، وتخرج قبلها من جامعة جورج تاون الأميركية عام 2016، وهو متابع للقضايا الشبابية وشغوف بها، وكذلك بالتعليمين العالي والثانوي، ومغرم بالتكنولوجيا، وخصوصا الرقمية منها. وتعمق متابعته عملية الإصلاح تجربته وتهيؤه للتعامل مع قوانين وتشريعات ستنفذ إبّان حكمه ملكا للأردن في المستقبل.
أما سمير الرفاعي فهو من عائلة صار منها أربعة رؤساء وزراء، وجدّه من أمه كان كذلك، وأخو زوجته صار رئيساً للوزراء، وزوج والدة زوجته، المرحوم هزاع المجالي، كان رئيساً للوزراء. فهو ولد وفي فمه ملعقة من السياسة والولاية العامة. والرجل من مواليد عام 1 يوليو/ تموز عام 1966، وهو خرّيج جامعة هارفارد، ويتمتع بمعدّل ذكاء مرتفع، وله خبرة في القطاع الخاص.
أما رئيس الوزراء بشر الخصاونة، فهو من مواليد 27 يناير/ كانون الثاني من عام 1969 (52 سنة). وقد تخرّج من كلية الحقوق في الجامعة الأردنية وحصل على الماجستير من (SOAS) جامعة لندن، والدكتوراه في القانون الدولي من كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.

وقد تمرّس في العمل الدبلوماسي مدة طويلة، ملحقا وسفيرا، ثم عمل وزيراً ومستشاراً في الديوان الملكي إلى أن كُلِفَ برئاسة الوزراء يوم 12 أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2020، فالمسؤولون المباشرون عن نقل الأردن هم ثلاثة من جيل الشباب، والذين يمكنهم أن يتفاعلوا مع اللجان المشكلة لغايات الإصلاح والانطلاق. وهم يتمتعون بالمعرفة والخبرة والذكاء الذي يؤهلهم لأداء المهمة، بالمشاركة مع لجنة الإصلاح الملكية، ومع المتطلبات الاقتصادية للعامين المقبلين.

بالطبع، أتت كل هذه التحديات قبيل زيارة الملك عبد الله الثاني المزمعة إلى واشنطن في أوائل الشهر المقبل (يوليو/ تموز)، والتي سيلتقي فيها الرئيس جو بايدن، كأول رئيس عربي يقابل الرئيس الأميركي. وستكون هذه الزيارة مهمة، وخصوصا أن للرئيس بايدن تصوّرا لدور الأردن في المراحل المقبلة، وفي ضوء اجتماعات الرئيس بايدن، خلال شهر يونيو/ حزيران الحالي، مع مجموعة الدول السبع، ودول حلف الناتو، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ومع انتهاء حقبة بنيامين نتنياهو، وخروج الأحزاب المتدينة من الحكومة الإسرائيلية، باتت الحاجة ملحّة لوضع ترتيبات في المنطقة، لحل المعضلات الأساسية، بدءاً من القضية الفلسطينية، ومروراً بالملف الإيراني، وما يندرج تحته من قضايا حسّاسة ودقيقة في المنطقة، مثل ملفات اليمن، سورية، العراق، أفغانستان، سد النهضة، السودان وغيرها. وكلها يجب أن تصبّ لتكون جزءاً من حالة التحول العالمي في الحرب الباردة بين الغرب من ناحية، والصين أولاً وروسيا ثانياً في الأيام الحاسمة المقبلة.

المساهمون